هل ينجح لبنان في استعادة أرضه.. خبراء وسياسون يجيبون
في تصعيد خطير، منعت قوات الاحتلال المواطنين اللبنانيين من العودة إلى قراهم في الجنوب اللبناني في خطوة تُعد انتهاكًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين بيروت وتل أبيب، والذي نص على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال مهلة 60 يومًا.
وشهدت الساعات الأخيرة تصعيدًا ميدانيًا كبيرًا، حيث نفذت قوات الاحتلال هجمات مكثفة على القرى الحدودية ما أسفر عن مقتل 22 شخصًا بينهم نساء وعناصر من الجيش اللبناني، إضافة إلى إصابة أكثر من 80 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
وأفادت تقارير محلية بأن الاعتداءات الإسرائيلية لم تقتصر على المناطق الحدودية فقط، بل استهدفت تجمعات مدنية كانت تنتظر العودة إلى القرى والبلدات المحاصرة.
الأمم المتحدة تحذر من استمرار الاحتلال
في ظل استمرار تواجد القوات الإسرائيلية في المنطقة الجنوبية، أصدرت الأمم المتحدة بيانًا مشتركًا للمنسقة الخاصة في لبنان ورئيس بعثة "اليونيفيل"، قالت فيه:"كما رأينا بشكل مأساوي، الظروف ليست مهيأة بعد لعودة آمنة للسكان إلى قراهم الواقعة على طول الخط الأزرق".
وشهدت الطرق المؤدية إلى العديد من البلدات الحدودية في جنوب لبنان ازدحامًا شديدًا، حيث توجه الأهالي للمناطق المحيطة بقراهم، رغم التحذيرات التي أطلقتها قوات الاحتلال لسكان بعض القرى من العودة. وفي الوقت نفسه، عزز الجيش اللبناني من انتشاره في مناطق الجنوب.
ومع فجر الأحد، انتهت المهلة المحددة بـ 60 يومًا لانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، والتي كانت جزءًا من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في 27 نوفمبر.
ومع تصاعد الأحداث، يبقى السؤال الأهم: كيف ستتفاعل الأطراف المعنية مع هذا التصعيد، وهل سيتم تطبيق الاتفاقات الدولية بشكل فعلي، أم سيستمر الاحتلال الإسرائيلي في تجاهل حقوق الشعب اللبناني؟
إشادة بدور الجيش اللبناني
من جانبها، أشادت النائبة د.نجاة عون صليبا، عضو مجلس النواب اللبناني، بالدور الوطني الذي لعبه الجيش اللبناني في حماية عودة الأهالي إلى قراهم في الجنوب، مشيرة إلى أن الجيش تصدى بحزم لأي تجاوزات متهورة حاول البعض استغلالها لفرض واقع مرفوض تجاوزه الزمن.
وقالت صليبا لـ"الدستور:"المجد لشهدائنا والتحية للجيش اللبناني الذي أثبت جهوزيته العالية وعقيدته الوطنية الراسخة، التي لا تهتز أمام أي تحديات."
وأكدت صليبا أن "الجيش هو المؤسسة الشرعية الوحيدة المخولة بحماية الأرض والشعب في الجنوب،" مشددة على أن أي محاولات يائسة لتقويض منطق الدولة ستعود بالسلب على جميع اللبنانيين، وليس فقط على أبناء الجنوب.
واختتمت تصريحها بالتأكيد على أن "الالتفاف حول العهد والجيش هو السبيل الوحيد لاحترام التزامات لبنان الدولية، واستعادة أرضنا وسيادتنا بشكل كامل".
خليل القاضي: الأرض لنا والعودة حقٌ لا يُنتزع
من جانبه، أكد المحلل السياسي اللبناني خليل القاضي، أن محاولات العدو الإسرائيلي لمنع أهالي الجنوب اللبناني من العودة إلى أراضيهم باءت بالفشل، مشيرًا إلى أن العودة العفوية للسكان منذ الساعات الأولى للصباح كانت تعبيرًا واضحًا عن إرادة لا تُقهر.
وقال القاضي لـ"الدستور": "العدو الإسرائيلي اضطر للتعامل مع دخول المواطنين إلى قراهم وبيوتهم بإطلاق النار، مما أسفر عن سقوط 15 شهيدًا بينهم سيدة وعسكري في الجيش اللبناني، إضافة إلى عدد من الجرحى".
أضاف القاضي أن ما حدث اليوم هو "دليل قاطع على أن شعب الجنوب لا يمكن لأي قوة أن تمنعه من العودة إلى أرضه، وأن الاحتلال المؤقت أظهر من جديد أنه لا يحترم المواثيق الدولية ولا الاتفاقات التي يوقع عليها".
وأشار إلى أن المشهد الجنوبي يذكّر الجميع بتحرير 2000، مؤكدًا أن "الأرض لنا ولا وجود للمحتل فيها. على الكيان المؤقت أن يفهم هذه المعادلة جيدًا".
التزام الدولة اللبنانية
كما أشاد القاضي بالتزام الدولة اللبنانية والمقاومة باتفاق وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن الجانب اللبناني لم ينتهك الاتفاق، في حين أن الاحتلال ارتكب أكثر من ألف خرق خلال الأيام الماضية.
واختتم تصريحه بالتأكيد على دعم رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، لحق الشعب اللبناني في العودة إلى أرضه ومقاومة الاحتلال بكل الوسائل الدبلوماسية والعسكرية، مشددًا على أن "العودة اليوم هي رسالة وطنية تؤكد وحدة الشعب اللبناني أمام الاحتلال".
جورج شاهين: الصدامات في جنوب لبنان والتزام إسرائيل بالاتفاق
قال المحلل السياسي اللبناني جورج شاهين إن الصدامات بين جيش الاحتلال والأهالي كانت متوقعة بسبب عدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بالمهلة المحددة للانسحاب من القرى الجنوبية، والتي انتهت اليوم.
وأضاف شاهين أن "الجيش الإسرائيلي لم يلتزم بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر 2024، مما أدى إلى تصعيد الوضع ميدانيًا".
خرق إسرائيل للاتفاق: عدم الالتزام بالتفاهمات الدولية
وقال شاهين "إن عدم التزام إسرائيل بالمهلة المحددة يعد خرقًا صارخًا للاتفاق الذي كان نتيجة رعاية أمريكية فرنسية مشتركة، وهو ما يوضح مجددًا أن إسرائيل لا تلتزم بالوعود والاتفاقات".
كما اعفى شاهين الحكومة اللبنانية من مسؤوليتها لأنها لم تكن طرفًا مباشرًا في الاتفاق، مؤكدًا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو من أبرم الاتفاق نيابة عن حركة أمل وحزب الله، وهو ما يفتح الباب للتساؤلات حول التزامات الحكومة اللبنانية حيال تنفيذ هذا التفاهم.
التصرفات الإسرائيلية في القرى المحتلة: انتهاك للحقوق
أضاف: "الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في القرى المحتلة، بما في ذلك تفجير المنازل والأنفاق بحجة العثور على أسلحة، تعكس عدم احترامها للمجتمع الدولي وحقوق الشعب اللبناني".
ووجه انتقادات لعدم وجود موقف حازم من الأمم المتحدة واللجنة المعنية بالإشراف على تنفيذ الاتفاق التي لم تتخذ أي خطوات ملموسة ضد التصرفات الإسرائيلية.
كما أشار شاهين إلى أن ربط إسرائيل تنفيذ الاتفاق بملف غزة هو تلاعب سياسي يستهدف حماية حكومة نتنياهو من السقوط، ويعكس تراجع إسرائيل عن التزاماتها في الجنوب اللبناني.
عرقلة الاتفاق
من جانبه، أكد الكاتب الصحفي اللبناني فادي عاكوم أن عدم الانسحاب الكامل أو عدم التطبيق الكامل للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان كان أمرًا متوقعًا، مضيفًا أن هناك على ما يبدو نقاطًا سرية تضمنها اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى بين جيش الاحتلال من جهة، ونبيه بري وحزب الله والدولة اللبنانية من جهة أخرى.
وقال عاكوم، لـ"الدستور"، إن إسرائيل طلبت تمديد وجودها في بعض المناطق لمدة ثلاثين يومًا، لاستكمال عملياتها المتمثلة أولًا في تنظيف منطقة جنوب الليطاني بشكل كامل، بما يشمل إزالة أي بنية تحتية أو شبهات لوجود أنفاق أو مخازن أسلحة وصواريخ.
وتابع "تسعى إسرائيل لمراقبة ما إذا كان حزب الله سيعود إلى منطقة جنوب الليطاني من خلال التسلل بين المدنيين"، مشيرًا إلى أن الوضع على الأرض يظهر صعوبة عودة المدنيين إلى منطقة جنوب الليطاني، كونها تعرضت لدمار شامل جعلها منطقة مدمرة بالكامل وغير قابلة للسكن أو الزراعة أو أي نشاط آخر.