الناشطة السورية كندة الناصر: نرفض تكرار تجربة حكم الفصيل الواحد
قالت عضو الحركة السياسية السورية النسوية، كندة الناصر، إن مخاوف السوريات من النظام الجديد نابعة من التجربة المؤلمة مع النظام السابق، التى دفعت السوريين إلى الحذر تجاه أى مسئول أو حكومة جديدة، وهو أمر صحى وضرورى للفترة المقبلة.
وأضافت، فى حوارها مع «الدستور»، أن السوريين لا يرغبون فى تكرار تجربة حكم فصيل واحد وحزب واحد أو سيطرة رأى واحد، حيث يجب أن تكون سوريا دولة لجميع مواطنيها بمختلف انتماءاتهم.
وطالبت بحوار وطنى شامل يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية السورية، بما فى ذلك النساء، والشباب، والمجتمع المدنى، وجميع مكونات المجتمع السورى، من أجل التوصل إلى توافق وطنى حول مستقبل البلاد ورسم مسار واضح للانتقال السياسى، من خلال حكومة مؤقتة ولجنة دستورية.
■ بداية.. ماذا عن مطالب الحركة السياسية السورية النسوية؟
- نطالب بالحرية والعدالة والكرامة لكل مواطنة ومواطن فى سوريا، ونسعى للدفاع عن حقوق النساء فى البلاد، مع التأكيد على أهمية تمكين المرأة وضمان مشاركتها الفاعلة فى جميع مجالات الحياة ومواقع صنع القرار.
رؤيتنا لسوريا المستقبل تعتمد على تحقيق مشاركة عادلة ومتوازنة بين النساء والرجال، ليست قائمة على التنافس، بل على التكامل والاستفادة من خبرات النساء فى دعم عملية الانتقال السياسى المقبلة.
■ هناك مخاوف من أن تتجه الإدارة الحالية نحو التطرف.. إلى أى مدى تعتبرين هذه المخاوف جدية؟
- من المهم التأكيد على أن حكومة الشرع الحالية هى حكومة لتسيير الأعمال فقط، وأهم هذه الأعمال تحقيق الأمن وجمع السلاح، الآن هى لا تمتلك صلاحيات تغيير الدستور أو سن القوانين أو فرض أى نوع من أنماط الإدارة.
ودورها يقتصر على إدارة الأمور اليومية وتحسين الظروف المعيشية للسوريين، مثل ملاحقة مجرمى «الأسد» وإعادة تشغيل المؤسسات بكوادرها، وتسهيل الإجراءات كإصدار جوازات السفر برسوم معقولة، وتنظيم المرور من خلال شرطة متخصصة، وتقديم التصريحات الإدارية اللازمة لعمل المنظمات، وهذه التصرفات تتماشى مع طبيعة حكومة تسيير الأعمال، لكنها تظل خطوات مرحلية وليست بديلًا عن الحلول السياسية بعيدة المدى.
وفى هذه المرحلة، تبرز أهمية إطلاق حوار وطنى شامل يضم جميع السوريين من مختلف الخلفيات والخبرات والمكونات الاجتماعية، والهدف من هذا الحوار هو الوصول إلى صيغة توافقية لحكومة مؤقتة ولجنة لصياغة الدستور تعمل على إعداد دستور جديد وإطار قانونى حديث للبلاد.
أما المخاوف، فهى مشروعة ومتوقعة مع أى شكل حكومى قادم لسوريا، والتجربة المؤلمة مع تطرف نظام الأسد دفعت السوريين إلى الحذر والنقد تجاه أى مسئول أو حكومة جديدة، وهو أمر صحى وضرورى للفترة المقبلة.
نحن- السوريين والسوريات- لا نرغب فى تكرار تجربة حكم فصيل واحد، وحزب واحد، أو رأى واحد، سوريا يجب أن تكون دولة لجميع مواطنيها بمختلف انتماءاتهم.
هذه المخاوف تعكس تطلعاتنا لتحقيق دولة ديمقراطية تعددية قائمة على أسس المواطنة المتساوية، تضمن حقوق الجميع دون تمييز على أساس الجنس، والعرق، والدين، والطائفة، والمنطقة، أو أى معيار آخر. ودولة القانون التى تساوى بين رجالها ونسائها دون أى تمييز، تحت ضمانة دستور عادل وشامل.
■ كيف يمكن ضمان انتقال سلمى للسلطة فى سوريا؟
- ينبغى أن يبدأ بحوار وطنى شامل يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية السورية، بمن فى ذلك النساء، والشباب، والمجتمع المدنى، وجميع مكونات المجتمع السورى.
ومن الضرورى وضع آليات فعالة للعدالة الانتقالية، تضمن محاسبة مرتكبى الانتهاكات، وتعويض الضحايا، وجبر الضرر، وبناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
وتحقيق المصالحة الوطنية يعتمد على مواجهة الماضى بشفافية وعدالة، مع العمل الجاد على محاسبة المجرمين فى أسرع وقت ممكن. وهذا المسار ضرورى لتجنب حالات الفوضى والإجرام والانتقام الفردى، ويكون تفادى الفوضى وتعزيز الاستقرار بتقوية المؤسسات الأمنية والقضائية لتكون ضامنة لحماية حقوق الإنسان ومنع أى أعمال انتقامية أو اضطرابات تعرقل عملية الانتقال السلمى.
بالإضافة إلى ذلك، تعد قرارات مجلس الأمن الدولى ذات أهمية كبيرة فى دعم هذا الانتقال، بما فى ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وغيرها من القرارات التى يمكن تعديلها لتتناسب مع السياق السورى الحالى.
وتحقيق أهداف الانتقال السلمى يتطلب دعمًا من المجتمع الدولى والدول الإقليمية بضمان احترام سيادة سوريا ووحدتها وقراراتها السياسية. كما أن هذا الدعم سيكون حاسمًا فى توفير الدعم المتاح لإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
■ كيف يمكن تمكين المرأة وزيادة تمثيلها على المستوى السياسى الرسمى فى سوريا؟
- المشاركة الفاعلة للنساء فى العملية السياسية، وتمكين دورهن وضمان تمثيلهن فى مراكز صنع القرار تُعد حجر الزاوية فى بناء مستقبل سوريا.
ولتحقيق هذا الهدف، يتطلب الأمر تبنى نظام «الكوتة» بنسبة لا تقل عن ٣٠٪ من المقاعد للنساء الفاعلات والخبيرات فى الهيئات السياسية والشأن العام، كخطوة أولى نحو تحقيق المناصفة ٥٠٪ فى المستقبل. ويُعتبر هذا الإجراء أساسيًا لضمان تمثيل عادل ومتوازن للنساء فى مواقع صنع القرار.
إلى جانب ذلك، من المهم العمل على بناء شبكات وتحالفات مع منظمات نسوية ومدنية أخرى، لتعزيز الجهود المشتركة فى دعم قضايا المرأة وزيادة تأثيرها فى الساحة السياسية. وهذه الشبكات تسهم فى تغيير الصور النمطية التى تعوق انخراط النساء فى المجال السياسى، وتعزز حضورهن فى مواقع التأثير والقيادة، ما يدعم مسيرة التغيير نحو مجتمع أكثر شمولية وعدالة.
■ ما نظرتكم لحركة التعديلات التى أقرتها الحكومة الجديدة فى المناهج الدراسية؟
- بعض هذه التعديلات كانت تحمل شيئًا من المنطقية، بينما كان بعضها الآخر غير ملائم وغير ضرورى، خاصةً فى ظل توقيتها الذى جاء من حكومة تسيير الأعمال أو فى منتصف العام الدراسى.
وفى المجمل، المنهج الحالى يتمتع بطابع علمى وأدبى، لكنه بحاجة إلى تطوير وتحديث شامل.
وهذه المهمة يجب أن تُترك للحكومة القادمة، ليتم تعديل المناهج الدراسية بشكل متكامل ومدروس عبر خبراء ومختصين، بما يتناسب مع رؤية سوريا المستقبلية ويخدم تطلعات الأجيال القادمة.
■ كيف يرى الشعب السورى ما حدث من إسقاط نظام الأسد وتولى حكومة جديدة لها جذور فى تنظيم القاعدة؟
- آراء السوريين تتراوح بين السعادة والتفاؤل بالمستقبل والقلق من المجهول، والتفاؤل ينبع من نهاية حقبة نظام قمعى مجرم وظهور حكومة تسيير أعمال سورية دون إراقة المزيد من الدماء، فى المقابل، القلق يتجلى فى المخاوف من مستقبل غامض تحت حكم أى قوى لا تلتزم بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ومع مرور شهر على إسقاط النظام، يعبر السوريون عن فرحتهم بنهاية حقبة مظلمة من حكم الأسد، ويتطلعون إلى بناء حكومة جديدة تلبى تطلعاتهم للحرية والكرامة والعدالة، وتحترم حقوق جميع المواطنين بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم الاجتماعية.
ورغم أن حكومة تسيير الأعمال تنحدر من خلفية تحمل جذورًا متطرفة، إلا أنها اتخذت خطوات إيجابية، مثل حل هيئة تحرير الشام، والعمل على توحيد جميع الفصائل العسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع السورية.
وهذه التحركات تعزز الأمل لدى السوريين، ومع ذلك يظل الشعب يراقب الوضع بعين التفاؤل والحذر، ملتزمًا بنقد أى تجاوزات لضمان بناء سوريا ديمقراطية تقوم على أسس العدالة والمساواة.
■ ما مخاوف الشعب السورى من الحكومة الحالية؟
- المخاوف الحالية للشعب السورى تجاه الحكومة الحالية، وأيضًا أى حكومة مستقبلية، تنبع من التجارب المؤلمة مع نظام «الأسد» البائد، كما يُقال فى المثل الشعبى السورى: «اللى انلدغ من الشوربة بينفخ على الزبادى»، وهذا يعكس حجم الحذر الذى يعانى منه السوريون نتيجة ما مروا به.
وأبرز المخاوف تتمثل فى الآتى: حكومة تسيير الأعمال تشكلت دون مشاورات واسعة تشمل جميع أطياف المعارضة والمجتمع المدنى. ورغم أن المرحلة الحالية قد تبرر هذا الإجراء لضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة، إلا أن محدودية التمثيل السياسى تثير قلقًا مشروعًا حول تطلعات الشعب.
هناك قلق من أن النفوذ العسكرى قد يستمر فى التأثير على العملية السياسية، ما قد يعوق التحول الديمقراطى. وهذه المخاوف لا تقتصر على الحكومة الحالية، بل تشمل المرحلة الانتقالية بأكملها، حيث يسعى الشعب السورى إلى فصل واضح بين المؤسسات العسكرية والسياسية.
والخشية من أن تستمر حكومة تسيير الأعمال لفترة أطول من اللازم دون اتخاذ خطوات عملية نحو إطلاق حوار وطنى شامل، وهذا الحوار ضرورى لتشكيل حكومة مؤقتة تمثل جميع مكونات وأطياف المجتمع السورى.
والمخاوف الأمنية تتمثل فى الآتى: ما زالت فلول النظام السابق موجودة وتعمل على زعزعة الأمن والاستقرار فى المدن السورية، سواء عبر العمليات العسكرية مع فصائل ردع العدوان أو نشر الشائعات والكراهية والطائفية إلكترونيًا، ما يهدد الأمن الوطنى ويزيد من التوتر بين المواطنين.
■ هل يتم التنسيق بين منظمات المجتمع المدنى والحكومة؟ وكيف؟
- الحركة السياسية النسوية السورية هى جسم سياسى وليست مجتمعًا مدنيًا، لكنها فى الوقت ذاته تولى أهمية كبيرة لدعم أنشطة وفعاليات المجتمع المدنى، والعديد من عضوات وأعضاء الحركة يعملن فى منظمات المجتمع المدنى ويمثلن مجتمعاتهن المدنية، ما يجعل التنسيق بين الحركة ومنظمات المجتمع المدنى جزءًا أساسيًا من إدارتها.
وآليات التنسيق والتعاون هى الحوارات مع القوى السياسية السورية، حيث أجرت الحركة حوارات مع القوى السياسية السورية ضمن مسار الحوار السورى- السورى الذى جرى فى عام ٢٠٢٤، وكان الهدف من هذه الحوارات ترسيخ توافقات وطنية حول قضايا مستقبل سوريا، بما يعزز وحدة الصف الوطنى.
ومنذ عام ٢٠١٨، بادرت الحركة بإطلاق مشاورات وطنية تهدف إلى جمع أصوات النساء السوريات من مختلف المناطق، وتمت هذه المشاورات عبر جلسات حوارية مفتوحة، أسفرت عن إعداد أوراق سياساتية تناولت قضايا وطنية من منظور نسوى. ورغم التحديات المتعددة مثل نقص الموارد، وضعف الدعم القانونى الذى يتيح التنسيق مع الجهات الحكومية والمدنية، إلا أن الحركة النسوية تسعى باستمرار لتعزيز علاقتها مع الجهات الحكومية والسلطات المحلية، وتهدف هذه الجهود إلى تحقيق دور فاعل للمواطنات والمواطنين السوريين فى السلام والتنمية. وأكدت الحركة أهمية المشاورات المحلية والمدنية والسياسية فى هذه المرحلة التأسيسية، حيث تسعى إلى تعزيز الحوار وبناء توافقات تسهم فى إعادة بناء سوريا على أسس ديمقراطية وتعددية، مع ضمان تمثيل حقيقى وفعال للنساء فى جميع المجالات.