أنس النجار: صحفى فلسطينى لا يخاف الحروب ولا ينسى حبه للأهلى (خاص)
في غزة، أرض الثبات والمقاومة، يعيش مصور صحفي فلسطيني يدعى أنس النجار، يحمل في عدسته قصصًا لا تنتهي من الألم والأمل، من الدمار والإبداع، يوثق اللحظات الحاسمة التي تحدد مصير شعبه، يرى الصواريخ والقنابل والدخان والنيران، لكنه لا يخاف، بل يشعر بالمسئولية والشجاعة والفخر، ولا يتباهى، فهو يعرف أن عمله ليس مجرد تصوير، بل رسالة، رسالة إلى العالم، إلى التاريخ، إلى الحقيقة.
في إحدى ليالي الدمار، كان أنس يتابع مباراة النادي الأهلي المصري ضد مودرن فيوتشر في نهائي كأس السوبر، وهو يحب المارد الأحمر منذ طفولته، كان يرتدي حينها زيه الصحفي المخصص للحروب والنزاعات، ويصرخ ويهتف ويصلي لفريقه المفضل، كان يعيش اللحظة بكل حماسة واندماج، ولكنه لم ينس عمله، كان يحمل كاميرته معه، ويستعد للخروج في أي وقت إذا احتاج الأمر.
بين القنابل والكرة
في الدقائق الأخيرة من المباراة، كان أنس يترقب من داخل خيمة صغيرة النتيجة بقلق وتوتر، كان النادي الأهلي متعادلًا مع خصمه بهدفين، كان أنس يرجو أن يطول الوقت ليعود فريقه إلى المباراة مرة أخرى، وفي تلك اللحظة، سمع صوتًا مألوفًا، صوت صديقه وزميله في العمل، الذي كان يصوره بكاميرته الخاصة، وكان يقول له: "يلا يا راجل، اللايف فاضله 5 دقايق، لازم نروح نغطي الأحداث، بس امشي يا عمي".
لكن أنس لم يستجب، كان مصممًا على مشاهدة المباراة حتى النهاية، كان يشعر بالولاء والانتماء للنادي الأهلي، وكان يرى فيه رمزًا للصمود والتحدي والنجاح، وقال لصديقه: "انتظر شوية، خليني أشوف".
لم يمر وقت طويل حتى انتشر هذا الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولفت انتباه إدارة النادي الأهلي، التي تواصلت مع أنس لتصوير إعلان فيديو مهاجم الأهلي الجديد وسام أبو علي، الذي انضم للنادي في يناير 2024، وهو أول لاعب فلسطيني ينضم للمارد الأحمر في تاريخه.
حلم يطارده الاحتلال
كان حلم أنس أن يكون صحفيًا محترفًا ينقل الحقيقة للعالم، فدرس الإذاعة والتلفزيون وأسس شركة خاصة به للخدمات الصحفية في قطاع غزة، لكنه لم يتوقع أن يواجه الكثير من المخاطر والتحديات في مهنته، التي تعرضت للقصف والتدمير من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يرحم منزله أو أصدقائه أو زملائه.
يعمل المصور الفلسطيني لدى التلفزيون الصيني، ويحكي لـ"الدستور" قصته المؤلمة والملهمة في آن واحد، وكيف تغلب على الصعاب وحقق نجاحات كبيرة في مجاله، خاصة بعد أن شارك في تقديم اللاعب الفلسطيني الجديد وسام أبو علي للنادي الأهلي المصري، الذي أثار ضجة كبيرة في وسائل الإعلام والجماهير.
لكن الحرب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر 2023 لم ترحم شيئًا، واستهدفت كل ما هو حي وميت، بما في ذلك مكتب أنس ومنزله، ويتذكر المصور الفلسطيني أحد أصعب اللحظات في حياته، عندما كان يتوجه لتغطية استهداف إسرائيلي، فوجد أن الهدف هو البيت المجاور لبيته، الذي تعرض لدمار هائل، وأصيبت فيه جدته وأخته، بالإضافة إلى العديد من النازحين الذين كانوا يحتمون في بيته.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، فقد ودع أنس صديقيه وزميليه في العمل، اللذين استشهدا خلال تأدية واجبهما الصحفي، وهما مصطفى ثريا وحمزة الدحدوح. يصف ذلك: "من أصعب اللحظات اللي عشتها استشهاد أصحابنا وزملائنا مصطفى وحمزة، لأنهما كانا بيننا ونتشارك العمل سويًا، وفجأة وصلنا خبر استشهادهما خلال تغطيتهما الصحفية للحرب في غزة".
بالرغم من كل هذه المآسي، فإن أنس لم يفقد الأمل، وظل متمسكًا بمهنته وبقضيته، ويشعر بالتواصل والتضامن مع الشعب المصري، الذي يعتبره شعبًا واحدًا مع الشعب الفلسطيني، ويتبادل معه الكثير من الأشياء في الحياة. يقول أنس: "علاقتنا بالشعب المصري ليس أخوة أو علاقة عادية بين شعبين، بل نحن شعب واحد يفصل بينا فقط الحدود، كما نرى مصر امتدادًا لنا ونحن امتداد لمصر، وندرك جيدًا أن الشعب المصري يعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضيته".
ومن بين الأشياء التي تجمع بين الشعبين، هو الحب الكبير لكرة القدم، والنادي الأهلي بشكل خاص، الذي يحظى بشعبية واسعة في غزة، وهنا تأتي أحد أبرز إنجازات أنس في مسيرته الصحفية، عندما شارك في تقديم اللاعب الفلسطيني الجديد وسام أبو علي للنادي الأهلي، الذي انضم إليه في صفقة تاريخية.
لحظة فارقة
يروي أنس كيف بدأت القصة، عندما انتشر فيديو له وهو يشاهد مباراة نهائي السوبر المصري بين الأهلي وفيوتشر، وبعد أيام قليلة، تلقى اتصالًا من المركز الإعلامي للنادي الأهلي، يطلب منه تقديم اللاعب وسام أبو علي، وعلى الرغم من صعوبة الاتصال والإنترنت في غزة، إلا أن أنس نجح في إرسال الفيديو إلى النادي الأهلي، الذي تم عرضه على كل وسائل التواصل الاجتماعي، أمام الملايين من المشجعين الذين رحبوا باللاعب الفلسطيني بحفاوة وترحيب.
ويستكمل: "بصراحة أنا حتى الآن تحت وقع الصدمة من التفاعل الكبير اللي صار لفيديو تقديم اللاعب، ومن ردود الفعل الإيجابية من الجمهور والإعلام المصري، وأنا سعيد للغاية لأنني كنت جزءًا من هذا الحدث التاريخي، وأنني ساهمت في تقريب الشعبين الفلسطيني والمصري أكثر".
تهافتت على أنس العديد من عروض العمل في وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، فور تقديمه مهاجم الأهلي الجديد، ولكنه لم يعط أحد منهم أي رد حتى وقتنا هذا، فهو ملزم بعقد عمل مع الجهة الصحفية التي يعمل بها حاليًا.
يتوقع الصحفي الفلسطيني أن يقدم اللاعب وسام أبو علي أداءً كبيرًا للنادي الأهلي في الفترة القادمة، ويؤكد أنه لاعب موهوب وله مسيرة كبيرة، ويتمنى له التوفيق فيما هو قادما، ولكن الشهرة الواسعة التي حققها أنس لم تأت من فراغ، بل كانت نتيجة للكثير من الجهد والتضحية والمخاطرة التي قام بها في مهنته الصحفية، التي لا تزل مستمرة في ظل الحرب والحصار الذين يعانيهما شعب غزة.
ويختتم أنس حديثه، موجهًا رسالة للعالم بواسطة عدسته: "نحن كصحفيين وكأهل غزة نباد إبادة جماعية. خلوا الصوت عالي. ولا تعتادوا المشهد"، كما وجه رسالة خاصة للصحفيين، قائلًا: "بالرغم من الظروف الصعبة التي نعيشها سنكمل المسيرة، وأنا كنت اتخذت قرارًا بإيقاف تغطيتي الصحفية، ولكن يبدو أنني سأتراجع عن هذا القرار من أجل إيصال رسالة شعبي فقط".