لوس أنجلوس تايمز: استراتيجية إسرائيل فى غزة هدفها التطهير العرقى ولن تتراجع عنه
قال طارق كيني الشوا، زميل السياسة الأمريكية في مؤسسة شبكة السياسات الفلسطينية: إنه على مدى عقود، أنشأت إسرائيل "حقائق على الأرض" لتوسيع وترسيخ سيطرتها على الضفة الغربية في حين تتحدى الإدانة الدولية. والآن، بعد الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر تستخدم إسرائيل نفس الاستراتيجية لتحقيق هدف جديد وهو "التطهير العرقي في غزة".
واعتبر الشوا، في مقال له بصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" بعنوان "استراتيجية إسرائيل في غزة: خلق حقائق على الأرض لا يمكن التراجع عنها"، أنه من خلال طرد مليوني شخص من منازلهم، وتدمير البنية التحتية الحيوية، وتجريف مساحات شاسعة من الأراضي بالكامل، فإن الحقائق الجديدة على الأرض التي تخلقها إسرائيل ستجعل غزة غير صالحة للسكن بحلول الوقت الذي تصمت فيه المدافع، مما لا يترك أي خيار آخر سوى النزوح الجماعي.
وأشار إلى أن هذا النهج، الذي خلق واقعًا من المستحيل تقريبًا التراجع عنه، وفق قوله، طبقته إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، من خلال بنائها السريع للمستوطنات على الأراضي الفلسطينية، والتي اعتُرف على نطاق واسع بأنها غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وأضاف، أنه "وحتى في ذلك الوقت، لم تكن الاستراتيجية جديدة"؛ حيث قبل سنوات من إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، توافد المستوطنون الصهاينة إلى فلسطين وأنشأوا مجتمعات صغيرة أو كيبوتسات، وكانت تلك المستوطنات فعالة في خلق روابط مادية دائمة مع الأرض.
ولفت إلى أنه على الرغم من التفاف المجتمع الدولي في السنوات التي تلت عام 1967، حول الاعتراف بـ"عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب"، إلا أن إسرائيل كانت لها أفكار أخرى؛ حيث شرعت في حملة لتعزيز سيطرتها على فلسطين والجولان السوري، من خلال تأسيس حقائق جديدة على الأرض تهدف إلى جعل أي تسوية عن طريق التفاوض، أو أي بديل للسيادة الإسرائيلية الكاملة، مستحيلة.
ونوه بأنه بين عامي 1967 و2017، قامت إسرائيل ببناء أكثر من 270 مستوطنة وبؤرة استيطانية في جميع أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، مما أدى إلى تقسيم الأراضي التي كانت ستكون بمثابة قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى جزر معزولة.
وتابع، واليوم، يعيش أكثر من 700 ألف مستوطن في شبكة المستوطنات الإسرائيلية التي تتوسع باستمرار، مما يضمن أنه حتى لو تحققت معجزة، وتم إنشاء دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967، فإنها سوف تكون "مجزأة بشكل ميؤوس منه وغير قابلة للحكم فعليًا".
ورأى أنه لا يهم أن هذه المستوطنات اعتبرها المجتمع الدولي بالإجماع غير قانونية بموجب القانون الدولي. كما لم يكن من المهم أيضًا أن الولايات المتحدة، أقوى داعم لإسرائيل، رأت في سياسة الاستيطان التوسعية عقبة أمام السلام، ولكن ما يهم هو وجودهم هناك "المظاهر المادية للتوسع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي".
كما رأى أنه في حين أسس الفلسطينيون مطالباتهم المشروعة بالأرض على أساس الأصلانية، والقانون الدولي، بل وحتى سندات الملكية، فإن إسرائيل تستطيع أن تشير إلى الوجود المادي للمستوطنات والمستوطنين الإسرائيليين، وتهز كتفيها وتقول: "هكذا هي الحال الآن".
وأشار الشوا إلى أن المجتمع الدولي، الذي يفتقر إلى الرغبة أو القدرة على التدخل، سوف يضطر فعليًا إلى "الاعتراف" بواقع إسرائيل المبني بأثر رجعي، مبينًا أن الحكومة الإسرائيلية تعكف الآن مرة أخرى على إعادة بناء الواقع على الأرض من جانب واحد، وبذلك تقضي على كل الآمال في مستقبل سلمي.
الهدف الحصول على أكبر قدر من الأرض الفلسطينية
واعتبر أن هذه المرة، لا تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهداف توسعية من خلال بناء المستوطنات، على الرغم من أن إعادة توطين غزة قد تكون الخطة على المدى الطويل.
وقال إنه في محاولتها إبادة حماس، تعمل إسرائيل على محو غزة كما نعرفها من على الخريطة، وتجعلها غير صالحة للعيش بالنسبة لنحو 2.3 مليون فلسطيني يسمونها وطنهم، مرجحًا أنها ليست النتيجة المؤسفة للحرب، ولكنها استراتيجية محسوبة لتحقيق هدف الحصول على أكبر قدر من الأرض مع الحد الأدنى من الفلسطينيين، وهذه هى "الحقائق الجديدة على الأرض".
وتطرق الكاتب إلى فترة ما قبل الهجوم الإسرائيلي الجديد، حيث كانت البنية التحتية في غزة مشلولة بسبب أكثر من 16 عامًا من الحصار الإسرائيلي الخانق، وأصبح أكثر من 85% من سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نازحين داخليًا، ولا يوجد مكان آمن داخل غزة للفرار إليه.
كما تطرق إلى تقديرات المحللين والتقارير التي تشير إلى أن أكثر من 50% من المساكن في غزة قد تعرضت لأضرار جسيمة أو دمرت بالفعل، فضلًا عن الخطط الإسرائيلية لإغراق شبكة أنفاق حماس بمياه البحر، وهو ما يهدد بتلويث تربة غزة بشكل دائم، وتلويث طبقات المياه الجوفية، والتسبب في المزيد من انهيار البنية التحتية.
في هذا السياق، تساءل كاتب المقال: ماذا سيحدث لمئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، من سكان غزة بعد هذا الدمار؟، قبل أن يجيب بالقول: "بطبيعة الحال، لن تستوعب إسرائيل موجة اللاجئين الجديدة التي تخلقها. وسيتم وضع مصيرهم في أيدي الدول العربية المجاورة ومجتمع المانحين الدولي".
لا أحد يستخدم نفوذه لإثناء إسرائيل عن مخططها
وأضاف: وقد أوضح الزعماء العرب، بدءًا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى العاهل الأردني الملك عبدالله، أن التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة يشكل "خطًا أحمر". وحتى إدارة بايدن، التي أعطت إسرائيل تفويضًا مطلقًا لتدمير غزة، قالت مؤخرًا إن إسرائيل يجب أن تعمل على تجنب "المزيد من التهجير الكبير" للمدنيين الفلسطينيين. ومع ذلك، "لا أحد يستخدم نفوذه لإثناء إسرائيل عن خلق الظروف، التي من شأنها أن تجعل هذه النتيجة التي يفترض أنها غير مقبولة، حتمية، وفق قوله.
في هذا الإطار رأى الشوا أنه هنا يكمن خطر استراتيجية "الحقائق على الأرض" التي تنتهجها إسرائيل، مردفًا: "لقد حقق القادة الإسرائيليون على مر السنين أهدافهم التوسعية من خلال تنفيذ ممارسات تدريجية، ولكن بشكل مطرد، يكرهها المجتمع الدولي على نطاق واسع، وغير قانونية بموجب القانون الدولي".
وبشأن الضفة الغربية، قال الشوا: "ربما يؤدي التطهير العرقي لكل الفلسطينيين بضربة واحدة إلى تدخل إقليمي، وربما حتى دولي، ولكن الاستيلاء على الأراضي تدريجيًا من خلال بناء المستوطنات كحقائق عنيدة على الأرض من الممكن أن يحقق نفس الغاية مع قدر أقل من ردود الفعل السلبية".
وختم: "وعلى نحو مماثل، لا تحتاج إسرائيل إلى قتل سكان غزة بالكامل دفعة واحدة. كل ما عليها فعله هو التأكد من أن قطاع غزة غير صالح للسكن، وسيتبعه الباقي. يمكن لإسرائيل مرة أخرى أن تهز كتفيها وتشير إلى الواقع الذي لا رجعة فيه الذي خلقته".