«الاختراق الكبير».. لبنانيون: حادث تفجير «بيجر» يمهد لحرب إقليمية شاملة ومفتوحة
أكد عدد من الخبراء والسياسيين اللبنانيين أن حادث الاختراق الإسرائيلى لأجهزة اتصال «حزب الله» من طراز «بيجر» وتفجيرها عن بعد يعد أمرًا غير مسبوق، وسيفاقم التصعيد على الجبهة اللبنانية، خاصة بعد أن أسفر الحادث عن إصابة أكثر من ٢٨٠٠ عنصر، ووفاة ١٢ آخرين.
وأوضح الخبراء اللبنانيون، خلال حديثهم إلى «الدستور»، أن التفجير حمل رسالة طمأنة للمستوطنين الإسرائيليين فى الشمال، حول قدرة جيش الاحتلال على إعادتهم إلى منازلهم وحمايتهم، مستبعدين فى الوقت ذاته أن يؤثر ما حدث، رغم أهميته، على معادلة الصراع على الجبهة اللبنانية، أو أن يتسبب فى حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله».
سمير الشمعة: أجهزة الاتصال خضعت للتلاعب وفخخت مسبقًا وانفجرت برسالة واحدة
أوضح أحمد سمير الشمعة، الباحث السياسى اللبنانى، أن ما قام به العدو الإسرائيلى عملية أمنية بامتياز، نتجت عن عمل استخباراتى، استهدف ضرب العمق اللبنانى، وعناصر «حزب الله»، بضربة قد تكون الأولى من نوعها فى المنطقة وفى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، بعد استهداف تفجير أكثر من ثلاثة آلاف جهاز اتصال «بيجر»، التى يستخدمها عناصر «حزب الله» فى لبنان وسوريا فى وقت واحد.
وقال الشمعة: «الأسئلة كثيرة، وعلى (حزب الله) أن يوضح ملابسات ما حدث، وأهمها ما هو مصدر هذه الأجهزة؟، وكيف لـ(حزب الله) أن يقع فى هذا الفخ الذى كلفه الكثير وكاد أن يودى بحياة أهم القيادات الأمنية داخل التنظيم؟»، مشيرًا إلى أن الأجهزة المنفجرة دخلت لبنان منذ ثلاثة أشهر، كأجهزة اتصال تقليدية تحمل علامة تجارية لشركة تايوانية، ولكنها صنعت من قبل شركة أوروبية غير معروف اسمها حتى الآن.
وأضاف: «الأجهزة فجرت عبر بطاريات الليثيوم، التى تم التلاعب بتركيبتها الكيميائية وفخخت مسبقًا بمواد متفجرة لا يزيد وزنها على ٢٠ جرامًا، وعملية التفجير حصلت فى وقت واحد، عبر إرسال رسالة موحدة على كل الأجهزة، وكانت هذه الرسالة بمثابة إعطاء الأمر بالتفجير».
واستطرد: «الضربة قاسية جدًا على (حزب الله)، وعلى الداخل اللبنانى ككل، وتوقيت هذا العمل حساس جدًا، والهدف منه هو إضعاف العزيمة والتركيع»، مشيرًا إلى أن تداعيات الأمر قد تؤدى إلى الانزلاق نحو حرب شاملة ومفتوحة. وتابع: «حسب تقديرى، فإن (حزب الله) سيرد بشكل مدروس وغير مسبوق، لأنه بات من الواضح أن العدو الإسرائيلى يريد الحرب الموسعة والشاملة على كل الجبهات، وأنه كعادته لا يأبه لأى حل دبلوماسى، وأن هدفه الأساسى هو تراجع المقاومة اللبنانية داخل الجنوب اللبنانى بنحو ٣٥ كيلومترًا، ووضع ذلك النطاق تحت سيطرة قوات دولية، وهذا ما لا يمكن القبول به».
واختتم حديثه بالقول: «إذا دخلت المنطقة فى وضع حساس جدًا فقد تتسارع الأحداث نحو الأسوأ».
حسين شعيتو: الضربة تحمل رسالة طمأنة للمستوطنين
أوضح الإعلامى اللبنانى حسين شعيتو أن الهجوم الذى نفذته إسرائيل على أجهزة «بيجر» فى لبنان يعد تصعيدًا خطيرًا، ويعنى أنه تم توسيع نطاق العمليات التى صادق عليها مجلس الأمن الإسرائيلى المصغر قبل يومين، موضحًا أن التخبط بين كبار القادة والجنرالات داخل دولة الاحتلال هو ما يقف عائقًا أمام شن حرب شاملة على لبنان، خشية التكلفة التى ستتكبدها إسرائيل حال أقدمت على هذه الخطوة.
وقال: «الاحتلال يبنى حاليًا على رد المقاومة على الاعتداء، وحسب الرد سنعرف ما إذا كانت المنطقة ستذهب إلى انفجار أم لا؟».
وأضاف: «الحادث لا يرتبط بشكل مباشر بمفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة، لأن جبهة لبنان أصبحت جبهة مستقلة، على الرغم من أنها جبهة إسناد لغزة، ولكن بالنسبة للحسابات الإسرائيلية فإن المستوطنين فى الشمال يجب أن يحصلوا على الأمان حتى إن توقفت الحرب مع غزة، ووصلت الأمور لتوقيع اتفاقية تبادل أسرى».
وتابع: «لذلك، فإن ما حدث رسالة تصعيدية للمقاومة اللبنانية، وفى نفس الوقت رسالة للمستوطنين بأن جيش الاحتلال سيوسع العمليات ضد (حزب الله)، من أجل إعادة الأمان لهم».
وحول احتمالية الرد، قال «شعيتو»: «لا يمكن الحديث عن احتمالية الرد لأنه سيكون أمرًا حتميًا، لأن المعادلة القتالية التى أرساها (حزب الله) تعنى أنه لن يتأخر عن الرد على هذه المجزرة التى قام بها العدو الإسرائيلى، والمنافية لكل القيم الأخلاقية، وأعتقد أن الرد سيكون سريعًا».
واستطرد: «عدد الجرحى الكبير، الذى يزيد على ٢٠٠٠ مصاب، لن يؤثر على جاهزية المقاومة اللبنانية، لأنها تملك أكثر من ذلك بكثير، وهى قادرة على تغطية الفجوة، أى أن الخسائر يمكن تعويضها».
وأوضح الإعلامى اللبنانى أن «حزب الله» حصل على الجهاز المستهدف من قبل شركة تايوانية، بعد أن اشتراه من الأسواق، سواء الصينية أو الأوروبية، قائلًا: «لا علاقة لإيران بهذا الجهاز، كما أنه لم يكن هناك أى تحذير منه، لأنه جهاز إنذار أو إشارة فقط، وكان يعد من الوسائل الآمنة، خاصة أنه لا يتصل بالإنترنت».
وأردف: «ما حصل فى هذه الدفعة من الأجهزة يعنى أن الأمر كان معدًا له سابقًا، حسب الظاهر، وأنه عملية استخباراتية تقوم بها كل جيوش العالم من خلال الحرب السيبرانية والإلكترونية، وذلك فى سياق العمليات التى يتبادلها أى طرفين يخوضان الحرب معًا، وهذا الجهاز يستخدم منذ سنوات لدى (حزب الله)، من بعد حرب ٢٠٠٦، واستخدم أيضًا فى سوريا، وبعض أجهزته بقيت آمنة، والدفعة الجديدة فقط هى التى تعرضت لهذا الهجوم».
وزير الخارجية اللبنانى: المنطقة كلها تتجه إلى حافة الهاوية
حذر وزير الخارجية اللبنانى، عبدالله بوحبيب، من خطورة الوضع والتصعيد بلبنان، موضحًا أن ما حدث من هجوم سيبرانى، وما نتج عنه من ضحايا وجرحى سيجر المنطقة كلها إلى حافة الهاوية.
واستعرض «بوحبيب»، خلال اتصال هاتفى مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، آخر الأوضاع المتعلقة بالهجوم السيبرانى، الذى تعرض له لبنان، أمس، وفقًا لوكالة الأنباء اللبنانية.
بدوره، وعد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى، بالدعوة إلى مشاورات أوروبية لدراسة ما يمكن اتخاذه من خطوات ومواقف تسهم فى لجم التصعيد، وخطر الحرب الموسعة.
نزار نزال:لن تؤثر على مفاوضات الهدنة
وصف نزار نزال، الكاتب السياسى الفلسطينى خبير الشئون الإسرائيلية، ما حدث فى لبنان بأنه خرق كبير وشكل ضربة صادمة لحزب الله، الذى لن يتعافى من آثارها إلا بعد فترة من الوقت.
وحول تأثير العملية على دعم الحزب لحركة حماس، قال «نزال»، لـ«الدستور»: «لن يكون هناك أى أثر سلبى بشأن دعم حركة حماس، وحزب الله سيكثف الهجمات على شمال إسرائيل، وستكون هذه الضربات مؤثرة»، مشيرًا إلى أن الضربة الإسرائيلية لن تؤثر على المفاوضات التى تجرى فى الدوحة، فى ظل رفض إسرائيل شروط حماس، ومع وجود حكومة إسرائيلية متطرفة ترفض التعاطى مع الجانب الفلسطينى وترفض إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار.
وأكد أن ما حصل فى لبنان يمكن أن يعزز من موقف حركة حماس فى التمسك بمطالبها خلال المفاوضات، أما فيما يتعلق بالتأثير على حركة حماس فسيقدم حزب الله المزيد من الأدوات للمقاومة الفلسطينية.
على دربج:لن تجرنا إسرائيل إلى فخ الحرب
أكد الدكتور على دربج، الخبير السياسى اللبنانى، أن حادث اختراق الاحتلال الإسرائيلى لأجهزة الاتصال من طراز بيجر، لدى «حزب الله»، سيفاقم الأوضاع التى ستزداد حدة مع زيادة وتيرة التصعيد، متوقعًا ألا تتطور الأمور إلى مرحلة الحرب الشاملة، خاصة أن ما حدث يعد عملًا أمنيًا، يمكن لـ«حزب الله» أن يرد عليه بعمل مماثل، لتبقى الأمور ضمن مساحة ورقعة العمل الأمنى.
وقال «دربج»، لـ«الدستور»: «لا يمكن فصل أى ملف مرتبط بحرب غزة عن مسألة المفاوضات، خاصة أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يسعى بكل جهده لتخريب المفاوضات، ويمكن القول بأن ما حدث هو توجيه ضربة أمنية لـ(حزب الله)، والرد عليها لن يمر مرور الكرام، ما يعنى أن المفاوضات ستزداد تعقيدًا».
وأضاف: «رأيت فى المستشفيات بين بيروت والجنوب حقيقة ما حدث عن كثب، وعرفت حجم الأعداد التى جاءت وكانت غاضبة، والإصرار على مقاومة الاحتلال يفوق الخيال، خصوصًا بين فئة الشباب، لأن إصابة ١٠٠٠ أو ٢٠٠٠ لن تؤثر على طبيعة المعركة، فالكل حاليًا فى وضع تأهب، والجبهة على استعداد، وهناك جاهزية عالية تحسبًا لأى عدوان كبير».
وتابع: «تأثير ما حدث لن نقلل من حجمه، ولكن تأثيره قابل للاحتواء والامتصاص، والمقاومة تعودت عليه، فالعدد كبير والحدث مفاجئ، ولكن من يريد الحرب ويفتح الحرب مع إسرائيل سيكون حتمًا مستعدًا لكل الاحتمالات، فإسرائيل كانت دائمًا تفتح باب الحرب على لبنان، لكن الأمر تغير حاليًا، فنحن مَن نفتح باب الحرب عليها، لذا فإن حادث أو حادثين لن يؤثر».
وأكد «دربج» أن «حزب الله» اللبنانى لم يصرح بعد بأى تصريحات حول ما حدث، ولم يحرك ساكنًا، ولم يكشف أى معلومة حول مصدر تلك الأجهزة، مضيفًا: «كل ما يحكى عبارة عن تكهنات وتحليلات من هنا وهناك، فبعض الصحف تحدثت عن إبرام صفقة مع تايوان، ولكن (حزب الله) لم يصدر أى معلومة، وليس هناك ارتباط بين ما حدث وإيران».