مصر وكينيا.. تاريخ طويل من دعم نيروبي ضد الاستعمار إلى البناء والتنمية
تواصل مصر تعزيز علاقاتها مع دول القارة الإفريقية، بحثا عن خدمة مصالح شعوب القارة والاستفادة من خيراتها وثرواتها الطبيعية وموقعها المتميز، في تعاون مشترك قائم على تبادل المصالح، وتقديم الدعم والمساندة المتبادلة في القضايا والملفات الإقليمية والدولية، ومن أبرز هذه الدول كينيا التي تربطها بمصر علاقات تاريخية ونضال مشترك ضد الاستعمار.
وتعود العلاقات بين مصر وكينيا إلى فترة ما قبل الاستقلال الكيني، حيث قامت مصر خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر بمساندة حركة "الماو ماو" الكينية من خلال حملة إعلامية ودبلوماسية مركزة ضد الاستعمار البريطانى لكينيا، وتم تخصيص إذاعة موجهة من مصر للشعب الكيني لمساندته فى نضاله لتحرير بلده باسم "صوت أفريقيا"، وهى أول إذاعة باللغة السواحيلية تبث من دولة أفريقية لدعم كينيا فى الحصول على استقلالها.
وجعلت مصر من قضية "الماو ماو" قضية أفريقية، وسعت إلى الإفراج عن الزعيم الكينى جومو كينياتا الذى احتجزته سلطات الاحتلال البريطانى عام 1961، وكانت القاهرة أول عاصمة تستقبل المناضلين الكينيين، وتمدهم بكل المساعدات الممكنة لتنشيط حركتهم داخل كينيا، وتكللت الجهود المصرية فى دعم الكفاح الكينى بحصول كينيا على استقلالها فى عام 1963.
جمال عبدالناصر وتحرر كينيا
وفي عام 1964 تحولت كينيا إلى جمهورية وبدأت العلاقات الدبلوماسية مع مصر وافتتحت سفارتها بالقاهرة، وخلال اعتماده أوراق أول سفير لجمهورية كينيا بالقاهرة عبر له الرئيس عبد الناصر عن إعجابه بكفاح الشعب الكينى من أجل الحرية والاستقلال بزعامة "جومو كينياتا" الذى أصبح أول رئيس لكينيا بعد الاستقلال، وأبدى عبد الناصر استعداده للتعاون الكامل مع كينيا وكافة الدول الأفريقية من أجل تعزيز قوة أفريقيا وتنمية مواردها بما يساهم فى تدعيم وحدتها.
وفى عام 1964 استضافت مصر مؤتمر القمة الأفريقى الثانى، وعلى هامش جلسات المؤتمر أبدى الرئيس عبد الناصر استعداده للتعاون العسكرى مع كينيا وأجابه الرئيس كينياتا بالإعراب عن رغبته فى التخلص من القوات البريطانية الموجودة فى بلاده، ومساندة مصر لكينيا ومساعدتها فى بناء الجيش الكينى الوطنى، وبالفعل كلف عبد الناصر وزير إعلامه محمد فايق بالسفر إلى نيروبى، وأثناء الزيارة تم الاتفاق على تدريب كتيبة مظلات، وإرسال خبراء عسكريين مصريين لتدريب الجيش الكينى، بعد التخلص من الضباط الإنجليز، بالإضافة لإرسال أعداد من الضباط الكينيين للتدريب فى مصر.
يذكر فى هذا الصدد الكلمة الشهيرة للرئيس جومو كينياتا: "سنظل نذكر ناصر دائما أن مساندته لأفريقيا حررت الكثير من دولها".
كانت كينيا ضمن الدول الأفريقية التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل عقب حرب أكتوبر 1973، حيث اتخذ المجلس الوزاري لمنظمة الدول الأفريقية، الذي عقد في نوفمبر 1973 قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية بإسرائيل، ومطالبتها بالانسحاب من الأراضي المحتلة ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير.
فى فبراير 1984 قام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بزيارة كينيا ضمن جولة أفريقية زار فيها كل من زائير والصومال وتنزانيا، وعرض أن تكون مصر جسرا بين الدول العربية والشعوب في إفريقيا وكوسيط محتمل في حل نزاعات القارة.
فى عام 1998 انضمت مصر إلى اتفاقية الكوميسا التى تضم 22 دولة أفريقية، وكانت كينيا قد وقعت على نصوص الاتفاقية أثناء انعقاد المؤتمر الوزارى بالعاصمة المالاوية ليلونجوى عام 1994، وتمثل الكوميسا بالنسبة لمصر أهمية خاصة من الناحية الجيوبوليتيكة حيث إنها تتمتع بموقع جغرافى متميز حيث تجاور العالم العربى ومنطقة القرن الأفريقي ودول حوض النيل أى أنها بمثابة حزام يحيط بمصر.
علاقات ثنائية متنامية
استمرت مصر في تعاونها مع كينيا على كافة المستويات، وبرزت علاقات الأخوة التى جمعت بين الشعبين الشقيقين المصرى والكينى في وقت الأزمات، وفي مواجهة الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات وذلك من خلال تقديم المعونات الغذائية والطبية والفنية للشعب الكيني.
ترتبط مصر وكينيا بشريان حياة واحد هو نهر النيل، وتاريخ طويل من التعاون البناء، وتتشاركان في ذات التطلعات والتوجهات، فالبلدان يسعيان لتحقيق التنمية والرخاء الاقتصادي لشعبيهما اعتمادا على إمكاناتهما الكبيرة وموقعهما الاستراتيجي المتميز.
العلاقات المصرية الكينية بعد 2014
شهدت العلاقات بين مصر وكينيا منذ عام 2014 تطورا إيجابيا وتناميا ملحوظا على جميع الأصعدة، وانتهجت مصر مسارين في علاقاتها مع كينيا، المسار الأول هو العلاقات الثنائية والزيارات المتبادلة التي تدعم التعاون بينهما، أما المسار الثاني فيتعلق بالتعاون فى مجال المياه باعتبارهما دولتين هامتين فى مجموعة دول حوض النيل.
وفي مايو 2021، وقعت مصر وكينيا إتفاق فني للتعاون في المجال العسكري والدفاعي بين البلدين، كما اتفق الجانبان على تطوير أوجه التعاون العسكرى فى مجالات التدريب والتأهيل ونقل الخبرات ورفع القدرات العسكرية بما يعزز قدرات الجانبين على مواجهة التحديات لأمنهما القومى ومصالحهما المشتركة.
حجم التبادل الاقتصادي
وتباينت قيمة التبادل التجارى بين مصر وكينيا خلال فترات زمنية مختلفة، خلال 2020 ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وكينيا بنحو 3.58% مسجلا 635.8 مليون دولار مقابل 613.8 مليون دولار في 2019، كما ارتفع فائض الميزان التجاري لصالح مصر خلال 2020 من 237.6 مليون دولار الى 261.2 مليون دولار بنسبة ارتفاع بلغت 9.9%.
وارتفعت قيمة صادرات مصر إلى كينيا بنسبة 5.3% بما يعادل 22 مليون دولار لتبلغ 448.5 مليون دولار مقابل 425.7 مليون دولار في 2019، ما يؤكد أهمية السوق الكيني لمصر وكذلك ثقة المستورد والمستهلك الكيني في السلع المصرية، كما تعد كينيا تعد أحد أهم الأسواق الواعدة للسلع المصرية.