رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السبعينيات بعيون أمريكية «1-2»

استرعى انتباه أغلبنا سرعة توالى الأحداث، وعِظم المتغيرات فى السنوات القليلة الماضية، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وصولًا إلى طوفان الأقصى والحرب على غزة، وتداعى حزب الله، وانهيار نظام الأسد، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، والتوتر الصينى الأمريكى، هذا فضلًا عن المناوشات الإيرانية الإسرائيلية، وهو ما دفع الرئيس المنتخب ترامب بالقول إن العالم على شفا الحرب العالمية الثالثة، وأنه- ترامب- المُخَلِّص المُنتَظَر!

وظن البعض أننا نعيش فترة استثنائية فى التاريخ، جراء هول المتغيرات. وبالفعل نحن نعيش فترة استثنائية، لكنها ليست الأولى، وربما ليست الأخيرة، فيخبرنا التاريخ بأن هناك سنوات استثنائية تتكشف فيها الأحداث، وعوامل التغيير، ويكون ذلك فى الأغلب محصلة توترات مكبوتة سابقة، سرعان ما تنفجر، وتتصاعد الأحداث.

طاف فى ذهنى كل هذه الخواطر وأنا أُعيد مطالعة الكتاب المهم «صورة لمصر: رحلة فى عالم الجماعات الإسلامية المتشددة»، للكاتبة والصحفية الأمريكية المشهورة «مارى آن ويفر»، المتخصصة فى شئون الشرق الأوسط، وعضوة أسرة تحرير المجلة الشهيرة «نيويوركر». وصدر الكتاب فى أصله باللغة الإنجليزية مع العديد من الكتابات المهمة التى صدرت مع مطلع الألفية الجديدة، كما صدرت الترجمة إلى العربية فى عام ٢٠١٣.

من الملاحظات المهمة التى تشير إليها المؤلفة بشدة، مدى أهمية سنوات السبعينيات، وأثرها على التالى من الأحداث، ربما حتى حادث ١١ سبتمبر ٢٠٠١. وفى ذلك تقول مارى آن ويفر: «كنا جميعًا على حدٍ سواء، سواء كنا صحفيين أم دبلوماسيين أم موظفين حكومين.. نميل إلى رسم وتصوير السبعينيات فى الشرق الأوسط على لوحة هائلة الحجم مزخرفة ومطرزة باللون والتصوير الزاهيين».

وتضرب لنا المؤلفة مثلًا واحدًا لسنوات السبعينيات، وهو عام ١٩٧٩ وما حدث فيه، سواء على مستوى الشرق الأوسط، أو على مستوى العالم: «حيث وقَّعت مصر وإسرائيل على معاهدة السلام، واجتاح الاتحاد السوفيتى أفغانستان وقامت الثورة الإسلامية فى إيران، ووثب على خشبة المسرح العالمى الحالمون والاستعراضيون، وجاء الإرهابيون والعدميون والفوضويون والمحتالون». 

وبالفعل عندما نتأمل جليًا ما حدث فى هذا العام، ندرك عِظم ما حدث فى هذا العام وانعكاساته ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، بل على العالم كله؛ إذ أحدثت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية متغيرات مهمة على طبيعة وصيرورة الصراع العربى الإسرائيلى، ربما حتى الآن. كما يرى البعض أن الغزو السوفيتى لأفغانستان كان بمثابة المسمار الأخير فى نعش الاتحاد السوفيتى، وبداية السقوط المدوِّى للكتلة الشرقية كلها، والوصول إلى عالم أحادى القطب. كما كانت الثورة الإيرانية بمثابة الزلزال العظيم الذى هز منطقة الشرق الأوسط كلها، وما زلنا نعيش الآن فى تداعيات هذا الحدث، كما كان بداية للتورط الأمريكى الكبير فى المنطقة، بعد سقوط نظام الشاه الذى كان يلعب لحساب أمريكا دور شرطى المنطقة.

لكن الأهم فى الكتاب هو رصد حال مصر فى السبعينيات، لا سيما أن المؤلفة عاشت فى مصر آنذاك، وكانت لها مصادرها الخاصة للمعلومات، ربما أهمها حسنى مبارك شخصيًا عن طريق زوجته: «كانت اتصالاتى السياسية مع شخصية حكومية تملك القليل من اللمعان الجماهيرى آنذاك، ألا وهو نائب رئيس الجمهورية حسنى مبارك، الذى كانت زوجته السيدة سوزان زميلة لى فى الدراسة».

وسنتابع فى المقال القادم رصد المؤلفة سنوات السبعينيات فى مصر، سنوات التحولات العميقة والأحلام الضائعة.