مصر والسعودية.. أُخوَّة عربية وشراكة تاريخية لمواجهة التحديات الخارجية
تحظى مصر والمملكة العربية السعودية بعلاقات تاريخية وشراكة استراتيجية راسخة، وتمثل زيارة ولى العهد رئيس مجلس الوزراء السعودى الأمير محمد بن سلمان، إلى مصر، بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، امتدادًا لهذه العلاقات المتينة.
تأتى زيارة ولى العهد إلى مصر بعد شهر من زيارة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، فى ١٥ سبتمبر الماضى، المملكة، ولقائه الأمير محمد بن سلمان، التى بحثا خلالها عددًا من الملفات ذات الاهتمام المشترك، على رأس وفد رفيع المستوى، ضم مجموعة من الوزراء، لتعزيز العلاقات بين البلدين.
وخلال تلك المباحثات، أعرب الأمير محمد بن سلمان عن تطلعه لزيارة مصر فى أقرب فرصة ممكنة، ومقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لتأتى زيارته، أمس، لتحقق هذا الغرض، كما أعرب أيضًا عن تطلعه لعقد الاجتماع الأول للمجلس التنسيقى بين البلدين خلال الشهر الجارى.
تنسيق دائم لحماية الأمن القومى العربى.. ودعم مستمر للشعب الفلسطينى وحقه فى إقامة دولته
كانت ملفات وأزمات المنطقة العربية حاضرة على الدوام فى مباحثات ولقاءات قادة البلدين، وكان لحرب غزة، المستمرة منذ أكتوبر الماضى، النصيب الأكبر من المناقشات خلال الأشهر الماضية، مع تأكيد البلدين ضرورة وقف إطلاق النار ودعم إقامة الدولة الفلسطينية وإدخال المساعدات الغذائية والطبية لسكان القطاع.
وكان موقف السعودية صلبًا وداعمًا للموقف المصرى، خاصة فى رفض المخططات الإسرائيلية تهجير سكان قطاع غزة نحو سيناء، وأيضًا رفض بقاء قوات الاحتلال الاسرائيلى فى محور صلاح الدين على طول الشريط الحدودى بين مصر وقطاع غزة، وكذلك سيطرة الاحتلال على معبر رفح البرى من الجانب الفلسطينى.
وعلى ضوء التنسيق المستمر بين قيادى البلدين، استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى شهر سبتمبر الماضى، الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية السعودى، على رأس وفد حكومى.
وأكد اللقاء التنسيق والتعاون المشترك المكثف بين البلدين، فى مواجهة التحديات والمخاطر الأمنية المشتركة بالمنطقة، خاصة فى مجال مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، فضلًا عن تصاعد الجرائم الإلكترونية، حيث تمثل مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة مجالًا حيويًا للعلاقات بين البلدين.
فى الشهر ذاته، وفى ٩ سبتمبر الماضى، زار وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان، القاهرة، للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأكد الجانبان، خلال اللقاء، حرصهما الدائم على التعاون لحلحلة الملفات الشائكة، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، ومواجهة التحديات الأمنية فى إطار حرص البلدين على ترسيخ الاستقرار على المستويين الإقليمى والعالمى.
كذلك، شهد العام الماضى فى ١٨ مايو، زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، السعودية، للمشاركة فى الدورة الـ٣٢ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، بمدينة جدة، والتقى خلالها ولى العهد السعودى، الذى أكد تطلع المملكة لمواصلة دفع العلاقات الثنائية المتميزة مع مصر فى مختلف المجالات.
وفى ٣ أبريل من العام الماضى، وقبل شهر من قمة جدة، زار الرئيس السيسى، الرياض، واستعرض مع ولى العهد السعودى العلاقات الثنائية الوثيقة والتاريخية بين البلدين الشقيقين، وآفاق التعاون المشترك، وسبل تعزيزه وتطويره فى مختلف المجالات، بجانب بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، ومجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وضمن التنسيق المستمر بين البلدين، زار الرئيس السيسى، المملكة، فى ٩ ديسمبر ٢٠٢٢ للمشاركة فى القمة العربية- الصينية، كما بحث مع الأمير محمد بن سلمان تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، لا سيما على الصعيدين الاقتصادى والاستثمارى، وتدشين المزيد من المشروعات المشتركة.
وفى العام ذاته، فى ١٦ يوليو ٢٠٢٢، شارك الرئيس السيسى خلال زيارته السعودية فى «قمة جدة للأمن والتنمية»، التى ضمت قادة مصر والعراق والأردن ودول مجلس التعاون الخليجى والولايات المتحدة، وجاءت هذه الزيارة بعد أسابيع من زيارة ولى العهد مصر فى ٢٠ يونيو ٢٠٢٢، التى بحث خلالها مع الرئيس السيسى مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها فى مختلف المجالات، بجانب مناقشة القضايا السياسية الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، فى إطار الشراكة الاستراتيجية العميقة والتاريخية بين البلدين.
وكان عام ٢٠٢٢ حافلًا باللقاءات، ففى ٨ مارس، زار الرئيس السيسى السعودية، واستقبله الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعقدا مباحثات منفردة، أعقبتها جلسة مباحثات موسعة ضمت وفدى البلدين، مع إشادة العاهل السعودى بدور مصر المحورى فى المنطقة العربية، وجهودها الحثيثة لمساندة ودعم الدول العربية والخليجية كركيزة أساسية لصون الأمن والاستقرار فى الوطن العربى.
وكذلك، شهد عام ٢٠١٩، وتحديدًا فى ٣٠ مايو، زيارة الرئيس السيسى المملكة، للمشاركة فى القمة العربية الطارئة والقمة الإسلامية، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين.
فيما كانت زيارة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان مصر فى ٢٦ نوفمبر ٢٠١٨ من أبرز الزيارات، واتفق خلالها على تعظيم التعاون والتنسيق المصرى- السعودى كدعامة أساسية لحماية الأمن القومى العربى، ومواجهة التدخلات الخارجية فى الشئون السيادية لدول المنطقة.
وسبق ذلك الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر فى عام ٢٠١٦، التى وضعت أسسًا قوية لتعزيز علاقات البلدين، وأسفرت عن توقيع أكثر من ٦٠ اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتوكول تعاون، تضمنت جميع أوجه التعاون المشترك فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاستثمارية.
اتفاقات متنوعة لتعزيز التعاون الاقتصادى.. وتدشين مجلس التنسيق السعودى- المصرى منذ 2016
لا يقل مستوى التعاون الاقتصادى والتجارى عن التنسيق السياسى بين قيادات ومسئولى البلدين، فقد أسست زيارة الملك سلمان لمصر عام ٢٠١٦ أسسًا قوية من الشراكة الاقتصادية، عبر مجلس التنسيق السعودى- المصرى، الذى دشنه الرئيس السيسى وخادم الحرمين خلال الزيارة، بعد أن أبرم المجلس ١٧ اتفاقية، عززت التعاون الاقتصادى بين البلدين، فى كل المجالات.
وجراء استمرار هذا التعاون، أصبحت السعودية ثانى أكبر دولة عربية تستثمر فى مصر، بأكثر من ٢٩٠٠ مشروع، بقيمة تصل إلى ٣٠ مليار دولار، فيما يستهدف البلدان زيادة استثمارات المملكة المباشرة فى مصر لأكثر من ٥٠ مليار دولار.
ومؤخرًا، جاءت زيارة حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، المملكة- منتصف الشهر الماضى- ولقاؤه نظيره الوزير خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودى، لدعم ذلك الأمر، بعد أن بحثا فرص التعاون الاستثمارى المشترك، والتعريف بالفرص الاستثمارية فى مصر.
ومثلت زيارة الخطيب المملكة ترجمة فعلية لتنفيذ مخرجات الاجتماع، الذى عقده الدكتور مصطفى مدبولى، فى أغسطس الماضى، لبحث ومناقشة مواد اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار المصرى- السعودى، وتأكيد الاجتماع متابعة الخطوات الجارية للتوصل إلى الاتفاقية فى صورتها النهائية، بدفع أطر التعاون بين مصر والمملكة، وزيادة الاستثمارات المشتركة.
وبخلاف الاستثمارات، تحظى السعودية ومصر بتبادل تجارى ضخم، إذ تعد المملكة ثانى أكبر الأسواق التى تستقبل المنتجات المصرية، فيما تعد مصر ثامن أكبر مستورد للسلع والبضائع السعودية، بحجم تبادل تجارى تجاوز ٧.٥ مليار دولار سنويًا.
وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الصادرة فى مايو الماضى، فقد جاءت السعودية على رأس قائمة أعلى الدول العربية استيرادًا من مصر خلال العام الماضى، بقيمة بلغت ٢.٧ مليار دولار، فيما تصدرت السعودية قائمة أعلى الدول العربية تصديرًا لمصر بقيمة بلغت ٥.٢ مليار دولار.
تعاون عسكرى وأمنى فى تدريبات «درع الخليج» و«تحية النسر».. وتوطين الصناعات الحربية المشتركة
كان للتعاون العسكرى والأمنى أولوية بالنسبة للبلدين، إذ تتنوع أوجه التعاون بين مصر والسعودية، وتتضمن التدريبات المشتركة وتبادل الخبرات، مثل التدريب البحرى المشترك «مرجان»، والتدريب الجوى المشترك «فيصل»، هذا بخلاف تدريبات أخرى جمعت القوات المسلحة للبلدين، مثل «رعد الشمال» و«درع الخليج» و«تحية النسر» و«النجم الساطع».
وكانت القوات المسلحة المصرية حاضرة فى التحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن عبر عناصر من القوات البحرية والجوية، لدعم الشرعية وصون المصالح العربية والدفاع عنها.
فضلًا عن ذلك، يقود البلدان تعاونًا مكثفًا فى توطين الصناعات الحربية المشتركة، وقد عبر عن ذلك زيارة أحمد بن عبدالعزيز العوهلى، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية، والوفد المرافق له، القاهرة، فى شهر ديسمبر الماضى، ومشاركتهم فى المعرض الدولى للصناعات الدفاعية « EDEX 2023»، فى نسخته الثالثة خلال الفترة من ٤ - ٧ ديسمبر ٢٠٢٣، تحت رعاية الرئيس السيسى.
وبحث الجانبان، خلال الزيارة تعزيز أوجه التعاون المشترك بين البلدين بمجالات التصنيع المختلفة.
وفى فبراير من العام ذاته، زار وزير الدولة للإنتاج الحربى محمد صلاح الدين مصطفى، الجناح السعودى بمعرض الدفاع الدولى «IDEX 2023» والمقام بمدينة أبوظبى، وأشاد بالمعروضات العسكرية التى تشارك بها الشركات والمؤسسات السعودية، كما أشاد بالتطور النوعى الكبير الذى تشهده العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة فى هذا المجال.