منهم عُين وزير والآخر أميرًا.. كيف اهتم محمد علي بالمترجمين وقلدهم أرفع المناصب؟
يحتفل العالم اليوم، بـ اليوم العالمي للترجمة الذي يوافق 30 سبتمبر من كل عام، تقديرًا لإسهامات المترجمين، لنشر المعرفة في جميع أنحاء العالم، وتكريمًا لدورهم الهام في تعزيز التواصل والتفاهم والتعاون الدولي بين مختلف الشعوب.
ونستعرض في التقرير التالي، مكانة المترجمين الرفيعة في عهد محمد علي، الذي ازدهرت في عهده حركة الترجمة بشكل واسع.
مكانة المترجمين الرفيعة في عهد محمد علي
يرجع المؤرخ جاك تاجر، في كتابه "حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر" إلى أن ازدهار حركة الترجمة في هذا العصر له سببان أساسيان، الأول هو حاجة محمد علي الشخصية إلى معرفة الأوروبيين، والاطلاع على مؤلفاتهم العلمية والأدبية، والثاني كان في رغبته في نشر الحضارة الغربية، والاستعانة في البدء بالأجانب لتثقيف شعبه.
وقد لا يعرف الكثيرين أن والي مصر، محمد علي، لم يتعلم القراءة إلا في الخامسة والأربعين من عمره، ورغم هذا كان دائم الاطلاع على مؤلفات الغرب، وما تحوي من فلسفة وحكم، وأساليب خاصة بالإدارة والحرب.
الإطلاع على كتب وأحوال الغرب.. ضرورة عند “محمد علي”
ولا يخلو التاريخ من مواقفه الطريفة، فقد ذكر الكونت «ديستورميل» D’Estourmel قصة دونها في كتابه تشير إلى مدى اهتمام محمد علي بترجمة كتب الغرب، وتحكي القصة: أن أحد الملوك أهدى إلى والي مصر كتابًا في علم الجغرافية مجلدًا تجليدًا فاخرًا فاستدعى الباشا كبير مترجميه، وسأله "كم تحتاج من الوقت لترجمة هذا المؤلف" فأجابه المترجم "ثلاثة أشهر تقريبًا".
ويبدو أن الوالي لم يعجب بهذا الكلام، فأحضر محمد علي باشا سيفه، وقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام وزعها على ثلاثة مترجمين، وذلك لإنجاز العمل في شهرٍ واحد، وهذه القصة تبين مزيد عنايته واهتمامه بالاطلاع عاجلًا على أحوال الغربيين.
كيف اهتم محمد علي بالمترجمين وقلدهم أرفع المناصب؟
خصص الوالي محمد علي مهمة رسمية للمترجمين وهي "الترجمان" نظرًا لاتصاله المستمر بقناصل الدول وكبار الموظفين الأجانب والسياح القادمين إلى مصر، وأول من اختاره الباشا لشغل هذا المنصب هو "يوسف بوغوص" الأرمني الأصل وكان يتقن عدة لغات.
وكان هؤلاء المترجمين لا يفارقون الوالي، نظرصا لأهميتهم الشديدة بالنسبة له، فقد اكتسبوا نفوذًا عظيمًا، حيث يشير المؤرخ "جاك تاجر"، إلى إن الترجمان بوغوص بك عينه الوالي وزيرًا للشئون الخارجية وللتجارة، وكان محمد علي يستشيره في أهم مسائل الدولة، ويطلق له الحرية التامة في تصريف كثير من الأمور الداخلية.
كما أن المترجم عثمان نور الدين باشا، يذكر عنه التاريخ، أن الوالي محمد أحبه حبًا أبويا وأرسله إلى أوروبا ليتعلم اللغات والعلوم فقد خالط بعد عودته إلى مصر كثيرًا من السياح الذين كان يصحبهم في رحلاتهم، فأعجبوا بذكائه النادر وإلمامه باللغات، ولا سيما اللغة الفرنسية، وقد قلده الوالي أيضًا أعلى المناصب حتى صار أميرًا للبحر وقائدًا للأسطول المصري.
وهكذا عكف محمد علي على استدعاء الأجانب، للقيام بعضهم بأعمال الإدارة والقيادة على حين قام فريق آخر بتثقيف الشعب، وصرف لهم المرتبات الضخمة، وسهر على سلامتهم ورفاهيتهم، وكان يهدف الوالي إلى استخدامهم "معلمين بالنيابة" يحل محلهم الوطنيون بالتدريج، وقد أدى وجود هؤلاء الأجانب واستخدامهم في الحكومة المصرية إلى إزدهار حركة الترجمة في مصر.