فى انتظار ترامب.. «استراتيجية الهدوء» تطفئ النار بين العراق وإسرائيل مؤقتًا
يبدو أن دورة التصعيد بين إسرائيل وإيران دخلت مرحلة من التهدئة، مع انتظار الجانبين تقييم الكيفية التى سيتعامل بها الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، مع الشرق الأوسط، عندما يعود إلى البيت الأبيض، فى ٢٠ من يناير الجارى.
وبينما تنشغل إسرائيل بهجماتها على الحوثيين فى اليمن، فإن القيادة الشيعية فى العراق تعمل على كبح جماح الميليشيات شبه العسكرية المدعومة من إيران، لحماية البلاد من أن تصبح ساحة معركة جديدة فى الشرق الأوسط، الأمر الذى أدخل الساحة العراقية فى حالة من الهدوء فى علاقتها مع إسرائيل، وهو ما نلقى الضوء عليه فى السطور المقبلة.
«الحشد الشعبى» توقف ضرباتها وتنسحب من سوريا بعد سنوات من المواجهة
فى الوقت الذى تواصل فيه إسرائيل والحوثيون فى اليمن هجماتهما المتبادلة، فإن جبهة العراق تحافظ على الهدوء منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان قبل نحو شهر.
ورغم أن الحوثى لايزال ملتزمًا بمبدأ «وحدة الساحات»، بمعنى عدم وقف الهجمات دون وقف الحرب مع غزة، فإن الميليشيات الموالية لإيران فى العراق، كما يبدو، لها رأى آخر، بعد أن قررت التوقف مؤقتًا عن استهداف إسرائيل، فى الوقت الذى تواجه فيه الميليشيات ضغوطًا فى الداخل العراقى، بعد سقوط نظام بشار الأسد الموالى لإيران فى سوريا.
وتشكل الميليشيات فى العراق جزءًا من وحدات الحشد الشعبى، وهى مجموعة من الميليشيات المقربة من إيران، والتى تشكلت بعد عام ٢٠١٤ لمحاربة تنظيم «داعش».
ومع ذلك، فإن هذه المجموعات لها جذور أعمق فى العراق والمنطقة، وتشكل جزءًا من «محور المقاومة» الإيرانى، إلى جانب «حزب الله» اللبنانى و«الجهاد الإسلامى» الفلسطينى.
وتشمل هذه المجموعات كتائب «حزب الله» العراقى، و«عصائب أهل الحق» وحركة «النجباء»، وغيرها، وقد قاتل بعضها الولايات المتحدة، كما شارك بعض قادتها فى أنشطة موالية لإيران منذ ثمانينيات القرن العشرين.
وفى عام ٢٠١٨، أصبح العديد من هذه الجماعات ذراعًا شبه عسكرية رسمية للعراق تحت مظلة الحشد الشعبى، ثم حارب بعضها فى سوريا بعد عام ٢٠١٨.
وبعد هجوم «حماس» على إسرائيل فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وشن الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، أصبحت بعض هذه المجموعات أيضًا جزءًا من المقاومة الإسلامية فى العراق، والتى استخدمت الطائرات دون طيار لمهاجمة إسرائيل.
واستخدمت أغلب هذه المجموعات، وفقًا للتقارير المختلفة، منطقة قريبة من القائم فى العراق للانتقال إلى سوريا، بالقرب من منطقة البوكمال، قبل أن تتجه على طول الطريق بجانب الضفة الغربية لنهر الفرات نحو مناطق مثل الميادين ودير الزور، فيما اعتبر «طريقًا سريعًا» للميليشيات الموالية لإيران، والتى امتدت نحو لبنان، إلى أن أدى سقوط نظام الأسد إلى إغلاق هذا الطريق.
ومؤخرًا، كشف عدد من المسئولين العراقيين، فى تقارير لوسائل إعلام مختلفة، عن أن الحكومة العراقية طلبت من تلك المجموعات الابتعاد عن الحدود السورية.
وحسب التقارير، فإن ١١ فصيلًا مسلحًا تتواجد حاليًا فى المنطقة الحدودية العراقية السورية، ويبدو أن بعضها مجموعات كانت فى سوريا وهربت بعد سقوط نظام الأسد.
وفى الإطار نفسه، التقى مسئولون أمنيون عراقيون مؤخرًا بالقيادة السورية الجديدة، ومن الواضح أن التصريحات العراقية وتحركات الميليشيات العراقية العائدة تؤكد حسن نوايا الحكومة العراقية تجاه «سوريا الجديدة».
وفى مقابلة مع وكالة «شفق نيوز» العراقية، قال كاظم البرطوسى، المتحدث بلسان ميليشيا «سيد الشهداء»، إن نشاطات الميليشيات ضد إسرائيل كانت مقترنة بنشاطات «حزب الله» فى لبنان.
وحسب قوله، فإن الميليشيا التى ينتمى إليها هى واحدة من الميليشيات المسلحة التابعة لـ«جبهة الإسناد»، وإنه «عندما تم التوصل إلى وقف إطلاق النار مع (حزب الله) توقفت نشاطات الميليشيات العراقية».
فيما قال سلام الزبيدى، المتحدث باسم ائتلاف النصر الشيعى العراقى، لموقع «صوت أمريكا» الصادر بالإنجليزية، إن «مجموعات مسلحة تشن هجمات من الأراضى العراقية ستعتبر تمردًا على الدولة وستضع العراق فى خطر الاستهداف من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل».
واشنطن تتولى «الميليشيات الشيعية».. وتل أبيب تركز على «الحوثيين»
يرى كثير من المحللين أن العراق يحاول حاليًا موازنة العلاقات المتوترة بين إيران، الجار الأهم الذى يرتبط معه بشراكات دينية وثقافية، والولايات المتحدة، الحليف الذى ساعد العراق فى هزيمة تنظيم «داعش».
ويوضح هؤلاء أن هذه الآلية تفاقمت على مدار السنوات الماضية، فى ظل وجود كل من الميليشيات شبه العسكرية المدعومة من إيران والجيش الأمريكى على الأراضى العراقية، خاصة أنه لا يزال لدى الولايات المتحدة ٢٥٠٠ جندى متمركزين فى العراق، وإن وافقت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن على البدء فى سحبهم خلال عام ٢٠٢٥ مع استكمال العملية بحلول عام ٢٠٢٦.
ويشير المحللون إلى أن سحب القوات الأمريكية طالما كان هدفًا لحلفاء إيران فى العراق، وهو ما أصبح مطلبًا ملحًا مؤخرًا، بسبب دعم الولايات المتحدة لحروب إسرائيل فى غزة ولبنان، لكن فى المقابل، فإن هناك مسئولين عراقيين آخرين يرون أن الوجود الأمريكى يعد واحدًا من أشكال الردع ضد الهجمات الإسرائيلية المحتملة على الأراضى العراقية.
وتؤكد تقارير مختلفة أن الحكومة العراقية وزعماء من الشيعة مارسوا ضغوطًا على الجماعات المسلحة لكى تمتنع عن إطلاق النار، وتتجنب توريط البلاد فى دورة جديدة من الصراع، وهو ما نجح حتى أثناء توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان فى العام الماضى.
وتشير التقارير إلى أن حكومة بغداد نجحت فى إقناع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، والتى تشكل المقاومة الإسلامية فى العراق، بوقف هجماتها على المصالح العسكرية الأمريكية حتى لا تتعرض للانتقام، ولكن منذ غزو إسرائيل للبنان، فقد استأنفت بعض هذه الجماعات هجماتها المحدودة على إسرائيل وهددت باستهداف القوات الأمريكية مرة أخرى، لكن ذلك عاد للتوقف مؤخرًا، مع تصاعد الأحداث فى سوريا.
كما تشير التقارير إلى أن إدارة بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنها قد تواجه هجومًا إسرائيليًا إذا لم تمنع هجومًا إيرانيا من أراضيها، وذلك حسب ما قاله مسئولون أمريكيون لموقع «أكسيوس».
وأشار الموقع الأمريكى إلى أن إدارة بايدن أبلغت رئيس الوزراء العراقى برسالة واضحة، تؤكد أنه يجب ألا يسمح لإيران بشن هجوم على إسرائيل من الأراضى العراقية، وقالت: «إذا لم تفعلوا ذلك فلن نتمكن من منع إسرائيل من ضرب العراق».
ورغم رفض البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية والسفارة العراقية فى واشنطن التعليق على تلك الرسالة، فإن كثيرًا من المحللين يؤكدون أن الولايات المتحدة تحاول حاليًا ردع إيران عن مهاجمة إسرائيل، وتخشى أن يؤدى ذلك إلى تصعيد الحرب الإقليمية، خاصة إذا قامت إيران بضرب إسرائيل من الأراضى العراقية.
ويشير المحللون إلى أن معلومات استخباراتية إسرائيلية وأمريكية حذرت من أن إيران قد تخطط لشن هجوم كبير ضد إسرائيل من الأراضى العراقية، ردًا على الضربة الإسرائيلية لإيران فى ٢٥ أكتوبر الماضى، خاصة بعد أن قامت قوات الحرس الثورى الإيرانى بنقل طائرات دون طيار وصواريخ باليستية إلى الميليشيات الشيعية فى العراق.
من ناحية أخرى، يتوقع كثير من المحللين أن تكون هناك تحركات من قبل الاتحاد الأوروبى، للدفع فى نفس الاتجاه، خاصة أن الدبلوماسيين الأوروبيين يواجهون مقاومة أقل من نظرائهم الأمريكيين فى العراق، ويستطيعون لقاء كل الزعماء السياسيين والدينيين بمن فى ذلك المؤسسة الدينية الشيعية فى النجف، وإقناعهم بالضغط على الميليشيات شبه العسكرية المدعومة من إيران للامتناع عن استخدام العراق كنقطة انطلاق لهجمات جديدة ضد إسرائيل.
فى المقابل، وبالنسبة لإسرائيل، فإنها لم تعتبر العراق جبهة مواجهة رئيسية، وكما يبدو، فإن هناك اتفاقًا ضمنيًا مع واشنطن يحول أن تتولى الولايات المتحدة أمر الميليشيات فى العراق، بينما تهتم إسرئيل بمسألة الحوثيين فى اليمن.
ورغم هدوء جبهة العراق الآن، فإن المسئولين فى إسرائيل يتعاملون مع الأمر بـ«هدوء حذر»، ويرون أن نجاح الضغوط لوقف هجمات الميليشيات الإيرانية فى العراق قد لا يدوم طويلًا، خاصة إذا فشل وقف إطلاق النار فى لبنان، أو إذا كثفت الإدارة الأمريكية المقبلة من إجراءاتها ضد طهران وحلفائها، الأمر الذى قد يؤدى لتحرك الجماعات الشيعية فى العراق ضد إسرائيل مجددًا.