رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اختراق "البيجر".. إسرائيل تطلق عقال الحرب على لبنان

البيجر
البيجر

أطلقت إسرائيل عقال حربًا جديدة في لبنان استمرارًا لموجات التصعيد مع "حزب الله" وإيران، إلا أن سقف المواجهة بين الجانبين ارتفع بفعل الاختراق الإسرائيلي الأخير الذي استهداف أجهزة الاتصالات اللاسلكية لعناصر "حزب الله"، بعدما باغتت الاحتلال لبنان بتفجير أجهزة "البيجر" خلال موجتي الهجمات يوميِّ الثلاثاء والأربعاء، ما أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف، في أكبر هجومٍ شهده لبنان منذ حادث انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020.

ويرى محللون أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ربما تأتي تمهيدًا لحربٍ برية في لبنان، إلا أن نتنياهو يغامر بمصيره السياسي بعد فشله في حرب الإبادة بقطاع غزة، مؤكدين أن جرائم إسرائيل المستمرة جعلت ميزان الشرق الأوسط في اهتزازاتٍ دائمة، فيما ستشهد الأيام المقبلة تصعيدًا كبيرًا بين لبنان وإسرائيل.

مخطط إسرائيلي لهجومٍ بريِّ على لبنان

وتعليقًا على ذلك قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، محمد سعيد الرز، إن استمرار الضربات الإسرائيلية في لبنان من خلال تفجير أجهزة تواصل عناصر "حزب الله" وأعضاء في أجهزته الأمنية، يشير إلى مخططٍ كبيرٍ قد يصل إلى هجومٍ بريِّ إسرائيلي على الأراضي اللبنانية مهَّدت له هذه الضربات. 

وأضاف لـ"الدستور" أن هذه الهجمات تأتي بعد إعلان رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن بدء العمل العسكري لإعادة المستوطنين إلى منازلهم في شمال فلسطين المحتلة، فيما أكد وزير جيش الاحتلال يوآف جالانت، أن الحرب ستبدأ لتصحيح الوضع جنوب لبنان.

وأشار الرز، إلى أن طبول الحرب تقرع بقوة بين لبنان والكيان الإسرائيلي، مؤكدًا أن الذي فشل في غزة على امتداد عامٍ كامل وأخفق في تنفيذ أهداف حرب الإبادة هناك، لن يستطيع النجاح أو تحقيق أي إنجاز في لبنان، وهذا من حيث المبدأ، أما فيما يخص الوقائع، فإن خوف واشنطن من تكَّبُد إسرائيل خسارة فادحة تجسَّد في نقاش المستشار الرئاسي الأمريكي آموس هوكشتاين، مع نتنياهو قبل أيام حين سأله عن ضمانات نجاحه في الحرب ضد لبنان وهو لم ينجح في حربه على غزة، وبالتالي كيف سيعيد المستوطنين خلال حرب قد تدوم أكثر من سنتين؟.

نتنياهو يغامر بمصيره السياسي

وأضاف: "صحيح أن نتنياهو لم يجد جوابًا على هذا السؤال، لكنه يدرك أن خطوته هذه ستكون مغامرة يتوقف عليها مصيره السياسي، خاصة وأن القدرات العسكرية والقتالية لـ"حزب الله" وحلفائه لم تتأثر بتفجيرات البيجر أو اللاسلكي كما ما أن أطراف محور المقاومة في اليمن والعراق على أعلى استعداد".

وتابع الكاتب اللبناني: "سوف تتفاقم خسائر إسرائيل حال تحول المعارك إلى حربٍ إقليمية موسعة حذَّر منها الرئيس عبدالفتاح السيسي، عند استقباله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وهو ما يتخوف منه الأمريكيون والأوروبيون وبدأت مظاهر هذا التخوف تتضح أكثر مع القرار الألماني بحظر تصدير السلاح إلى إسرائيل واتفاق فرنسا مع بريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة على بذل الجهود لمنع توسع الحرب". 

تطور خطير في المواجهة الإسرائيلية الإيرانية

بدوره، قال الدكتور هاني سليمان الخبير في الشأن الإيراني ومدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إن التطور الأخير خطير للغاية في مستقبل المواجهات الإسرائيلية مع إيران ومع "حزب الله" بشكل خاص فيما يخص نمط التعاطي الأمني والتطور التكنولوجي، مؤكدًا أن هذا الاختراق هو تطور نوعي لم يحدث في أي مرحلة من مراحل المواجهات من قبل، على الرغم من أن إسرائيل تقوم باختراقٍ كبير لدى الحرس الثوري الإيراني وهناك تجارب تاريخية وسوابق موجودة ولكن على مستوى المواجهات وحجم الخسائر والاستهداف، فإن ما حدث يُعد تطورًا نوعيًا غير مسبوق ويحسم التفوق العسكري والأمني لصالح الجانب الإسرائيلي.

وأضاف لـ"الدستور": "نحن الآن إزاء مواجهة غير متكافئة بين النظام الإيراني و"حزب الله" الذي يحاول الحرب من خلال الأيدولوجيا والحماسة الثورية في مقابل التقدم التكنولوجي والعلمي والعسكري لدى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وبالتالي هناك فجوة كبيرة أصبحت موجودة بين الجانبين".

ثمن عدم الرد الإيراني

وأشار سيلمان، إلى أن ما حدث هو الثمن الطبيعي لعدم الرد الإيراني، وسبق التأكيد على حتمية الرد وأن يكون قاسيًا وشديد اللهجة، محذرًا من أنه إذا مرَّت الأمور بهذه الشاكلة ستتلاشى قدرة إيران وقدرة "حزب الله" على الردع، كما سيجعل هناك نوع من التفوق والجرأة الإسرائيلية على استهداف "حزب الله" وتحديد أهداف إيرانية مرة أخرى.

وأوضح أن تأجيل الرد الإيراني وفقًا لتوازنات وحسابات مُعيَّنة أثبت بشكلٍ قاطع مدى الضعف الإيراني وعدم القدرة على اتخاز قرارات حاسمة وجريئة وشجاعة، وبالتالي، فإن الاختراق الأمني الأخير وهذه العمليات المتوازية والمتزامنة سببها عدم رد إيران.

وأكد أن "حزب الله" وضع نفسه في مربع شديد الضعف، وكان من الطبيعي أن تستغل إسرائيل هذه المرحلة؛ لأنها استطاعت أن تكتشف حدود وقدرات الرد الإيراني ورد "حزب الله". 

وقال سليمان، إن هذه العمليات نالت بشكلٍ كبير من العديد من العناصر والقيادات الخاصة بـ"حزب الله" على مستوى الصفين الأول والثاني، فعلى سبيل المثال هناك إصابة للسفير الإيراني في لبنان، وهناك إصابة لمئات إن لم يكن آلاف من عناصر "حزب الله"، كما أن تكرار هذه العملية في يومين من خلال أجهزة "البيجر" ثم أجهزة أخرى يكشف حجم التراجع التكنولوجي والأمني لدى الأجهزة اللاسلكية وأجهزة الاتصال الخاصة بـ"حزب الله"، علاوة على قوة الاختراق الإسرائيلي ما نال من هيبة وقدرة "حزب الله" وسيضع فجوة في القدرة على المواجهة خلال الفترة المقبلة.

تحذيراتٌ من عمليات شاملة

وحذَّر سليمان، من أن هذه العمليات قد تكون مُقدمة لعملية شاملة أو عملية نصف برية لإزاحة "حزب الله" وعودة السكان الإسرائيليين إلى الشمال مرة أخرى، ومن ثمَّ، يفتح باب التفوق الإسرائيلي بمزيد من العمليات وينذر بعدم استقرار في المنطقة خلال الفترة المقبلة.

وشدد على أنه إذا كان الرد الإيراني حتميًا في المرحلة السابقة، فإنه الآن أصبح إلزاميًا وواجبًا وإلا ستتلاشى قدرة "حزب الله" وإيران إلى الأبد، وسيثبت لدى إسرائيل ولدى "حزب الله" حدود التوازن العسكري على هذه الشاكلة بأن "حزب الله" من الضعف والوهن وعدم الجهازية العسكرية لخوض أي معركة، وأن إيران تستخدم فقط النبرات الصوتية وتتلاعب على مشاعر القضية الفلسطينية دون تقديم أي شيء، حتى أنها لا تستطيع حماية عناصرها وقيادتها تركيبًا على ما حدث مع إسماعيل هنية، ومن قبله قاسم سليماني، والعديد من القيادات في الحرس الثوري.

عهد جديد من الضعف الإيراني

ولفت سليمان، إلى أن ما حدث يُعد بداية عهد جديد من الضعف الإيراني، موضحًا أن خطابات "حسن نصر الله" خلال الفترة الاخيرة تؤكد أننا إزاء ظاهرة صوتية فقط ليس أكثر ولا أقل. 

وفيما يخص تأثير هذه العمليات داخليًا على إسرائيل، أوضح سليمان، أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، يريد شراء الوقت والتقدم إلى الأمام وعدم التوصل إلى اتفاق إلى هدنة إنسانية أو وقف إطلاق النار، وبالتالي فإن مسألة الإفراج عن المحتجزين لدى "حماس" هي مسألة لا تهم نتنياهو بشكل كبير إلا فقط في حدود رفع الضغط عليه من الداخل. 

وأوضح أن نتنياهو، يحاول التغلب على الضغوط الداخلية من خلال هذه العمليات، مشيرًا إلى أن رئيس وزراء الاحتلال عندما نجح في تحرير بعض المحتجزين، كان ذلك بمثابة انتصار له، وحاول ترويض ذلك داخليًا على أنه قادر على انتزاع باقي المحتجزين واستكمال العملية العسكرية وتوجيه صفعة للمعارضة الإسرائيلية في الداخل.

وأشار إلى أن هذه العمليات العسكرية علاوة على اغتيال إسماعيل هنية في السابق، يحاول بها نتنياهو مواجهة الضغوط في الداخل والتأكيد على أنه يصنع أمن إسرائيل ويعيد ضبط معدلات توازن القوى العسكري في المنطقة.

ميزان الشرق الأوسط في اهتزازاتٍ دائمة

من جهته، قال المحلل السياسي اللبناني عبدالله نعمة، إن الاعتداء الأخير الذي حدث على لبنان وعلى "حزب الله" لم يحدث من قبل طوال فترة الصراع العربي الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن إسرائيل زرعت عبوات ناسفة في خمسة آلاف جهاز يستخدمهم "حزب الله"، وذلك بعد خروج هذه الأجهزة من الشركة المُصنِّعة لحساب شركة أخرى، وإسرائيل اعترفت بذلك.

وأضاف لـ"الدستور": "إجرام إسرائيل المستمر على لبنان والشعب اللبناني وتواطؤ المجتمع الدولي معها جعل ميزان الشرق الأوسط والمنطقة في اهتزازاتٍ دائمة"، مُحذرًا من أن ما أقدمت عليه إسرائيل بالأمس شيء خطير، ولكن هناك ما هو أخطر يلوح في الافق.

وأكد نعمة، أن ما أدلت به الولايات المتحدة من أنها تريد إنهاء هذه المشكلة بين لبنان وإسرائيل بالدبلوماسية ما هو سوى زوبعة في فنجان، ولكن القادم أسوأ، ومن المؤكد أن "حزب الله" سيرد وسيكون الرد بحجم الاعتداء، وستشهد الأيام المقبلة تصعيدًا كبيرًا بين لبنان وإسرائيل، مستبعدًا أي بوادر للحل القريب، وإنما ستبقى الأمور هكذا إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية.