أعادت لنا الوطن.. مصطفى جاد: 30 يونيو ملحمة شعبية بكل المقاييس
تحتفل مصر هذه الأيام بالذكرى الحادية عشرة لثورة 30 يونيو، وهي الثورة التي أنقذت مصر من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، حيث كان هدفها إنقاذ الهوية المصرية من التشويش والتلاعب الذي كانت تقوم به الجماعة.
وقد أظهر المصريون وحدتهم وتضامنهم، من خلال النزول بملايين إلى شوارع وميادين مصر من الإسكندرية إلى أسوان، مطالبين بالتخلص من حكم الإخوان والمطالبة برحيل مندوبهم في الحكومة.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور مصطفى جاد، عميد المعهد العالي للفنون الشعبية الأسبق: "في التراث الشعبي لدينا نظرية شهيرة للعالم الفرنسي فان جينيب تحمل اسم (طقوس العبور)، ترصد مراحل عبور الإنسان خلال دورة الحياة.. وتذكرني ثورة 30 يونيو بهذه النظرية، غير أن العبور هنا كان من مرحلة الظلام الدامس إلى الأمل في مستقبل هذا الوطن.. وقد سبق هذا العبور بعض الطقوس لكي يتم، كانت أهمها التوقيع على الاستمارة الأشهر لحركة تمرد، والتي تذكرنا باستمارة اليونسكو، لموافقة الجماعات على تسجيل عناصر التراث الشعبي على قائمة الصون العاجل".
ويضيف الدكتور مصطفى جاد، في تصريح خاص لـ"الدستور": "مصر عام 2013 كانت في حاجة إلى صون عاجل.. صون عاجل من حكم كان من شأنه القضاء على قصة حضارة مصر.. وقد وصل بنا الأمر لأن نشاهد بعض عناصر الإخوان في حوار تليفزيوني، وقد اشترط ألا يظهر أمام المذيعة لأن ذلك ضد الدين والشرع.. تخيلوا".
ويكمل: "وقد استشعرت الجماعة الشعبية حاجة الوطن إلى هذا الصون العاجل، فأصبحنا نتنافس على طبع نسخ التمرد وجمع التوقيعات، وتسليمها بحوكمة ومهارة حتى موضع حفظها في مكان آمن، لم تستطع يد الجماعة الغبية الوصول إليه".
ويواصل: "في 30 يونيو خرجت وأسرتي الصغيرة كغيري من ملايين الشعب.. أذكر أن مصر ساعتها قد تحولت إلى فرح شعبي جميل.. غناء وطبول، ورقص، وأغاني، وتهاني، كأننا في صبيحة يوم العيد.. أو كأن الشعب المصري قد قرر أن يخرج في نزهة جماعية.. ولو تأملت احتفالات المناطق الثقافية في مصر ستلحظ التنوع الفولكلوري في أبهى حالاته، فازدهرت على مدى المعمورة فنون المزمار، والتحطيب، ورقص الخيل، وغناء الربابة، والسمسمية، والدفوف، والطبول.. ولأن الوجدان الشعبي يحمل إرثًا عبر آلاف السنين، فقد اختلطت في هذا اليوم سلوكيات الأخوة، والأصهار، والجيرة، والأقارب في حالة واحدة.. فكان كل منا يهنئ الآخر وهو لا يعرفه.. وطبيعي جدًا أن يقدم لك أحدهم زجاجة مياه، أو بعض الحلوى، أو علبة عصير.
ويتابع الدكتور مصطفى جاد: ثورة 30 يونيو كانت تمثل بطولة جماعية، استفادت من سيرنا الشعبية في الحرب ضد العدوان الخارجي.. غير أن المشكلة هنا أن العدو كان في الداخل، وكان ينخر في جسم الوطن كالسوس، وبدأ ينتشر انتشارًا سرطانيًا، حتى أصبحت كلمة "مصر" مرفوعة من التداول.. وشاهدنا رئيسًا لا يصافح السيدات في اللقاءات الرسمية على أساس أن هذا ضد الدين.. وبدأ مصطلح "فن" و"إبداع" يتوارى، وكنا على وشك مشاهدة محاضرات دينية في دار الأوبرا.. وقد وقف الشعب المصري وقفة غير مسبوقة أمام وزارة الثقافة لحماية ثقافة وحضارة هذا الوطن.. ثم كان تمرد، ثم عودة الوعي وعودة الحياة مرة أخرى لمصر.
ويختتم: "30 يونيو ملحمة شعبية بكل المقاييس، أعادت لنا الوطن من جديد، ولم يكن لدينا أي بديل، أو أي تصور آخر سوى أن تنجح على هذا النحو الرائع".