51 سنة لنصر أكتوبر.. «الجيش اللى عملها مرة قادر يكررها كل مرة»
تعيش مصر حاليًا أجواء الذكرى 51 لانتصارات أكتوبر المجيدة، التى تعد واحدة من أعظم وأقدس أيام التاريخ العسكرى المصرى، يوم أن حطم أبناء «المحروسة وكنانة الله» فى أرضه غرور العدو الذى صدر وصور نفسه أنه لا يقهر ولا يهزم، ولا تقوى دولة فى المنطقة عليه، وأنه تسيد الرمال الطاهرة لسيناء، أرض الفيروز، وأنه فى طريقه لتحقيق ما يسميه وعد الرب له بالسيطرة على أرض الميعاد وبداية مشروعه لإقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل بعد حرب الأيام الستة فى 1967.
العدو المغتر بنفسه يعلم تمام العلم أنه دون مساعدة أمريكا وأوروبا لم يكن ليستمر عامًا واحدًا فى المنطقة، وحتى الآن لولا الدعم العسكرى والمالى لتكفلت به بضع فصائل بدائية، وهو فى ذروة وقمة التطور التكنولوجى والعسكرى، فها هو منذ السابع من أكتوبر 2023 ولمدة عام كامل فشل فى تحقيق أهدافه فى حربه الجنونية والوحشية على قطاع غزة، فلا هو بكل قواته وأجهزته الأمنية والاستخباراتية أعاد أسرى أو محتجزين، أو يستطيع أن يؤكد أنه قضى على فصائل وحركات المقاومة الفلسطينية فى القطاع.
وعلى الرغم من ذلك لا يستحى من القول بأن هذه الفصائل، التى يقلل من خطرها الآن كما فعل سابقًا، قد أثخنته وحطمت فى «اليوم التالى» لليوبيل الذهبى لذكرى انتصار أكتوبر ما تبقى من صورة وأكذوبة الجيش الذى لا يقهر الذى حاول إقناع العالم بها فى 1967 فإذا بها تتهاوى كقطع زجاج واهية، وتتلاشى كضباب انقشع بفعل أشعة شمس لاهبة فى الساعة الثانية من ظهر 6 أكتوبر 1973، ليفيق قادة الكيان على معجزة مصرية وفضيحة إسرائيلية، ما زالت وقائعها تُدرّس حتى الآن فى المعاهد العسكرية المختلفة، وبأرقام قياسية فشلت كبرى دول العالم فى تجاوز وكسر بعضها رغم الفارق الزمنى والتطور التكنولوجى الهائل فى وقتنا الحالى.
اليوم تحل هذه الذكرى الغالية على قلب كل مصرى، والمنطقة تموج فى خضم أحداث غير مسبوقة من حرب غزة التى تبدأ عامها الثانى بمجازر جديدة لقوات الاحتلال التى لا تراعى ولا تعرف أى قانون دولى أو إنسانى فى محاولة مستمرة لاستعادة بعض من كبريائها الذى سُحق على حدود مستوطنات غلاف غزة على يد مجموعات من فصائل المقاومة لا تحمل فى جعبتها أكثر من بضعة أسلحة يملك المستوطنون أعلى منها.
ورغم آلة القتل الإسرائيلية، بكل عنفوانها وغطرستها وإمعانها فى إسالة دماء المدنيين العزل والأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال، وبعد رفضها وعرقلتها كل جهود ومحاولات الوساطة المصرية القطرية الأمريكية طوال 11 شهرًا، لم تستطع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بقيادة المأزوم والملاحق قضائيًا بنيامين نتنياهو أن تعلن انتصارها أو تحقيق أقل قدر من أهدافها، ليقع نتنياهو فى مستنقع غزة التى سحبت شعبيته وجعلت الإسرائيليين، خاصة أهالى المحتجزين، يخرجوا ضده فى مظاهرات هى الأكبر والأوسع منذ المظاهرات الرافضة لقانون الإصلاح القضائى والتى خرج الناس فيها ضده أيضًا.
وعلى إثر عام من استمرار الأزمات فى غزة، وعدم وجود مخرج كما منذ بداية الحرب، لم يجد نتنياهو أى حل سوى الانتقال لما كان يصبو إليه بتوسيع نطاق الصراع العسكرى، ليذهب إلى لبنان مستغلًا ثغرات حزب الله الذى فوت الفرصة تلو الأخرى ليكون جبهة قتال حقيقية وموجعة لإسرائيل، وليدفع ثمن هذا التردد والتساهل وانتظار الضوء الأخضر من طهران التى أصبحت هى الأخرى فى أضعف حالاتها منذ ثورة الخمينى ونشأة نظام الولى الفقيه، فمن وفاة إبراهيم رئيسى الغامضة، إلى اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى طهران، بعد حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد ،مسعود بزشكيان، وهى فى حالة صمت بمبررات غير منطقية.
لتفيق إيران على سلسلة اغتيالات لأكبر قادة حزب الله ثم مسلسل هجمات «البيجرز»، وبعدها استهداف واغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، وباقى قيادات الصفوف الأولى والثانية والثالثة ليصبح ذراعها الأقوى فى المنطقة فى حالة من التردى والضعف لم تحدث حتى فى حرب يوليو 2006، وتبدأ بعدها إسرائيل عملية برية وصفتها بالمحدودة، ولكنها بداية وتكأة وتوطئة لإعادة احتلال جنوب لبنان، وربما كانت مساحات أوسع من بلاد الأرز، فى ظل تخبط حزب الله الذى لا يلبث يُعرف عنه أنه اختار قيادة جديدة ترؤسه لتدير شئونه حتى تسارع إسرائيل لاغتيالها كما حدث مع هاشم صفى الدين.
وفى ظل هذه الأحداث الاستثنائية والمتسارعة، خرج علينا نتنياهو ليقول إن إسرائيل تحارب على 7 جبهات سمى منها غزة ولبنان واليمن، ونعرف أن بقيتها هى الضفة الغربية والجولان والفصائل العراقية، إلى جانب الصواريخ الإيرانية، وتتبقى الجبهة السابعة التى لم يشر إليها أو يسمها بشكل واضح، ولكن البعض يحاول القول بأنه يقصد إما الأردن أو مصر، فى ظل سعيه الحثيث لإحداث أى أزمات وتوترات كما فعل من خلال حديثه السابق عن التهجير والسيطرة على معبر رفح الفلسطينى ومحور فيلادلفيا فى محاولات لما يمكن أن نسميه جر شكل الدولة المصرية، التى تعاملت مع محاولات «عراب الخراب» نتنياهو بأقصى وأفضل درجات ضبط النفس والمسئولية التى تفرضها سير الحوادث والأمور إقليميًا فى المنطقة.
ولكن مع حلول الذكرى 51 لانتصارات أكتوبر المجيدة، وفى ظل هذه الأحداث على الجميع من كل الجهات والأطراف فى المنطقة أن يتذكر تصريحين للرئيس عبدالفتاح السيسى، القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية وهما، «إن مصر دولة قوية لا تمس»، والثانى عن القوات المسلحة المصرية خير أجناد الأرض وانتصار أكتوبر حينما قال «إذا كان الجيش المصرى قدر يعملها مرة فهو هايبقى قادر يعملها كل مرة».