هل كان جيمى كارتر صديقًا لإسرائيل؟
فى حياة الرؤساء، غالبًا ما تكون هناك قصة تترسخ فى الأذهان، ليس فقط لأنه كان فاعلًا فى فترات حرجة، بل لأنه فعل ما لم يجرؤ أحد على فعله من قبل، والحديث عن جيمى كارتر ربما يقع فى هذا التصنيف. والذى أعاد خبر وفاته عن عمر يناهز ١٠٠ عام تقييم حياته مرة أخرى، فلا يزال هناك من يرى إنه لم يحظ بالتقدير الكافى، وهناك من يرى أنه كانت هناك مبالغة فى تقديره.
مع حقيقة أن السياسة مهنة محصلتها صفر؛ إنها عبارة عن تسجيل النتائج مكتوبة بالأبيض والأسود. إما أن تفوز أو تخسر. فإن كارتر يصعب تصنيفه بهذا المعيار.
فى أحدث استطلاع تم إجراؤه على الجمهور الأمريكى، الذى صدر فى فبراير الماضى، صنف مؤرخو الرئاسة أداء كارتر فى المرتبة الثانية والعشرين بين رؤساء الولايات المتحدة البالغ عددهم ٤٦ رئيسًا، فيما جاء أبراهام لينكولن فى المرتبة الأولى، وجاء دونالد ترامب فى المرتبة الأخيرة.
صعود كارتر للحكم هو قصة ملهمة بلاشك. مزارع فول سودانى متواضع وحاكم جورجيا السابق يتحدى الاحتمالات غير العادية ويفوز بالبيت الأبيض، من خلال مزيج من الفضيلة واللياقة والتطهير السياسى بعد فضيحة ووترجيت، ثم يسافر حول العالم لنشر الخير والسلام والنور، بينما يساعد فى بناء مساكن آمنة وبأسعار معقولة للمحتاجين، ومحاربة آفتى الفقر والمرض على مدى السنوات الأربع التالية، ثم يهزم بشكل كاسح أمام ريجان عام ١٩٨٠.
وقال ليز فرانسيس، الاستراتيجى الديمقراطى من كاليفورنيا الذى عمل فى البيت الأبيض فى عهد كارتر وفى حملتيه الرئاسيتين: «إذا كنت رئيسًا وهُزمت فى الانتخابات لولاية ثانية، فهذا فى نظامنا هو تعريف الفشل».
كان «كارتر» مهتمًا بالشرق الأوسط، ورغبته فى تركيز السياسة الخارجية لرئاسته على سياسات الشرق الأوسط تضمنت بالضرورة موازنة العلاقات مع إسرائيل وجيرانها العرب، وهو ما أدى إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٨، وهى اتفاقية سلام بين الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى السابق مناحيم بيجن التى اعتبرت إنجازًا كبيرًا. وقد أدت الاتفاقية إلى حصول السادات وبيجن على جائزة نوبل للسلام، وتأمين سلام ظل مستقرًا لمدة ٤٦ عامًا.
ومع ذلك، ظل كارتر شخصية مثيرة للجدل فى المجتمع اليهودى الإسرائيلى والأمريكى، وقد تجلى هذا بوضوح فى كتابه الصادر عام ٢٠٠٦ تحت عنوان «فلسطين: السلام وليس الفصل العنصرى»، الذى تعرض لانتقادات شديدة بسبب مقارنته بين إسرائيل وسياسات الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا.
وفى كتابه أعرب كارتر عن رأيه بأن إسرائيل لن تنعم بالسلام إلا إذا وافقت على الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأضاف: «كان أعظم التزام فى حياتى هو محاولة إحلال السلام فى إسرائيل»، وعند صدور الطبعة الجديدة من الكتاب عام ٢٠١٠، أشار كارتر إلى أن عدم رغبة إسرائيل فى الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوسيع المستوطنات فى الضفة الغربية هما العقبة الأساسية أمام السلام فى الشرق الأوسط.
كما أجرى كارتر لقاءات ودية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسى لحركة حماس آنذاك إسماعيل هنية، كما التقى كارتر مسئولى منظمة التحرير الفلسطينية فى مصر فى عام ١٩٨٣ بصفته رئيسًا سابقًا، وهو ما عرضه للمزيد من الانتقادت داخل إسرائيل.
والأهم أن هناك من يرى أن سوء إدارة كارتر هو ما تسبب فى وصول نظام الجمهورية الإسلامية إلى السلطة فى إيران خلال العامين الأخيرين من ولايته كرئيس، ما أدى إلى ظهور قوة إقليمية متنامية تستهدف إسرائيل سياسيًا وعسكريًا عبر المحور الذى تقوده إيران، بما فى ذلك حماس وحزب الله والحوثيون.