«عناقيد النور».. كيف واجه دعاة التنوير والإصلاح أزماتهم؟
لطالما كان التنويريون والعلماء وأصحاب الدعوات التى تحمل أفكارًا إصلاحية، فى كل زمان ومكان، عُرضة للأزمات والمواجهات العاصفة والمعارضة الشرسة، لما تحمله أفكارهم من تطلعات ورؤى مختلفة تدعو إلى تطوير المجتمعات وتجديد المعاملات والمناهج والأعراف، سواء المتعلقة بالدين أو اللون أو العرق والجنسية.
والباحث المدقق فى تاريخ رموز العلم والإصلاح حول العالم سيعاين كيف تعرض هؤلاء لمحن وتجارب قاسية، لدرجة أن بعضهم فقد حياته والآخر تعرض للسجن وغيره من البلاءات، ولنا فى سير جاليليو وداروين والحلاج والسهروردى وابن المقفع ومارتن لوثر كينج وقاسم أمين، وغيرهم، عبرة ومثال على التضحية فى سبيل الأفكار النبيلة.
كيف واجه دعاة التنوير والإصلاح أزماتهم؟
فى السطور التالية تفتح «الدستور» ملف هؤلاء المجددين الذين أثروا تاريخنا وحياتنا بمعارفهم للتعرف على تجاربهم فى هذا السياق.
على عبدالرازق
فى العام ١٩٢٥ نشر الشيخ على عبدالرازق كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم»، يطرح فيه أفكاره بشأن نظام الخلافة، ويؤكد فيه أن الإسلام دين روحى بعيدًا عما طرحه المسلمون من شكل الدولة السياسى.
دخل «عبدالرازق» فى أزمة كبيرة مع مشايخ الأزهر بسبب الكتاب وأفكاره، وهو ما ترتب عليه إصدار بيان من مشايخ هيئة كبار العلماء فى مصر، وقّع عليه ٢٤ عالمًا، وضحوا فيه نقاط الخلاف والمآخذ.
كما ارتأى بعض المشايخ ضرورة عزل «عبدالرازق» من منصبه كقاضٍ شرعى، امتثالًا لحكم تأديبى أصدرته هيئة كبار العلماء عام ١٩٢٥، فيما ذهب بعض العلماء للرد على ما جاء فى الكتاب، إذ كتب محمد الخضر كتاب «نقض الإسلام وأصول الحكم».
وفى الأوساط السياسية، هاجم الزعيم سعد زغلول «عبدالرازق»، وقال فى حديث عن الكتاب: «قرأت كثيرًا للمستشرقين ولسواهم، فما وجدت ممن طعن منهم فى الإسلام حدة كهذه الحدة فى التعبير، على نحو ما كتب الشيخ على عبدالرازق، لقد عرفت أنه جاهل بقواعد دينه، وإلا كيف يدّعى أن الإسلام ليس مدنيًا ولا هو بنظام يصلح للحكم، ألم يدرس شيئًا من هذا فى الأزهر؟ أو لم يقرأ أن أممًا كثيرة حكمت بقواعد الإسلام فقط عهودًا طويلة كانت أنضر العصور».
طه حسين
بدأت محنة عميد الأدب العربى طه حسين بعدما ألّف كتابه الشهير «فى الشعر الجاهلى» الذى ضم أفكارًا مختلفة حول التراث العربى والإسلامى، وأثار جدلًا واسعًا بين أوساط المثقفين والمؤسسة الدينية، وتطور الأمر إلى التحقيق مع الأديب الكبير.
وتقدم طالب بالقسم العالى بالأزهر، يدعى الشيخ خليل حسنين، فى مايو ١٩٢٦، ببلاغ للنائب العمومى يتهم فيه الدكتور طه حسين بأنه «ألّف كتابًا يحتوى على طعن صريح فى القرآن الكريم»، حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوى الكريم إلى آخر ما ذكره فى بلاغه.
ويروى الكاتب جمال الغيطانى كواليس التحقيق مع طه حسين فى مقال له بجريدة «الأسبوع» عام ٢٠٠٠، حيث قال إنه بتاريخ ٥ يونيو عام ١٩٢٦ أرسل شيخ الأزهر للنائب العمومى خطابًا يضم تقريرًا رفعه علماء الجامع الأزهر عن الكتاب. وذكر التقرير أن المؤلف «يُكذّب القرآن صراحة، ويضم طعنًا على النبى، صلى الله عليه وسلم، وعلى نسبه الشريف، وأهاج بذلك ثائرة المتدينين وأتى فيه بما يخل بالنظم العامة ويدعو الناس للفوضى».
وطلب شيخ الأزهر «اتخاذ الوسائل القانونية الفعالة الناجعة ضد هذا الطعن على دين الدولة الرسمى، وتقديم طه حسين للمحاكمة، وأرفق بالبلاغ صورة من تقرير العلماء». وفى ١٤ سبتمبر عام ١٩٢٦، تقدم عبدالحميد البنان، عضو مجلس النواب، ببلاغ ذكر فيه أن «طه حسين نشر ووزع وعرض للبيع فى المحافل والمحلات العمومية كتابًا طعن فيه وتعدى على الدين الإسلامى، وهو دين الدولة، بعبارات صريحة واردة به، سنبينها فى التحقيقات».
وبدأت النيابة فى ٣٠ مارس عام ١٩٢٧ التحقيقات مع الأديب الكبير، التى امتدت فترة طويلة، وفى نهايتها أصدرت النيابة تقريرًا ذكرت فيه: «إن غرض المؤلف لم يكن الطعن والتعدى على الدين، وإن العبارات الماسة بالدين وردت فى سبيل البحث العلمى مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، ومن ذلك يكون القصد الجنائى غير متوفر، فلذلك تحفظ الأوراق إداريًا».
حلمى سالم
واجه الشاعر حلمى سالم محنة مشابهة بسبب قصيدة شعرية نشرها عام ٢٠٠٧، تحمل اسم «شرفة ليلى مراد»، وضمن عبارات مجازية حاول بعض المتشدقين تأويلها على أنها طعن فى الذات الإلهية.
ورفع داعية إسلامى، يدعى يوسف البدرى، قضية أمام محكمة القضاء الإدارى يطالب فيها بوقف تنفيذ قرار المجلس الأعلى للثقافة بمنح الشاعر حلمى سالم «جائزة الدولة للتفوق» عن عام ٢٠٠٧.
واختصم يوسف البدرى فى الدعوى وزير الثقافة، آنذاك، فاروق حسنى، ورئيس المجلس الأعلى للثقافة الدكتور جابر عصفور، قائلًا إنه فوجئ بنشر قصيدة للشاعر بمجلة «إبداع» بعددها الأول فى إصدار شتاء ٢٠٠٧، تضمنت، على حد دعواه، بعض مقاطع شعرية بها تعدٍ على الذات الإلهية وتصوير للإله بأنه «عبد مأمور هو والأنبياء يستدعيهم بأسلوب يخلو من الأدب لحراسته خشية أن يعتدى أحد على الجنة بشهوته».
نصرأبوزيد
فى عام ١٩٩٦، أيدت محكمة النقض حكم محكمة الاستئناف بالتفريق بين الدكتور نصر حامد أبوزيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس، بدعوى أنه «مرتد عن الإسلام».
حينها، صرّح الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر، لجريدة «الأحرار»، بأن ٧ من كبار القضاة تداولوا القضية وكتبوا حيثياتها، وأنه «لا يجوز له أو لغيره التعقيب على أحكام القضاء.. والأزهر ليس له- أيضًا- أن يعقب على حكم محكمة النقض.. هى أرقى محكمة».
فى المقابل، نشر «أبوزيد» بيانًا فى جريدة «روزاليوسف»، يونيو ١٩٩٥، بعنوان «الحقيقة أو الشهادة»، شرح فيه ما تعرض له من قتل للأفكار: «سعوا حثيثًا لقتلى بدلًا من مناقشة الأفكار والجدال معى بأساليب البرهان العقلى الرشيد.. لقد سمحوا لأنفسهم باتهامى بالردة والزيغ عن الإسلام، وطالبوا بالتفريق بينى وبين زوجتى».
فرج فودة
أُقيمت مناظرة بين الدكتور فرج فودة والإخوانى السابق محمد الغزالى ومحمد عمارة ومحمد أحمد خلف الله والإخوانى مأمون الهضيبى، ضمن فعاليات «معرض القاهرة الدولى للكتاب»، عام ١٩٩٢، وبعدها كفّر «الغزالى» الدكتور فرج فودة، ثم صدرت فتوى من جماعة «الجهاد» تصفه بالمرتد وتوجب قتله.
وفى يونيو ١٩٩٢، قُتل فرج فودة رميًا بالرصاص، وأُصيب صديقه، خلال خروجهما من «الجمعية المصرية للتنوير»، مقر مكتب «فودة»، واعترف أحد المتهمين بأنه قتل المفكر الكبير استنادًا إلى فتوى الإرهابى عمر عبدالرحمن.
حاول الأطباء علاج «فودة» لمدة ٦ ساعات، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
قد يهمك أيضا:
«احمي صحتك».. رابط موقع وزارة الصحة والسكان تسجيل لقاح كورونا 2021