مقابر حية.. سجون الاحتلال تدفن الأسرى الفلسطينيين بـ"دم بارد" (تحقيق)
الحرب ليست مقتصرة على غزة أو الضفة الغربية فقط، بل هناك حرب أخرى تجري في زنزانات الظَّلام، حيث يعيش الأسرى حياةً مكبلةً بالآلام الجسدية والروحية.
داخل تلك الزنزانات، يُحكَم على من يقترب من موقعها بالإعدام بـ"دَم بارد". إنّها حرب لا تستطيع كاميرات وسائل الإعلام رصدها، ولا ملاذ للهروب منها، فهي معركة طويلة يخوضها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي -معركة طوفان الأقصى- خاصةً، يعاني هؤلاء الأسرى من أبشع أنواع الانتهاكات الإنسانية والقانونية. إهمال طبي متعمد، ممارسات قمعية وعقابية تصل إلى قتلهم عمدًا، ورغم كل هذا، يحافظون على روح المقاومة والإصرار على الحرية.
تاريخ الحركة الأسيرة يشهد على معاركٍ شجاعة نفذها هؤلاء الأبطال للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم. إضراباتٌ تحديَّةٌ، شهاداتٌ تروي قصصًا مؤثِّرةً، ووثائقٌ تثبت جرائم إسرائيل ضد حقوق الإنسان في زمن الحروب والسلام.
في هذا التحقيق (الذي استغرق إعداده نحو ٢١ يومًا)، نكشف حقائق مروِّعة عن ظروف اعتقالهم، نستمع إلى أصواتهم وأصوات أهاليهم وداعميهم. نطرح التساؤلات الملحَّة حول تطبيق قانون "المقاتلين غير الشرعيين" من قِبَل إسرائيل.
هوية منزوعة
قبل ١١ عامًا، كان الأسير المحرر باسل عيايدة في سن الخامسة عشرة عندما اضطر لترك مقاعد الدراسة والخروج لسوق العمل، ورغم ذكاءه وطموحاته، إلا أنه اضطر للبحث عن فرصة يعيل بها أسرته، وحينها دخل حياته شرطي إسرائيلي يستغل ظروفه ويجبره على العمل لديه.
بعد أسبوع من العمل، طالب باسل بأجره، لكن الشرطي رفض بقسوة وعنف قائلًا: "ليس لك أي حق يستحق"، ثم تحولت هذه المواجهة إلى مأساة حقيقية، عندما طلب باسل حقه أكثر من مرة، ليستدرجه الشرطي إلى مكان معزول، ويهاجمه برفقة بعض أصدقائه.
دافع باسل عن نفسه بشجاعة، لكن هذا الدفاع تحول بعد ذلك إلى جرائم ملفقة: اتُّهِم بالدخول غير الشرعي للأراضي المحتلة، وبالمقاومة ضد رجال الشرطة، وبالاعتداء على شرطي، وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة سبع سنوات.
داخل سجن بئر السبع، تعرض باسل لأبشع أشكال التعذيب والإذلال، كان يُضَرَّب ويلزَمُ بالانفراد في زنزانته، وتزامن ذلك مع محاولات جديدة لإذلاله: تهديده بالاغتصاب من قِبَل مجندة، وإجبراه على تناول مواد كيميائية سامة، ودعس رأسه من قِبل سجان إسرائيلي بقدميه.
وفي إحدى لحظات رد الكرامة، انقض باسل على هذا السجان وكسر له يديه، حينها فقط زاد حكمه ثلاث سنوات، وتضاعفت محاولات التنكيل به، لتصل إلى وخزه بمواد كيميائية سامة في أماكن متفرقة من جسده، كي لا يقاوم أو يحرك ساكنًا.
"كانوا يقطعون عنه كل شيء آخر عامين من أسره، لا زيارات، لا طعام، ولا نوم، فقط مكبل اليدين طوال الوقت داخل الزنزانة الانفرادية"، يقولها محمد عزيز عيايدة، ابن عم الأسير المحرر.
ويروي "عزيز" معاناة ابن عمه لـ"الدستور": "حين أتت أمه بصورة له من آخر زيارة قبل عامين من اختفائه، كان طويل القامة، ممشوق القوام، ونظرته قوية، كان يُحادِثُنَا هاتفًا بكلام رجالٍ مؤثِّرٍ، يتوعَّد بالخروج وإظهار حقِّه، لكن حالته كانت صادمة حين رأيته يوم عودته، من فقدان للذات، رثاء الملابس، وخوف من كل من حوله".
يتذكر لحظة استقبال الأسير المحرر: "لم يعرف أحد منا، وبكى كل من كان معنا على ممر الجلمة العسكري أثناء عودته من السجن، من سوء حالته وفقدانه لذاكرته، وبعد عرضه على الأطباء، تم تشخيصه بالهذيان وانفصام الشخصية وفقدان ذاكرة رجعي".
أصبح باسل شخصًا مختلًّا نفسيًّا، يحتاج من عام إلى عامين للشفاء التام، حُرمَ من حقوق الإنسان وزُورِقَ في بحور التعذيب، حين تعرض طوال هذه الفترة للعنف والعزلة، وبعض العلاجات الكيميائية التي وضعوها في طعامه عنوةً عن طريق مستشفى سجن الرملة، والتي جعلته يعاني من سيال عصبي وصدمات مفاجئة للدماغ.
"هذا الشاب الذي أُكلت ذكرياته من احتلال غاشم، يظل رمزًا للصمود والإرادة، قصته تروى كأحد أبرز أوجه المأساة التي يعاني منها الأسرى الفلسطينيون في سجون الإحتلال"، يختتم ابن عم الأسير شهادته.
مُعاناة بـ 9 أَوْجه
وفي حديث خاص لـ"الدستور"، يقول أحمد بن شمسي، مدير التواصل والمرافعة لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" لشرق المتوسط وشمال إفريقيا، إن الأزمة الإنسانية التي كان يعاني منها الأسرى الفلسطينيون قبل ٧ أكتوبر شيء، وما بعد ذلك التاريخ شيء آخر، فمنذ بداية عام ٢٠٢٣، يتعرضون لانتهاكات متزايدة لحقوقهم، بما في ذلك ظروف اعتقال أكثر قسوة، ومداهمات عنيفة في زنازينهما، وسجنهم بالعزلة الفردية والجماعية، والنقل القسري الجماعي.
"الوضعية تغيرت تمامًا بعد السابع من أكتوبر، وللأسوأ مع الأسف، فأعداد المعتقلين الإداريين التي نتحدث عنها حاليًا هي أرقام لم نشهد لها مثيلًا منذ عام ٢٠٠٣، ومنذ الانتفاضة الثانية"، يوضح "بن شمسي".
ويؤكد أنّه في الأيام الماضية، بدأت مصلحة السجون الإسرائيلية بتنفيذ إجراءات عقابية ضد الأسرى الفلسطينيين، والتي تشمل إغلاق كافة السجون وحظر الزيارات العائلية وزيارة المحامين منذ الأسبوع الأول من الحرب، وعزل الأسرى الفلسطينيين عن العالم الخارجي وعدم مراقبة أوضاعهم.
ويواصل: "تم قطع الكهرباء وحصر الحصول على الماء إلى ساعة واحدة يوميًا في بضعة سجون. هذه على ما يبدو السياسة العامة، غير أنه يتم تنفيذها بشكل مختلف من سجن إلى آخر، كما قدمت "جمعية عدالة" التماسًا بهذا الشأن إلى المحكمة العليا الإسرائيلية مؤخرًا، ولم نتوصل بالنتيجة حتى الآن".
لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد صادرت إدارة السجون كافة الأجهزة الكهربائية من السجناء، ونقل بعضهم -أغلبهم ينتمون إلى حركة حماس- إلى زنازين معزولة، فضلًا عن إغلاق جميع الدكاكين الداخلية في السجون، ما يسمى بالإنجليزي بـ "كانتون سري"، وإغلاق جميع مطابخ السجون، حيث لا يقوم السجناء بطهي الطعام لأنفسهم كما اعتادوا من قبل، ويقتصر الأمر على تناول وجبتين في اليوم التي يمنحها السجن.
ويستكمل "بن شمسي" حديثه: "يشير السجناء إلى سوء جودة الطعام وقلة الكميات من الطعام منذ ذلك الوقت، كما أنّه تم إغلاق كافة عيادات السجون، ولا يتم تحويل السجناء إلى المستشفيات أو العيادات الخارجية إلا إذا اقتضت الضرورة القصوى".
"هذه الإجراءات تعيق بالطبع حصول حوالي ٦٠٠ سجين فلسطيني مريض على الرعاية الطبية اللازمة، منهم أكثر من ٢٠٠ سجين يعانون من أمراض مزمنة، و٢٤ سجينًا مصابين بالسرطان وأمراض خطيرة أخرى يحتاجون بسببها إلى علاج مستمر"، يؤكد "بن شمسي".
ينّوه أيضًا إلى إجراء مداهمة السجون، وخاصة سجن الدامون للنساء الذي تعرض له مؤخرًا، ونُقلت ممثلة الأسيرات التابعة لحركة حماس إلى زنزانة معزولة في سجن آخر وهو سجن الجلمة.
أما عن آخر الإجراءات العقابية التي تم رصدها، يقول "بن شمسي": "النائب العام الإسرائيلي وافق على مقترح من طرف إدارة السجون للسماح بالاكتظاظ في السجون، ما يعني أن الاكتظاظ أصبح الآن أمرًا مشروعًا قانونيًا بإجراء قرار من النائب العام.
ويتابع: "وافق الكنيست الإسرائيلي على سياسة إدارة السجون الجديدة التي تسمح لهم بجعل الأسرى ينامون على فرشات مستلقية مباشرة على الأرض في حالة الاكتظاظ".
"إذا، هذه هي ٩ أوجه مختلفة للمعاناة التي يعيشها السجناء الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية".
شهيد الطُّوفان
لم تقتصر الأزمة داخل سجون الاحتلال على الإجراءات العقابية فقط بعد السابع من أكتوبر، ففي اليوم الثاني لمعركة طوفان الأقصى، اُعتقل الأسير عمر دراغمة وابنه حمزة، وتحوَّلا إلى الاعتقال الإداري، حيث أُدينا سويًا بالسجن لستة أشهر دون قضيةٍ محددة.
كان يقبع "دراغمة" في سجن مجدو، وفي جلسة المحكمة عبر تقنية الفيديو، أكَّد محاميه أشرف أبو سنينه أن صحته جيدة، ولكن المأساة لم تتوقف هنا، ففي طريق عودته من محكمة عوفر العسكرية إلى زنزانته، أُعلِنَ عن وفاته فجأةً.
"هذا الإعلان كان كالصاعقة لأرواح المحرومين من حقوقهم الإنسانية، خاصة حين ادعت وحدة السجون أن الوفاة نتيجة جلطة قلبية، ولكن جميع الأسرى يعلمون جيدًا أن من يخرج من قسم الاعتقال يُعَذَّب ويُعَامَل بوحشية"، يقولها أسيد الخراز، أحد الأشخاص المقربين من الشهيد.
ويواصل "الخراز" حديثه: "الشهيد عمر دراغمة، كان رمزًا للصمود والكفاح في وجه الظلم والقهر، قبل استشهاده في سجون الاحتلال، عانى من تعذيبٍ بشع، وهو أسير سابق، كان يحمل دائمًا على كاهله معاناة الأسرى داخل تلك الزنازين المظلمة".
"في هذا الزمان المظلم، نستغرب كيف يُعامَل الأسرى بلا إنسانية، ونطالب بإطلاق سراح كل من يُظلم داخل تلك الزنازين".
بـ "دَم بارد"
"دراغمة" لم يكن الأسير الوحيد الذي اُستشهد داخل سجون الاحتلال في الأيام الماضية، فقد أعلنت هيئة شئون الأسرى والمحررين، عن استشهاد الأسير عرفات ياسر حمدان (٢٥ عامًا) داخل سجن عوفر في ٢٤ أكتوبر الماضي، بعد يومين فقط من اعتقاله.
المتحدث الإعلامي باسم هيئة شئون الأسرى والمحررين، ثائر شريتح، يقول لـ "الدستور": "رسالتنا داخل الهيئة هي فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، وتسليط الضوء على الانتهاكات المرتكبة ضدهم، والتي تُخالف كافة الأعراف والقوانين الدولية"، مشيرًا إلى أن عدد الأسرى الفلسطينيين من 7 أكتوبر الماضي وصل إلى 1680 أسيرا.
يوضح "شريتح" أن الهيئة تهدف إلى التخفيف أولًا عن الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، والضغط في سبيل إعطائهم كل الحقوق التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية، وهذه الأهداف وطنية إنسانية ومبنية على أسس نضالية؛ لأن هؤلاء الأسرى دخلوا هذه السجون في سبيل البحث عن حريات الوطن والإنسان الفلسطيني.
ويضيف: "نبذل جهودًا مكثفة لمتابعة كل ما يجرى داخل المعتقلات الإسرائيلية من قِبل طاقم محامين هيئة شئون الأسرى، ومحاولة التغلب على الصعوبات التي تواجه الأهالي في زياراتهم للأسرى".
"ارتقاء أسيرين في غضون 24 ساعة فقط يؤكد أن الاحتلال ينفذ عمليات اغتيال ممنهجة بحقّ الأسرى عن سبق إصرار"، يشير "شريتح" إلى استناد الهيئة إلى الشهادات والروايات التي تصل من معتقلين أُفرج عنهم مؤخرًا، والتي تثبت مدى تطور الكارثة.
ويستكمل: "ستبقى رواية الاحتلال عن وفاة الشهيد دراغمة بـ "جلطة قلبية" محط شك، خاصة بعد حضوره جلسة محكمته بصحة جيدة وفقًا لمحاميه، أما عن الشهيد حمدان، فهذا هو الاعتقال الأول بحقّه، كما أنّه متزوج ولديه طفلة".
"عائلة الشهيد حمدان أبلغتنا بتعرضه للضرب خلال عملية اعتقاله من منزله قبل يومين"، يؤكد "شريتح" أن الهيئة تحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، وكل القوى العالمية التي تساندها".
وباستشهاد حمدان، فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 يرتفع إلى (239)، منهم (13) شهيدًا يواصل الاحتلال احتجاز جثامينهم في الثلاجات، من بينهم الشهيد حمدان والشهيد دراغمة.
تُجار الجثامين
في أحضان الأرض المقدسة، انطلقت قصة شهادة رجلٍ استثنائيّ، عاش في زمنٍ ملتهب بالصراعات والتحديات، وكان يحمل على كتفيه وطنًا محاصرًا بالظلم والاحتلال، ففي عام 1987، اعتُقِل الشهيد ناصر أبو حميد للمرة الأولى، حيث قضى ٤ أشهر في زنزانةٍ ضيقة، لكنه لم يستسلم وقاوم الاحتلال مرة أخرى بعد خروجه من السجن.
اعتُقِل ناصر مراتٍ عديدة بعد ذلك، حتى حُكَم عليه بالسجن المؤبد، ورغم معاناته من أزمات صحية خطيرة خلال فترات اعتقاله، والتي وصلت لإصابته بسرطان الرئة، إلا أنّه تجاوز التعذيب والإهمال الطبي، واستمر في الصمود.
ولم يكن ناصر وحده في هذه المعركة، إخوته الأربعة كانوا إلى جانبه، اعتُقِل ثلاثة منهم في انتفاضات الأقصى، وأُدينوا بالسجن المؤبد. كان إسلام، شقيقه الرابع، هو آخر من انضم إلى سجناء الحرية.
في 20 ديسمبر 2022، استشهد ناصر أبو حميد في مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي، حين كان يُخضِع لجراحاتٍ مؤلمة لإزالة سرطان رئته، ولكن حُجِبَ عن أُمه عودة جثمان ابنها إلى حضنها.
يروي تلك الشهادة، حسن بكر قنيطه، زميل وصديق الشهيد في أسره، مؤكدًا أن السيدة خنساء، والدة الشهيد ناصر أبوحميد، تنتظر بفارغ الصبر عودة جثمان ابنها، حتى ولو كان خاويًا.
قبل عدة أشهر من استشهاد ناصر، حذرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين من احتمالية تعرضه للوفاة في أي وقت، ولكن لم يستمع أحد لهم. يقول المتحدث الإعلامي باسم الهيئة، ثائر شريتح، إنّه على مدار سنوات النضال الفلسطيني، لجأ الاحتلال الإسرائيلي لاستخدام الأسرى كحقل تجارب في البحوث العلمية واختبارات الأدوية.
"هناك العديد من الحالات التي خضعت لتلك التجارب، بالإضافة إلى سرقة أعضاء الأسرى بعد استشهادهم، وذلك الأمر تم توثيقه من قبل أطباء إسرئيلين كانوا يعملون في إدارة سجون الاحتلال، وأثبتوا هذه الجريمة بشكل واضح"، يواصل شريتح" حديثه لـ"الدستور".
ومن جانبه، يؤكد مدير التواصل بـ"هيمون رايتس ووتش"، أن إسرائيل تحتجز جثث الأسرى المتوفين بشكل غير قانوني داخل ثلاجات، وتحرم عائلاتهم من حق دفنهم بحجة مخاوف أمنية.
"ثلاثة عشر من هؤلاء الأسرى الذين توفوا خلال أسرهم بعضهم منذ عام ١٩٦٧"، يقولها "بن شمسي".
كِيس أسود
في يوم مشمس من شهر أكتوبر عام 2015، خرج أحمد مناصرة (13 عامًا) من منزله في بلدة بيت حنينا بالقدس المحتلة، ليستمتع بوقته مع صديقه وابن عمه حسن مناصرة (15 عاما)، ولم يكن يعلم أن ذلك اليوم سيغير مصيره إلى الأبد. ففي طريقهما إلى مستوطنة بسغات زئيف غير القانونية، تعرضا لإطلاق نار ودهس وضرب من قبل جنود ومستوطنين إسرائيليين، بزعم محاولتهما تنفيذ عملية طعن.
حسن أُستشهد على الفور، وأحمد أُصيب بجروح خطيرة وظل ينزف على الأرض، في حين تجمع حوله المستوطنون وسبوه وشتموه وصوروه، ثم نُقل أحمد إلى المستشفى مكبل اليدين والقدمين، واعتُقل لاحقًا وحُرم من حقوقه الأساسية كطفل.
"كان يبكي كثيرًا في المستشفى، كان خائفًا وحزينًا، وظل يسأل عن حسن وعائلته حتى يومنا هذا"، تروي ميسون مناصرة، والدة الأسير أحمد، قصة ابنها قائلة: "لم يكن لديه أي نية لإيذاء أحد، كان طفلًا طبيعيًا يحب الحياة والضحك، لكن الاحتلال سرق طفولته وأجبره على العيش في جحيم".
أُجبر أحمد على الخضوع لجلسات تحقيق قاسية ومذلة، دون حضور محامٍ أو والديه، وتعرض للضرب والصراخ والتهديد من قبل المحققين الإسرائيليين، الذين حاولوا إجباره على الاعتراف بجرائم لم يرتكبها، كما تم تصوير جزء من التحقيق وتسريبه إلى الإعلام، في محاولة لإظهار أحمد كإرهابي خطير، لكن الطفل لم يستسلم للضغوط، وظل يكرر: "لا أتذكر، لا أعرف".
في عام 2016، أصدرت المحكمة الإسرائيلية حكمًا بالسجن 12 عامًا على أحمد، بتهمة محاولة القتل، رغم أنه لم يشارك في عملية الطعن، ورغم أنه كان دون سن المسؤولية الجنائية، ومنذ ذلك الحين، يقبع أحمد في السجن، حيث يعاني من ظروف قاسية ومهينة.
"تدهورت حالته الصحية العقلية والنفسية بشكل كبير، حتى أنه أصيب بالفصام والاكتئاب، كما تعرض للحبس الانفرادي لفترات طويلة، وحُرم من الزيارات والاتصالات مع عائلته منذ أكثر من 6 أشهر، حتى أن المحامي الخاص به لا يتمكن من زيارتي، وحاول الانتحار عدة مرات، حتى أُدخل إلى المستشفى في حالة حرجة، تستكمل الأم حديثها لـ "الدستور".
"أنا خائفة على حياته، خائفة أن يموت في السجن، وأن أراه المرة القادمة في كيس أسود"، تطالب ميسون بالإفراج عن طفلها، فهو بريء من كل التهم الموجهة إليه.
أحمد مناصرة هو واحد من آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ عام 2000، وأخضعتهم لمعاملة قاسية وغير قانونية.
قَتل بالبطيء
وفيما يتعلق بعدم توفير الرعاية الصحية للأسرى الفلسطينيين داخل السجون، يؤكد أحمد بن شمسي، مدير التواصل بـ "هيومن رايتس ووتش"، أنّ المنظمة وثقت بالفعل بعض المصادر المتعلقة بشأن تعذيب السجناء الفلسطينيين وسوء معاملتهم، وفي بعض الأحيان كان يقع هذا بتواطؤ مع أطباء، من خلال سياسة إهمال طبي ممنج، والتي يطلق عليها البعض عبارة "القتل البطيء".
ويواصل: "يأتي ذلك على شكل توقف العلاج الطبي المطلوب للسجناء، وعدم إجراء فحوصات طبية لازمة بطريقة منتظمة، وكذلك افتقار عيادات السجون إلى كوادر طبية يعني أطباء مختصين، وكذلك إلى المعدات الطبية اللازمة، ولا تقدم عيادة السجن أي شيء غير المسكنات كعلاج لجميع الأمراض".
"إذا تدهورت صحة السجين تقوم مصلحة السجون بنقله إلى عيادة سجن الرملة الذي صراحة لا تختلف كثيرا عن عيادات السجون الأخرى، وفي بعض الحالات النادرة يتم نقل السجناء الفلسطينيين إلى المستشفيات المدنية الإسرائيلية، لكن تبقى أيديهم مكبلة إلى فراشهم طوال مدة إقامتهم في المستشفى، ويعد ذلك بالطبع انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني الذي يضمن توفير الرعاية الطبية اللازمة للسجناء"، يشرح "بن شمسي" في حديثه مع "الدستور".
وفي السياق، يقول كمال سليمان بني عودة، مدير نادي الأسير الفلسطيني في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، إن دورهم إنساني وقانوني ووطني، فهم يتابعون وضع الأسير من لحظة اعتقاله من قبل الاحتلال، ويتواصلون مع مؤسسات ذات علاقة لمعرفة مكان الاعتقال، ثم إبلاغ أهل الأسير بمكان اعتقال ابنهم.
"نتواصل مع الصليب الأحمر ونبلغهم عن أي حالة اعتقال، كما نتواصل مع المحامين لزيارته ومتابعة وضعه القانوني والاطلاع على لائحة الاتهام ومن ثم حضور جلسات المحكمة لحظة الحُكم عليه، ثم نتابع وضع الأسير فيما بعد الحكم، وأيضًا وضعه الصحي وظروف اعتقاله"، يوضح "بني عودة".
منذ السابع من أكتوبر الماضي، يواجه نادي الأسير الفلسطيني تحديات وعراقيل عدة، منها حجب المعلومات من قبل الاحتلال عن مكان ووضع المعتقل، وعزل بعض الأسرى بزنازين انفرادية بحيث تنقطع الأخبار عنهم، فضلًا عن العقوبات التي تفرضها إدارة السجون على المعتقل من منع الزيارة والغرامة المالية، وصولًا إلى الإهمال الطبي المتعمد الذي أدى لاستشهاد العشرات من الأسرى سواء داخل السجون أو بعد انتهاء مدة محكوميتهم، بأمراض ورثوها من داخل السجون.
يؤكد مدير نادي الأسير، أن الاحتلال يستخدم بعض الأسرى كحقل تجارب، ولكن ليس بشكل جماعي، خوفًا من انكشاف الأمر، وهناك حالات مرضية وحالات وفاة لم يتم الكشف عن أسبابها، نتيجة جرائم الاحتلال التي وثقتها العديد من المؤسسات والأشخاص المتطوعين لإنقاذ الأسرى الفلسطينيين.
توثيق خلف القضبان
وبالبحث عن أحد الأشخاص الذين كرسوا حياتهم لتوثيق الجرائم المرتكبة بحق الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، يسرد المحامي الحيفاوي حسن عبادي، رحلته الأدبية من خلف القضبان، قائلًا: "بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى يكتبون من داخل السجون؛ لاهتمامي بأدب السجون، وهناك من بين القضبان سمعت من أحدهم نكتة بنكهة السخريّة السوداويّة القاتلة: "دخل أسير لمكتبة السجن سائلًا عن كتاب فأجابه السجّان: "الكتاب ممنوعًا وغير متوفّر، لكنّ مؤلّفه في الزنزانة رقم 110".
ويواصل "عبادي" حديثه لـ "الدستور": "تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير،هم في زنازينهما أكثر حريّة من الطلقاء ذوي النفوس الذليلة، وكان اللقاء الأوّل صبيحة 3 يونيو عام 2019، في سجن ريمون الصحراويّ؛ وبعد لقائي بالأسير كميل أبو حنيش، كتب لي رسالة عنونَها "كعك على بوابة السجن"؛ رسالة قلبت حياتي رأسًا على عقب، ولست بنادم".
"مشاعره التي عبّر عنها إثر لقائه بـ "غريب" أدخلتني متاهة ودوّامّة لم أخرج منها حتى اليوم، وبعد قراءتها مرارًا وتكرارًا قرّرت لا شعوريًا، البدء بمشوار تواصليّ مع أسرى يكتبون، ومن خلاله ألتقي كلّ أسبوعين بأسرى عبر القضبان، ولكلٍّ قصّته وحكايته"، يتابع "عبادي".
يشرح المحامي الحيفاوي الإجراءات الاستباقية داخل السجون: "كلّ زيارة تحتاج لترتيب مسبق مع إدارة السجن (عبر الفاكس، أقدّم طلبًا وأقترح 3 مواعيد، وإدارة السجن تحدّد الموعد)، وغالبيّة السجون تبعد عن حيفا ثلاث ساعات سفر كلّ اتجاه (وفي حالة أزمة سير تكون مضاعفة)، وفي كل زيارة التقي 2-3 أسرى ليكون مجال لحديث يطول، واللقاء عبر الزجاج المقيت، والسماعة الحديدية الباردة.
"لا يوجد مجال (من ناحية عمليّة) زيارة أكثر من سجن في كل مشوار، أدوّن ملاحظاتي وانطباعاتي وطلباتهم وأتابع الأمر لاحقًا". يتواصل "عبادي" أيضًا مع أهالي الأسرى بعد كل لقاء، ليشرح لهم أوضاعهم ومتطلباتهم، ولا يتواصل قبل الزيارة كي تكون زيارته عملية ومفيدة (بدون عواطف الأهل).
يصف المحامي مشاهد السجون من الداخل: "الوضع صعب للغاية، وخاصّة في السنة الأخيرة بسبب فاشيّة الحكومة الجديدة وعنصريّة وزير الأمن الداخلي ومسؤول السجون، تضييقات مستمرة وسحب إنجازات حصل عليها الأسرى بعد نضالات واستشهادات، كما أن السجّان يتعامل بعنجهيّة ووحشيّة وساديّة، يتحكّم بكلّ صغيرة وكبيرة، متى يصحو؟ ومتى ينام؟ ماذا يأكل؟ ومتى؟ أيّة محطة تلفزيونيّة يشاهد؟".
ويتابع: "الجهاز القضائي يعاملني، لا شعوريًا، بشكل عدائيّ بنيويّ في عمل مكتبي الخاص، وفقدان الحاضنة الجماهيرية المحبطة وعداوة مؤسساتيّة وحرب يوميّة على المبادرة التي أطلقتها لتوثيق أحوال الأسرى؛ مما يزيدني قوّة وعنفوانًا وإرادة واستمرارية".
"يتم التفتيش الدقيق في الدخول، وأثناء اللقاء يكون سجانان متواجدان، واحدًا من جهة الأسير وآخر من جهتي، كمراقب فقط، على بعد 3-4 أمتار منّا، ويقيّدني الأمر ويفقدني خصوصيّة اللقاء"، يختتم المحامي الحيفاوي شهادته لـ "الدستور".
شيخُ الأسرى
في مارس الماضي، استقبلت منة الشوبكي، أكبر حفيدة للأسير المحرر الفريق فؤاد الشوبكي، جدها بعد 21 عامًا من الغياب، حيث كانت طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها 3 سنوات عندما اعتقل جدها في سجن أريحا عام 2006.
فؤاد الشوبكي، 83 عامًا، يُعد أكبر أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي ويلقبه الجميع بـ "شيخ الأسرى"، وكان الشوبكي مسؤولًا عن الإدارة المالية المركزية العسكرية في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وأحد المقربين من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأحد أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح والمجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني.
اتهمت إسرائيل الشوبكي بالمسؤولية عن تمويل وتهريب سفينة MV Karine A التي ضبطت في عام 2002 وادعت أنها تحمل أسلحة من إيران للفلسطينيين، ونفى الشوبكي هذه التهمة وبرأته محكمة فلسطينية، لكن إسرائيل طالبت بتسليمه وفرضت حصارًا على مقر عرفات في رام الله.
انتهى الحصار بنقل الشوبكي وآخرين إلى سجن أريحا، الذي قضى فيه 4 سنوات تحت حراسة أمريكية وبريطانية وفلسطينية، وفي عام 2006، اقتحمت إسرائيل السجن واعتقلت الشوبكي وأحمد سعدات وآخرين، وحكمت محكمة عسكرية إسرائيلية على الشوبكي بالسجن لمدة 20 عامًا، ثم خصمت منها ثلاث سنوات.
خلال فترة اعتقاله، عانى الشوبكي من مرض سرطان البروستاتا وكوفيد-19، وتدهورت حالته الصحية بشكل كبير، كما رفضت إسرائيل طلبات الإفراج عنه لأسباب إنسانية، وأصرت على استكمال مدة حكمه، وتضامنت معه الحركة الأسيرة والشعب الفلسطيني والمؤسسات الحقوقية والدولية، وطالبت بإنقاذ حياته والإفراج عنه فورًا.
في 13 مارس 2023، أفرجت إسرائيل عن الشوبكي بعد انقضاء مدة حكمه، واستقبله في المعبر الحدودي بين إسرائيل ومصر أفراد من عائلته وزملائه، ثم توجه ليلتقي ببقية أفراد عائلته، بما في ذلك حفيدته التي كان يحلم برؤيتها.
لم تستطع حفيدة شيخ الأسرى أن تزور جدها في سجون الاحتلال الإسرائيلي إلا مرة واحدة فقط، وتصف في حديثها لـ "الدستور"، يوم خروجه من المعتقل: "لم أستطع أن أصدق عيني عندما رأيته أمامي، كان وجهه مشرقا بالابتسامة والفرح، ويلوح بشارة النصر بيديه، وكان هذا أجمل يومًا في حياتي".
"غزة كانت تنتظر خروج جدي عن بكرة أبيها، ولكن إسرائيل لم تسمح له بالعودة إلى أرض وطنه"، تختتم حفيدة شيخ الأسرى شهادتها.
نِساء محرومات
الحرب داخل سجون الاحتلال لا تقتصر فقط على الأطفال والرجال والشيوخ، فالنساء أيضًا يعانين من جرائم وحشية تُرتكب بحقوقهن، وذلك ما تشير إليه المحامية الفلسطينية عبير بكر، والتي تتولى قضية الأسيرة دلال أبو آمنة.
تقول "بكر" في حديثها لـ "الدستور"، أن جريمة موكلتها هي دعم القضية الفلسطينية عبر "فيسبوك"، من خلال منشور لها يوم 7 أكتوبر الماضي، كتبت فيه جملة واحدة فقط: "لا غالب إلا الله"، ومرفقًا به علم فلسطين.
"قامت إحدى الصحافيّات الإسرائيليّات بتصوير هذا المنشور، وأضافت تفسيرًا له بأنه دعوة لطرد اليهود، وتم ترويج منشور الإسرائيلية عبر الشبكة آلاف المرّات وسط توجيه تهديدات مباشرة للفنانة دلال ولأسرتها بالقتل ونعتها بكلمات قذرة والتشهير بها وبسمعتها الطيّبة"، توضحها المحامية الفلسطينية.
وتواصل: "قامت دلال بحذف المنشور وإغلاق صفحتها خوفًا على حياتها خاصة بعد أن تم نشر مكان سكنها، وبعد ازدياد التهديدات لجأت وزوجها إلى الشرطة لتقدم بلاغ ضد المحرضين على أمل أن يتم حذف المنشورات واعتقال المعتدين، وبعد تقديمها البلاغ وعند خروجها من محطة الشرطة انقض عليها أفراد شرطة ووضعوا الأصفاد بيديها وقدميها، ثم أعلنوا عنها معتقلة، وبعد مثولها للتحقيق بتهمة التحريض على الإرهاب طالبت الشرطة تمديد اعتقالها 5 أيام".
أقرت المحكمة إطلاق سراح دلال بشروط حبس منزلي مدته 6 أيام وكفالة ماديّة ومنعها التحدث عن الحرب مدة 45 يومًا، فيما لم تحقق الشرطة حتى هذه اللحظة بالتحريض ضدها.
وتتابع "بكر": "كفلسطينية تُمثل أمام قضاء إسرائيلي لا شك أنني أواجه تحديات أبرزها خلق ديالوج مهني مع المحكمة وتحييد التوتر السياسي، لذا الرجوع للقوانين وتسخير المعرفة القانونيّة هو الأداة الأفضل لخلق نقاش قانوني وإن كانت احتمالات النجاح قليلة؛ لأن القرارات بأغلبها تتبنى الرؤية القانونية التي يدعيها الطرف الآخر، ونحن نتعامل مع جهاز يخلق قوانين لتخدمه في تحقيق مآربه السياسيّة وليس من السهل التعاطي قانونيًا مع الأمر".
تعمل المحامية الفلسطينية بقضايا عديدة ينتج عنها انتهاك صارخ للحقوق الأساسيّة، منها تمثيل المعتقلين والسجناء والأسرى أمام المحاكم، وتمثيل النساء ضحايا الاعتداءات الجنسية والعنف، وتمثيل عوائل ضحايا القتل.
وتختتم: "التواصل الوحيد لأي محامية مع الأسرى هو بواسطة الزيارات الدوريّة للسجون، وللأسف مع الإعلان عن حالة الطوارئ بالبلاد أغلقت السجون أبوابها وقامت بتعويق عملنا كمحامين وحرمتنا حتى من إمكانية تفقد أحوال موكلينا الذين ليست لهم المقدرة على التواصل مع العالم الخارجي سوى عبر زيارات المحامين أم الأهالي".
إعدام مُرتقب
وسط كل هذه الانتهاكات الصارخة التي رصدها "مُعد التحقيق" في السطور السابقة، لم تكتفِ دولة الاحتلال بذلك فقط، بل أقرت قانون "المقاتلين غير الشرعيين" ضد أي أسير فلسطيني (أيا كانت قضيته)، لتحقق هدفها وتدفِن الجميع بـ "دَم بارد".
يعلق على ذلك، أحمد بن شمسي، مدير التواصل بمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، قائلًا: "هذا القانون هو أحد أشكال الاعتقال الإداري الذي يحرم المعتقلين الفلسطينيين من ضمانات المحاكمة العادلة، مما يسمح لوزير الأمن الإسرائيلي أو المفوضية بإصدار أمر اعتقال بحق أي شخص من قطاع غزة لمدة غير محددة دون تاريخ إفراج محدد سابقًا".
ويضيف: " يتم تأكيد أمر الاعتقال تحت هذا القانون من قبل محكمة محلية خلال أربعة عشر يومًا من صدوره، هكذا يعاملون ويخضع الأمر للمراجعة القضائية كل 6 أشهر، ولكن دون تقديم أي اتهامات رسمية ضد المعتقل، كما يستند الاعتقال إلى مواد سرية لا يراها إلا القاضي، يعني أن المعتقل ومحاميه لا يعرفون لماذا يتم سجنهم، فالسجن للمعتقلين، وهذا القانون بالطبع وبكل وضوح يحرم المعتقلين من الحماية التي من المفترض أن يتمتعوا بها بموجب القانون الدولي الإنساني".
"يعتبر معتقلي غزة (مقاتلون غير شرعيين)، وتم إنشاء معسكرات جديدة لهم في جنوب فلسطين، هم يريدون إعادة إنتاج (غونتانامو)"، هكذا يرى كمال بني عودة، مدير نادي الأسير الفلسطيني، جريمة الحرب التي يرتكبها الاحتلال بحق الأسرى، مشيرًا إلى استغلال إدارة السجون الإسرائيلية لانشغال العالم بما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية، وقامت بالتضييق على الأسرى بشكل لم يسبق له مثيل.
لم يختلف رأي المحامي الحيفاوي حسن عبادي، بشأن قانون المقاتلين غير الشرعيين، ويعبر عن ذلك: "قانون عنصري نازي، يتناقض مع كل الأعراف الدوليّة والمواثيق المتعارف عليها والمتّبعة في كلّ دول العالم، وعدم الاعتراف بأسرى فلسطين كأسرى حرب يتنافى مع القانون الدولي الإنساني لترهيب وتخويف المواطن الفلسطيني".
بينما يقول المتحدث باسم هيئة شئون الأسرى، ثائر شريتح، إن المجتمع الدولي غير قادر على حماية الاتفاقيات والمواثيق الخاصة به، وغير قادر على محاسبة إسرائيل، بل تتم معاملتها كأنها فوق القانون، مما يتسبب في الانتهاكات المفجعة التي ترتكبها في حق الأسرى يوميًا، وعدم منحهم أبسط حقوقهم الحياتية أو الصحية أو القانونية.
ويختتم حديثه محذرًا من الصمت المريب تجاه قضايا الأسرى الفلسطينيين، والذي يدفع قوات الاحتلال لتنفيذ سياسات انتقامية، ومنها تفعيل قانون الإعدام المباشر للأسرى في أي لحظة وعلى ذمة أي قضية.
صفقة الحرية
وبالحديث مع الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والذي يُعد أيضًا أحد الأسرى المحررين من سجون الاحتلال، وخاصة سجن عسقلان، تّبين أن لا حل لإنقاذ هؤلاء الأسرى إلا بعقد "صفقة حرية" بينهم وبين الرهائن الإسرائيلية لدى حركة حماس.
ويؤكد "الرقب" في حديثه لـ "الدستور"، أن الصفقة جاهزة على التنفيذ في أي وقت، لكن ما يعطلها هو رفض قوات الاحتلال لها حتى وقتنا الحالي، بل يعرضون رهائنهم لخطر الموت في كل لحظة؛ بسبب القصف المستمر على أهالي قطاع غزة.
"رأيت بعيني داخل سجون الاحتلال كيف يتم الإتجار بأعضاء الأسرى قبل تسليم جثامينهم، فضلًا عن الانتهاكات المتواصلة طوال فترة التحقيق والمحاكمة، والتي غالبًا ما تؤدي إلى الموت"، يواصل "الرقب".
وفي الختام، ينوّه "الرقب" إلى أن منظمة الصليب الأحمر الفلسطيني هي الوسيط فقط بين الأهالي وسجون الاحتلال.
قرار مُنتظر
وبسؤال هشام مهنا، المتحدث باسم الصليب الأحمر الفلسطيني، عن كيفية تعاملهم في الوقت الراهن مع إدارة سجون الاحتلال، أوضح أن اللجنة الدولية على اتصال مع طرفي النزاع بشأن هذه القضية، وأن أي تقدم في هذا الملف يبقى في إطار حوار مباشر غير مُعلن بين الصليب الأحمر والسلطات من طرفي النزاع.
ويؤكد "مهنا" في حديثه لـ "الدستور"، أن السرية التامة في هذا الملف يعطى الصليب الأحمر فرصة أكبر للضغط بهدف الحصول على معلومات عن المفقودين، وأي معلومات تصل إليها المنظمة يتم إبلاغ أهالي الأسرى فقط بها.
"نقف في الصليب الأحمر على أهبة الاستعداد لنقل الرهائن أو الأسرى من كلا الجانبين"، يختتم المتحدث باسم الصليب الأحمر الفلسطيني.