رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تراث الطيور.. كتاب جديد لمصطفى جاد عن معهد الشارقة للتراث

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر الكتاب هذا الأسبوع عن معهد الشارقة للتراث للدكتور مصطفى جاد، العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون الشعبية، وخبير التراث اللا مادي باليونسكو.. ويقع في 433 صفحة ومزود بصور ملونة تعكس المعارف والممارسات والإبداعات الشعبية العربية.

مصطفى جاد

يقول الدكتور مصطفى جاد عن كتابه في المقدمة: "تراث الطيور ينطوي على الكثير من المعارف الشعبية المتوارثة، والتي تتوزع مهاراتها بنسب متفاوتة بين أفراد المجتمع.. فنجد من يهتم بالطيور من زاوية الطعام واختيار الأنواع الجيدة.. وقد ترتبط المعارف عند البعض بتمييز أصوات الطيور، أو تقليد أصواتها، أو استدعاء الطيور بأصوات معينة فتلبي نداءه، سواء كانت طائرة في السماء أو راسية على الأرض، وهناك من يهتم بتربية الطيور، وآخرون تخصصوا في صيد أنواع منها، على حين يهوى البعض رسم أشكال الطيور، سواء كحالة إبداعية أو معتقد للحماية.. والطيور قد تكون أليفة كالحمام أو اليمام أو العصافير، وقد تكون جارحة كالنسور والصقور.. وهناك طيور نراها كل يوم.. ونقترب منها.. ونتعامل معها.. وهناك طيور لا يمكننا الاقتراب منها إلا من خلال معارف وقدرات معينة كالصقر والنسر والطاووس. وفي جميع الحالات سنجد عالم الطيور شديد القرب جدًا من عالم الإنسان، فلا يمر يوم دون أن يكون بيننا وبين الطيور علاقة ما، سواء بالنظر، أو السمع، أو الأكل، أو التفاؤل، أو التشاؤم.

تراث الطيور

يرصد الكتاب عناصر التراث الشعبي العربي، سواء الحي المتداول، أو ما ورد إلينا من تصورات عربية حول الطيور. واخترنا بعض الطيور الأقرب إلى الحياة اليومية في البيئات العربية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن البعد الديني حول الطيور، لا يدخل ضمن الإطار الموضوعي للكتاب، والذي يمكن تتبعه في دراسات أخرى، ومن ثم فقد كان تركيز المؤلف على البعد المعرفي والتصور الشعبي حول الطيور، هو ما كان يشغله في بحث التراث الثقافي غير المادي بصفة عامة.

وحاول المؤلف قدر المستطاع الاستعانة ببعض الممارسات في المنطقة العربية، كمدخل بحثي في المستقبل لمن يريد تتبع الموضوع في دراسة موسعة، حيث يحتاج التوثيق العربي المنهجي لتراث الطيور في المنطقة العربية إلى فريق عمل متعدد التخصصات، نظرًا لاتساع موضوع الطيور في الثقافة العربية عامة، فضلاً عن تعدد المناطق الثقافية في البيئات العربية، والتي يمكننا من خلالها الوقوف على كثير من التفاصيل.

وعلى هذا النحو يبحث المؤلف عنصر الطيور من زوايا متعددة، بدأها برصد بعض البقايا الأسطورية حول الطيور، والتي ما زال تأثيرها حتى الآن، ومنها بقايا أسطورية حول الغراب، والبعد الأسطوري لطائر العنقاء، والبعد الأسطوري لزرقاء اليمامة. ومن ثم كان المدخل لبحث المعتقدات الشعبية حول الطيور، ومظاهر هذه المعتقدات كارتباط الطيور بالأولياء والقديسين، والتأثير السحري للطيور، والتفاؤل بالطيور والتشاؤم منها، فضلاً عن طلاسم الطيور، والتصور الشعبي حول رؤية الطيور في الأحلام. ثم انتقلنا إلى المعارف المرتبطة بالطيور؛ ليتسع المجال لتتبع أدوات الحماية من الطيور، والمعارف المرتبطة بصيد الطيور، وأدوات الصيد، حيث توقفنا عند مهارات الصيد بالصقور، وتراث الأماكن التي توجد فيها الطيور، وبحث دور الطيور في التنبؤ، وخصائص بعض الطيور كالحمام الزاجل، فضلاً عن الممارسات الطبية الشعبية المتعلقة بالطيور.

أما العادات والتقاليد المرتبطة بالطيور، فقد مثلت الممارسات المرتبطة بدورة الحياة من الميلاد إلى الزواج، ثم الوفاة، إلى جانب الاحتفالات الشعبية، حيث رصدنا العادات المرتبطة بوطوطة البنات، وتسمية الوليد بأسماء الطيور، ورمزية الحب لدى الحمام، وطيور ليلة الزفاف، وحضور الطيور في مقابر الموتى، والطيور كطعام في المواسم والاحتفالات، لنتوقف عند عادات تربية الطيور.

أما الجوانب الإبداعية المرتبطة بالطيور، فقد بدأها ببحث الطيور في الأدب الشعبي العربي، حيث توقف عند مجموعات حكايات الطيور، مثل كليلة ودمنة، وحكايات لافونتين، وحكايات أيسوب، ودور الطيور الدرامي في السير الشعبية العربية، حيث رسمت الطيور ملامح أبطال السيرة الهلالية، وفي الحكايات الشعبية يرصد عنصر تحول الطيور، وجدلية الحكي بين الإنسان والطير، والصراع بين الإنسان والطيور، حتى يصل إلى الحكايات المرحة؛ ليتوقف عند الطيور في حكايات جحا. واختتم الجانب الأدبي الشعبي بعرض لبعض النماذج من الأمثال الشعبية، والألغاز الشعبية؛ للتعرف على رؤية الجماعة الشعبية للطيور من خلالهما.

الطيور

وفي إطار بحث الإبداع الشعبي العربي المرتبط بالطيور فقد تناول عنصر الطيور في فنون الأداء الشعبي، ليرصد فنون الرقص الشعبي التي تحاكي الطيور، وحضور الطيور في الكثير من ألعابنا الشعبية، وكذا النصوص الشعبية الغنائية التي تضمنت الطيور في سياقات مختلفة. وفي إطار بحث الطيور في فنون التشكيل الشعبي، رصد المؤلف عنصر الطيور في فنون الرسم الشعبي، وفنون الوشم، وتنويعات الطيور على الأزياء الشعبية، وفنون التكحيل، وتشكيلات الطيور على لعب الأطفال، وتحنيط الطيور، وأخيرًا العنصر المعماري الأشهر المرتبط بالطيور وهو "أبراج الحمام". أما الحرف الشعبية المرتبطة بالطيور، فقد عرض لبعضها من خلال بحث بيع الطيور للطعام، وطيور الزينة، ومهنة البياض "بائع بيض الطيور"، وارتباط ريش الطيور ببعض الحرف، وأخيرًا أدوات حفظ الطيور.

وهناك بعض الطيور التي جاءت في أكثر من مجال من مجالات التراث الثقافي غير المادي، بطبيعة التصورات الشعبية حولها، كالحمام، والغراب، والصقر، والهدهد. إلخ. 

قضايا توثيق تراث الطيور

وفي ختام الكتاب يعرض المؤلف لقضايا توثيق تراث الطيور، وقد عرض لهذا المدخل من خلال عدة محاور، بدأها بتصنيف الطيور في القسم المصنف بمكنز التراث الشعبي العربي، ثم تصنيف تومسون للحكايات الشعبية "فهرست الموتيفات" وموضع الطيور في هذا التصنيف، وتوقف أخيرًا عند دليل جمع مادة الطيور، ومنهجية الدليل في هذا الإطار، كما عرض نماذج لبعض المصادر العربية التي تناولت موضوع الطيور، والجهود العربية في تسجيل الصقارة على القائمة التمثيلية للتراث الإنساني باليونسكو.

وتجدر الإشارة إلى أن عنصر الطيور قد احتل مكانة على المستوى الوطني والسياسي في بعض الدول، فالصقر- على سبيل المثال- يمثل مكانة كبرى في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يرتبط بمفهوم الهوية الوطنية والثقافية، وتراث الدولة عبر التاريخ. كما نجد للطيور موضعها المميز في أعلام الدول ورموزها الوطنية، ومن بينها النسر في علم مصر، والببغاء في علم الدومينيكان، وطيور أخرى في أعلام أوغندا، وألبانيا، وزامبيا، والإكوادور، وغينيا، وكازاخستان.