سيد درويش.. حكاية النقاش الذي أصبح أكبر عبقرية موسيقية
كتب محمد طلبة رزق مقالا عن سيد درويش النقاش الذي كان يغني لزملائه في العمل، بمجلة الرسالة عام 1954.
سيد درويش
يقول رزق في مقاله:" ولد سيد درويش في الإسكندرية وحفظ القرآن الكريم والتحق بمعدها الديني، وأغرم بالغناء منذ صغره، فقد كان أهل حي كوم الدكة الذي يقيم فيه يهتمون برجل ذي صوت جميل يدعى الشيخ حسن الأزهري يستدعونه وبطانته لإحياء حفلاتهم وكان الفتى سيد درويش يسعى لحضور هذه السهرات وكون من بعض الأطفال بطانة له وراح يقلد الشيخ الأزهري.
يضيف: "لم يكد الفتى ينتقل للسنة الثانية بالمعهد الديني حتى توفى والده فترك المعهد والدراسة ليقوم بأعباء البيت، وراح يلتمس الرزق في أمور شتى، عمل في بعض المتاجر فلم يفلح، تعلم مهنة النقاشة فكان يترك عمله ليغني، ولما تضايق المقاول منه ورأى تعلق العمال به أمره ألا يعمل وأن يغني وحسب حتى يطرب العمال، وكان ذلك حافزا له ليتعلم الغناء، فكرن لنفسه تختا وفرقة يتنقل بها ويعمل على المقاهي والحانات معتمدا على ما تعلمه من الشيخ علي الحارث، وما كان يسمعه من أغاني محمد عثمان وعبده الحامولي، والشيخ الأزهري، وفي الحانات والمقاهي أتيح لسيد درويش ما كان يرجوه من ممارسة الغناء والانشاد وتطرق منها للتلحين والتأليف.
كان سيد درويش عقب سهرته وخروجه من الحانة أو المقهى الذي يعمل فيه يسير في الظلام حيث الهدوء ويغني مرتجلا من تأليفه وتلحينه، في عبقرية نادرة.
وبدأت عبقرية درويش في الظهور وانتقل للقاهرة عام 1917 وكان في الخامسة والعشرين من عمره، وازدهرت عبقريته حتى إندلعت ثورة 1919، فشارك في ثورة الشعب ولحن الأناشيد وقاد المظاهرات وعرض روحه للفداء، ثم انصرف سيد درويش لفنه، وابدع روائعه الخالدة التي بلغت 20 أوبرا كاملة لا تقل ألحان الواحدة منها عن عشرة ألحان مثلت منها فرقة الريحاني أربع أوبتريتات وفرقة منيرة المهدية ثلاثة أوبريتات بخلاف مئات الألحان الأخرى.
كان درويش يلحن للكسار والريحاني وغيرهم وكان يأخذ من الريحاني وحده مائتي جنيه شهريا، والواقع أن سيد درويش كان جوادا كريما، وكان حساسا نبيلا، يرق قلبه حين يرى أحد معارفه ويساعد كل من يمكن ان يكون محتاجا للمساعدة، كان ينفق بسخاء وجنون على الشراب والمكيفات ومصاحبة الغانيات وكان يرى في المكيفات والمخدرات مساعدا ومعينا على وضعه المعبر دائما.
كان درويش يرى ان هذه الآفات حربا ودمارا على صحته الفتية وشباباه، لكنه يراها معينة على خدمة فنه، ودرويش آثر فنه على صحته.
مات سيد درويش في عنفوان شبابه في الحادية والثلاثين من عمره، بعد أن أنتج 20 أوبرا كاملة ومئات من الألحان وشهدته المسارح وسمعه الشعب المصري وردد ألحانه من أقصى الجنوب، وتجاوب معها لأنها من صميم مشاعره.