لا تتعجبوا من الفيتو الأمريكى!
ألم أقُل مرات كثيرة إن الإرادة السياسية الأمريكية الغائبة هى السبب الرئيسى فى استمرار الحرب الإسرائيلية التى تجاوزت العام بشهرين حتى الآن؟. ألم أقل من قبل أيضًا إن أمريكا بإشارة منها قادرة على وقف هذه الحرب العاتية التى قضت على الأخضر واليابس، ودمرت البشر والحجر فى غزة، وتتجه حاليًا إلى لبنان والضفة الغربية؟. الحقيقة المُرة أن هذه الحرب هى بإرادة أمريكية حقيقية، عندما استبدلت الجماعات الإرهابية بجماعة إرهابية أشد وهى إسرائيل، التى تأخذ شكل الدولة، بهدف تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد. ولذلك ليس غريبًا أن نجد كل المبادرات المصرية الكثيرة التى أطلقتها مصر من أجل وقف الحرب الإسرائيلية لا يتم الالتفات إليها. وما زالت مصر حتى كتابة هذه السطور تطلق نداءات واسعة فى كل المحافل الدولية، وآخرها ما قام به الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قمة العشرين عندما طالب بضرورة وقف فورى للحرب الإسرائيلية، وإنفاذ كل المساعدات إلى ما تبقى من شعب غزة الأسير.. إذن لم يكن مستبعدًا على الإطلاق بل جاء مؤكدًا لهذه الرؤية قيام الولايات المتحدة باستخدام حق الفيتو ضد مشروع قرار بوقف إطلاق النار فى غزة.
وجاء الاعتراض الأمريكى بالفيتو داخل مجلس الأمن، فى حين صوّت جميع أعضاء المجلس لصالح مشروع القرار المقترح، الذى يطالب بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة فى قطاع غزة وتبادل الأسرى الفلسطينيين والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من القطاع. وزعم ممثل أمريكا لدى الأمم المتحدة أن القرار المطروح بشأن غزة لم يستوفِ الشروط. وتلك حجة فارغة وواهية. وقلت أيضًا من قبل إن الذين يعولون على انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة واهمون ولا يدركون الحقائق كاملة، فلا تزال الإدارة الأمريكية على موقفها سواء جاءت بترامب أو غادر بايدن، أو مَن سيأتى بعدهما. كل ما تريده أمريكا فى الشرق الأوسط هو التدمير والخراب وإعادة تقسيم المنطقة طبقًا لمخططات كثيرة فشلت فى تنفيذها منذ عام ٢٠١١ وحتى الآن. اللهم إلا بعضًا من الدول العربية التى انخدعت وراء شعارات كاذبة ومخادعة للأمريكان وسقطت فى الوحل ودخلت فى حروب أهلية لا نعلم متى تنتهى ولا نعرف لها نهاية حتى الآن.
إن مصر بموقفها الثابت الذى لا يتغير ولا يتبدل، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تترك الأمر هكذا. ولم يعد يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة القرار الأول والوحيد فى وقف الحرب الإسرائيلية، وليست تل أبيب، لأن إسرائيل جاء اختيار أمريكا لها، للقيام بعملياتها العسكرية الإرهابية فى غزة أو فى لبنان واتجاهها أيضًا إلى الضفة الغربية، بهدف يروق لإسرائيل لأنها تريد تحقيق الحلم المزعوم لديها، وهو من النيل إلى الفرات. إضافة إلى أن الولايات المتحدة لم تجد من الإرهابيين مَن يقوم بتنفيذ هذه المهمة سوى إسرائيل باعتبارها جماعة إرهابية بالدرجة الأولى. فمصالح إسرائيل وأمريكا التقت عند هذه النقطة. وهذا هو مربط الفرس.
لكن الله سبحانه وتعالى سخر مصر للشرق الأوسط والإقليم، لتصد هذه المخططات الشيطانية التى تهدف إلى إشاعة الفوضى والخراب والتدمير وتقسيم الدول العربية، واحدة تلو الأخرى. ولأن القيادة السياسية المصرية رشيدة والشعب المصرى يتمتع بكل كياسة وفطنة وجدنا تصديًا كبيرًا، ووجدنا إصرارًا شديدًا على عدم تصفية القضية الفلسطينية، لأن هذه المرة لو نجحت أمريكا فى مخططها لضاعت فلسطين إلى الأبد، كما ضاعت من قبل الأندلس عندما وهنت أمة العرب. ومن هذا المنطلق وجدنا أن أمريكا لديها إصرار شديد على استمرار الحرب الإسرائيلية.وهنا لا تتعجبوا من استخدامها الفيتو ضد أى محاولة لوقف الإرهاب الإسرائيلى!!
إن الفجور الإسرائيلى الذى نراه حاليًا لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء بإرادة أمريكية واضحة وصريحة وإلا ما تفسير استخدام واشنطن حق الفيتو ضد كل القرارات داخل مجلس الأمن؟. هذا الفجور الإسرائيلى يستند بالدرجة الأولى إلى إرادة سياسية أمريكية قوية وواضحة لا تريد إيقاف هذه الحرب وتصر على استمرارها، من أجل تصفية القضية الفلسطينية أولًا، وثانيًا لإعادة تقسيم الشرق الأوسط من جديد طبقًا للهوى الأمريكى والمخطط الغربى المرسوم. ولذلك وجدنا أيضًا أن المجتمع الدولى غائب تمامًا، ولا يوجد له أى إرادة سياسية على الإطلاق لوقف هذه الحرب البشعة. ومن هذا المنطلق بات من المستحيل ومن المؤكد أيضًا أن الحرب لن تقف على الإطلاق، إلا إذا توافرت الإرادة السياسية لدى الأمريكان. ولدى المجتمع الدولى بأكمله. وفى غياب هذه الإرادة لا يمكن أبدًا بأى حال من الأحوال أن تتوقف الحرب. وتلك هى الطامة الكبرى. وهنا بات على دول المنطقة أجمع الالتفاف حول الرؤية المصرية الحكيمة والرشيدة التى تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية، وتفعيل حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.