حكاية «يهود الفلاشا».. أسرار عن طائفة بيتا إسرائيل
في يناير2019، لقى الشاب اليهودي “يهودا بيادغا" مصرعه بعد إطلاق الشرطة النار عليه، ما أدى إلى اكتظاظ تل أبيب بتظاهرات حاشدة اعتراضًا على استخدام القوة ضد اليهود من أصول إثيوبية.
كانت هذه الحادثة واحدة من سلسلة ممارسات عنصرية ضد يهود الفلاشا، كما كان هذا التظاهر واحدًا من مظاهرت أخرى تالية قامت بها الطائفة ذاتها.
ففي مايو 2015، وبعد الاعتداء على جندي يهودي من أصل إثيوبي، تظاهر يهود الفلاشا مجددًا ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية العنصرية تجاههم، فما هي طائفة "الفلاشا"، وما سبب العنصرية الإسرائيلية في التعامل معهم؟
من هم "الفلاشا"؟
تعني الفلاشا بلغة الحبشة "المنفيين"، وتشير إلى مجموعة من الأحباش اليهود يطلقون على أنفسهم اسم "بيتا إسرائيل"، ولديهم معتقداتهم الخاصة؛ فهم لا يؤمنون بالتلمود لأنهم انفصلوا عن باقي اليهود في وقت قديم فحافظوا على أصل الديانة، فضلًا عن أنهم يؤمنون بالأسفار الخمسة الأولى فقط من العهد القديم التي تحوي أخبار الأنبياء وأهم عقائد اليهودية، ويعتقدون في إله بني إسرائيل وأنه اختارهم واصطفاهم دون باقي البشر، كما أنهم يؤمنون بالوصايا التي أنزلت على موسى، والثواب والعقاب واليوم الآخر والبعث.
يشير محمد جلاء إدريس في كتابه "يهود الفلاشا.. أصولهم ومعتقداتهم وعلاقتهم بإسرائيل" إلى أن الفلاشا معظمهم غير متعلمين ويأخذون شعائرهم عن الكهنة، ويستقبلون القدس في صلاتهم التي يتخللها رقص بحركات خاصة وترانيم، كما أنهم يصومون ويعتبرون الصوم عبادة الهدف منها إذلال النفس وتربيتها.
عاش الفلاشا حياة اجتماعية بسيطة في قرى صغيرة معزولة، واعتبرهم الأحباش منفيين وغريبي الأطوار ولم يكنوا لهم أي ود، إلى أن استيقظت أحلام الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ليستقبل "الفلاشا" تشجيعًا غير منقطع النظير نحو الهجرة إلى "وطن اليهود".
الهجرة والاستيطان اليهودي
بعد احتلال الصهاينة لفلسطين عام 1948، كانوا بحاجة إلى كل اليهود لزيادة عددهم في الأراضي الفلسطينية، فعملوا على تهجير الفلاشا من الحبشة إلى فلسطين، على الرغم من معارضة أغلب الصهاينة وعنصريتهم تجاههم بسبب اللون وكذلك لعدم اعترافهم بالتلمود الذي هو من أركان عقيدتهم الأساسية.
فمن أبرز ما تناقله الكتاب اليهود ويثبت عنصريتهم، ما كتبه الفيلسوف اليهودي ابن ميمون في كتابه "دلالة الحائرين" من وصف عنصري في قوله:"بعض الأتراك مثل العنصر المنغولي والبدو إلى الشمال والسود والبدو إلى الجنوب والذين يشابهونهم في أقاليمنا وطبيعتهم تشبه طبيعة الحيوانات البكماء، هم في رأيي لم يبلغوا مستوى الكائنات البشرية، والمستوى السائد بينهم هو دون مستوى الإنسان وفوق مستوى القرد، لأن صورتهم تشبه صورة الإنسان أكثر مما تشبه صورة القرد".
رغم العنصرية المتجذرة، شجع الإسرائيليون الهجرة إلى "وطنهم الجديد"، فتضمن برنامج تيودور هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 تشجيعًا للهجرة المنظمة إلى فلسطين، والسعي إلى الوصول لاعتراف دولي بشرعية الاستيطان اليهودي في فلسطين، وفي 1950 صدر قانون العودة الذي نص على حق كل يهودي أن يعود إلى بلده، وفيما بعد أصدر الكنيست الاسرائيلي السياسة التوسعية الاستيطانية .
قادت الدعاية الصهيونية إلى إغراء يهود الفلاشا بالوعود الإسرائيلية المزيفة، فانبروا للهجرة في موجات متلاحقة إلى فلسطين، لكنهم سرعان ما أدركوا أنهم خسروا أوطانهم وحريتهم، وصاروا أسرى للعنصرية الإسرائيلية إزائهم.
في دراسة لها عن "الفلاشا"، توضح فرناز عطية الموجات المتتالية التي هاجر عبرها الفلاشا إلى فلسطين، فالبداية كانت في الستينيات، التي شهدت وصول أعداد قليلة من الإثيوبيين تزايدت فيما بعد لتصل في العام 1984 إلى 6500 يهودي إثيوبي من مخيمات تتواجد في السودان، ثم تبعهم المئات في شهور تالية، وفي 1990-1991 نُقل ما يقدر بحوالي 14.500 يهودي إثيوبي إلى هناك، ومن 1998 وحتى 2007 استقبلت إسرائيل 31.028 مهاجر إثيوبي مرة أخرى. ووفقًا لتقرير إحصائي صدر عام 2017، فقد قدر عدد اليهود من أصل إثيوبى بحوالي 140 ألف شخص، ما يقارب 2% من إجمالي التعداد السكاني لإسرائيل.
العنصرية الإسرائيلية
تعاني "بيتا إسرائيل" من عنصرية مستمرة يمارسها ضدهم الكيان الصهيوني، إذ يذكر أن لهم معابدًا خاصة بهم ويعملون في أعمال متواضعة، كما يسكنون في مناطق حدودية غير آمنة.
وفي عام 1996، أثير واحد من الجدالات القوية ضد العنصرية بعدما رفضت مؤسسات طبية في الكيان الصهيوني استخدام الدم التي تبرعت به "الفلاشا"، حرصًا على ألا يختلط دمهم بدم هؤلاء الإثيوبيين.
تستمر الممارسات العنصرية إزاء يهود الفلاشا على الرغم من محاولاتهم المستمرة التمرد ضدها؛ ومن أبرز مظاهرها الأخرى أن الأفارقة يخصلون على أجور أقل بـ 35% من الأسر الأخرى، ويسمح بصعوبة للشباب بإتمام دراستهم الثانوية والالتحاق بالجامعة؛ فلا يحصل على شهادة إتمام المرحلة الثانوية سوى 50% من الشباب الإثيوبي.