«الدستور» تنشر أسرار إطلاق وإغلاق قناة «التنوير»
«حدائق هذا الزمان» أول برامجها.. ومثقفون اتهموها بتقديم محتوى ضعيف
شهد تاريخ التليفزيون المصرى محطات تطوير عديدة، منها تجارب صاحبها التوفيق وأخرى لم تُكلل بالنجاح، ومن أبرزها تجربة قناة «التنوير» التى أطلقها ماسبيرو فى فبراير عام ١٩٩٩.
انطلقت القناة فى البداية تحت شعار «نحن نبدأ من المسكوت عنه»، ضمن خطة تطوير جديدة تنفذ بتوجيهات من وزير الإعلام، آنذاك، صفوت الشريف، وتزامن ذلك مع تساؤلات عديدة حول ما يمكن أن تقدمه القناة من ناحية الاختلاف أو التشابه مع المحتوى الإعلامى الذى تقدمه قناة النيل الثقافية.
ونشرت جريدة «الجمهورية» فى ٢٢ فبراير من نفس العام تصريحات لـ«الشريف» يقول فيها إن قناة «التنوير» ستقدم حوار الحضارات والثقافات، بجانب تخصيص ٥ ساعات تتضمن تلاوة القرآن الكريم وتفسيره، إضافة للحديث النبوى وصحيح الإسلام، كما ستقدم الدراما والغناء والمسابقات الثقافية المتميزة والأدعية الدينية والمسلسلات الاجتماعية التى تعمق القيم، على حد وصفه.
وجاء اختلاف محتوى قناة «التنوير» عن «الثقافية» فى أن الثانية تهتم فقط بتقديم الفنون والآداب والباليه والمسرح والسينما وجميع الإبداعات والفنون الشعبية والموسوعات الثقافية، من خلال محتوى إعلامى يشرف عليه مستشارون من خارج «ماسبيرو»، وتقرر إطلاق القناة على القمر الصناعى «نايل سات ١٠١» وتنقل إلى «النايل سات ١٠٢».
وبدأ البث التجريبى للقناة لمدة ساعتين فى البداية، ثم امتد إلى ٣ ساعات فى ٢٩ يوليو لعام ٢٠٠١، وحسب تصريحات الشاعر ماجد يوسف، الذى تولى رئاسة القناة حينها، فإن القناة اهتمت من البداية بالأسرة المصرية وتطويرها، بجانب الدين والمعرفة الإنسانية، وقال: «الإنتاج الدينى لم يتعد الـ٢٥٪ والباقى غناء ودراما وبرامج ثقافية متنوعة».
وبدأت القناة فى تصوير أول برامجها باسم «حدائق عبر الزمان» تناول تاريخ إنشاء أهم الحدائق الشهيرة على مستوى الجمهورية ونوع النباتات فيها، كما تم تصوير برنامج «كمبيوتر ٢٠٠٠» الذى يعرض طرق استخدام الحاسوب.
واعتمد ماجد يوسف على كوادر من الشباب من خريجى كليات الإعلام، مع إسناد البرامج الأساسية للإعلاميين سمير والى وأسامة أبوطالب وأشرف السركى، وقدم بنفسه برنامج «حوار التنوير»، بجانب برنامج شعرى «من أشعاره»، وشاركته فى التعليق الإذاعية حكمت الشربينى.
لم يعجب المحتوى والمضمون الإعلامى الذى أعلن عنه ليقدم على شاشة قناة «التنوير» بعض المثقفين، وأثار داخلهم تخوفات من أن تتحول القناة إلى منصة دينية أصولية متشددة، مطالبين بإعلان وثيقة تحدد أهداف القناة وأولوياتها والكوادر العاملين فيها، ثم توزع هذه الوثيقة على المثقفين ليجرى حوار عام حولها.
وتواصلت جريدة «القاهرة» عام ٢٠٠١ مع الأصوات المعارضة للقناة، وصرّح المفكر اليسارى محمود أمين العالم بأنه ضد تكوين القناة من الأساس، لأن التنوير على حد وصفه «قيمة عليا، يجب أن يشمل جميع القنوات التليفزيونية وليس قناة خاصة بمفردها».
وكان للفنان محمد نوح رأى آخر، حيث اتفق مع فكرة القناة، لكنه طالب القائمين عليها بضرورة محاربة الخرافة، وإعادة فهم الأصالة والمعاصرة، وضرورة الاهتمام بمصر وحضارتها المصرية القديمة.
رئيس القناة ماجد يوسف لم يتفق مع الآراء التى طرحها المثقفون، ووصفها بالسوداوية، وقال: «معظم مثقفينا يتصفون بالشيزوفرينيا والسلبية الحادة، دائمًا ما يعترضون وينتقدون بشكل مسبق ولا يرون إلا الجانب السلبى»، داعيًا إياهم إلى تقديم أفكار ومقترحات لتطوير القناة بدلًا من تضييع الوقت والاجتهاد فى الهجوم، حسب تصريحاته.
ورفض «يوسف» اتهام القناة بأنها تقدم محتوى لا علاقة له بالتنوير من الأساس، خاصة فيما أثير حول إحدى الحلقات التى تناولت محتوى حول شارع محمد على ودوره منذ بدايات القرن فى تخريج الفنانين، قائلًا إنه لا يرفض النقد، لكن لا بد أن يخرج عن السطحية.
وبعيدًا عن الانتقادات التى تناولت برامج القناة، واجه «يوسف» اتهامًا بأنه قد هبط على القناة بالبراشوت، ولا يمتلك الكفاءة الكافية لقيادتها، لكنه رد عن نفسه فى حواره مع جريدة «العربى»، فى ٢٠٠٤، بأن تاريخه يؤهله لذلك، خاصة أنه بدأ حياته صحفيًا فى الهيئة العامة للاستعلامات، ثم محررًا ثقافيًا وفنيًا بمجلة الإذاعة والتليفزيون، ثم الأمانة العامة باتحاد الإذاعة والتليفزيون، إلى أن وصل لرئاسة قناة «التنوير»، واعتمد فى بقية البرامج على أرشيف التليفزيون المصرى.
واجهت قناة «التنوير» عدة معوقات وأزمات، بعيدًا عن الانتقادات التى واجهتها من المثقفين، حيث قال ماجد يوسف لجريدة «الميدان»، عام ٢٠٠٦، إنه يجد صعوبة فى تسجيل البرامج لتقديمها على شاشة القناة، خاصة أنه لا تتوافر لديه سوى كاميرا واحدة مخصصة للتصوير الخارجى.
كما اشتكى بأن القناة لا تحصل على ساعات المونتاج المقررة لها شهريًا وهى بمقدار ١٨٥٠ ساعة، إذ يتاح لها ١٤٠٠ ساعة فقط، وهو ما يعطلها عن الانتهاء من مونتاج البرامج المصورة.
وكانت ميزانية قناة «التنوير» هى الأقل فى القطاع، إضافة إلى أنها تبث أرضيًا على القمر الصناعى المصرى «نايل سات»، وهو ما عطل تنفيذ الأربعين برنامجًا خطة القناة منذ انطلاقها.
واستمرت القناة فى عرض برامجها لمدة ٧ سنوات، إلى أن جاء شهر رمضان عام ٢٠٠٨، وينقطع الإرسال الخاص بها وتحل بدلًا منها قناة «نايل سينما»، ويحال ماجد يوسف للمعاش، ويكتب الإعلامى مفيد فوزى مقالًا بجريدة «الأهرام» ٢٠٠٨، ويعلق بسخرية: «هوه إحنا ناقصين سينما، هو فيه حاجة طاغية قد السينما وأفلام السينما ونجوم السينما، عيب أن تقفل قناة التنوير ومصر تحتاج للتنوير، هل كانت قيمة التنوير إلى هذا الحد، وتكون مجرد شىء ملحق بالثقافية؟».
دافع ماجد يوسف عن نفسه ضد الانتقادات الموجهة إليه أو ما وصفه بمحاولة تشويهه، وكتب مقالًا فى جريدة «صوت الأمة»، عام ٢٠٠٨، قائلًا إن العاملين بالقناة لحقهم ما لحق به من تشويه وتدمير، فقد تم إيقافهم عن العمل رغم وعد من رئيس قطاع التليفزيون بأنه لن يضار أحد منهم، وأن القناة ستُضم بساعات إرسالها وبرامجها للقناة الثقافية، وهو ما يضمن بقاء المعدين والمخرجين والمذيعين، لكن تم الاستيلاء على مكاتب القناة.
وأضاف: «لم يعد للقناة مأوى، ولا للعاملين مكان، ولا عمل ولا هوية ولا دور، وهذا بقرار من أسامة الشيخ نسبه للوزير الذى حاولت مقابلته مرتين متتاليتين قبل خروجى، ولم أتمكن من ذلك، ومكتبه يشهد على هذا الكلام».
وروى «يوسف» واقعة كان طرفها «الشيخ» والفنان لطفى بوشناق، إذ اتفقا على لقاء يعرضه «بوشناق» يقدم خلاله أغنيات وطنية ورمضانية، تم إنتاجها وإذاعتها، لكنهما لم يتقاضيا أى حقوق مادية عن هذه الأغانى، فى ظل تقاضى المنتجين والفنيين والمصورين جميع حقوقهم عن هذه الكليبات.
ورفض «يوسف» الفلسفة التى تم اتباعها لإغلاق القناة، وهى على حد قوله تتلخص فى أن «أسامة الشيخ اكتفى بوجود قناة ثقافية واحدة بعيدًا عن الازدواجية والتكرار».
وأجرت جريدة «الشروق» التونسية عام ٢٠١١ حوارًا مع ماجد يوسف كشف فيه عن أسباب إغلاق القناة، وأرجع الأمر إلى «سوء فهم الثقافة فى العالم العربى».
وقال: «أسسنا القناة من الصفر، واستمرت فى العمل، وكنا حريصين على تقديم جهود ثقافية لافتة، وأجرينا حوارات واسعة مع مثقفين فى العالم العربى، لكن هذه الحرية والجرأة لم تكن مقبولة فى طرح المشاكل الحقيقية، لم تكن مقبولة إلى حد أن خرجت من الوظيفة لبلوغ سن التقاعد، وأغلقوا القناة بعد خروجى بخمسة عشر يومًا».