فتحى عامر: تطورات الذكاء الاصطناعى تضع البشرية أمام مفترق طرق (حوار)
أسلحة ذاتية التدمير، أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي عرض لها الباحث د. فتحي عامر، خبير الإعلام الرقمي، وعضو لجنة الثقافة الرقمية بالمجلس الأعلى للثقافة، في كتابه الأحدث والصادر عن دار العربي للنشر بعنوان "الروبوتات القاتلة". عن التهديدات التي تواجه البشر إثر ثورة الذكاء الاصطناعي المطردة كل يوم والتشريعات القانونية والأخلاقية وغيرها كان لـ "الدستور" هذا اللقاء.
◄مع التفوق تحديثات وأبحاث الذكاء الاصطناعي هل البشرية مهددة بالفناء أو علي أقل تقدير مخاطر مشابهة للأسلحة النووية؟
لا أعتقد أن البشرية مهددة بالفناء في كل الأحوال في المستقبل القريب أو البعيد، لكن الاحتمالات جميعها في المستقبل تشير إلى تسيد الآلة بشكل كبير، وربما تفوقها على العقل البشري في ظل تطور برمجيات الذكاء الاصطناعي، بحيث يتداخل في كل المجالات الحياتية، فتزيد نسبة الاعتماد الكلي عليه وتظهر وظائف جديدة وتختفي وظائف ومهن موجودة بالفعل، ولا أعتقد أن ظهور ثورة الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يحدث فناء للبشرية أو نهاية العالم، وبقاء الروبوتات وحدها على قيد الحياة، وهذه خرافات وتنبؤات غير حقيقية؛ لأن الإنسان هو أساس إعمار الكون، وكما قال الله في القرآن الكريم "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله".
◄حدثنا عن أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة.. وإلى أي مدى يتعارض الأمن القومي للدول مع نشر تكنولوجيا المعلومات وما دلائله؟
تسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب، من خلال تعزيز عمليات المراقبة والتحليل للبيانات وتوفير أدوات استباقية للتعامل مع التهديدات. فقد يعتمد الذكاء الاصطناعي على تقنيات تحليل البيانات الكبيرة للربط بين مختلف المصادر والتوصل إلى أنماط وسلوكيات مشبوهة، ويتمكن من تحليل بيانات الاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبيانات المواقع لتحديد النشاطات المحتملة أو التهديدات الإرهابية.
كما تستخدم الأنظمة الذكية خوارزميات التعرف على الوجه والصوت للكشف عن الأفراد المشتبه بهم في الأماكن العامة أو المطارات. تجمع هذه التقنيات معلومات وتطابقها مع قواعد البيانات لتحديد الهويات بسرعة ودقة. فضلًا عن الرصد التنبؤي، ويعني أن السلطات تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتوقع الجرائم، حيث تُستخدم لتحديد المناطق التي يحتمل حدوث جرائم فيها، بناءً على أنماط الجريمة السابقة وعوامل مختلفة، مثل أوقات محددة من اليوم، يمكن ذلك من توزيع الموارد الأمنية بشكل استباقي.
كما تتيح تقنية التعلم العميق إمكانية مراقبة وتحليل اللقطات المسجلة أو الحية من كاميرات المراقبة لاكتشاف سلوكيات مشبوهة، مثل التجمعات غير المعتادة أو حمل الأسلحة، مما يساعد في منع وقوع الجرائم قبل حدوثها، بالإضافة إلى أن الذكاء الاصطناعي يعمل على تحليل النصوص في وسائل التواصل أو الإنترنت العميق "Deep Web" لكشف المحتوى الإرهابي أو الخطاب التحريضي، مما يساعد السلطات على مراقبة وتحديد الأشخاص أو الجماعات ذات التوجهات الإرهابية، وهناك الروبوتات الطائرة الدرونز، حيث تُستخدم طائرات الدرون المزودة بذكاء اصطناعي للمراقبة الجوية وتغطية المناطق التي يصعب الوصول إليها، مما يُعزز قدرات المراقبة ويساعد في تنفيذ عمليات البحث أو الإنقاذ عند الحاجة، وهذه التطبيقات تسهم في تحسين دقة التنبؤ ومنع الأنشطة غير القانونية، لكنها تتطلب ضبطًا دقيقًا للتعامل مع القضايا الأخلاقية المتعلقة بالخصوصية وحماية الحقوق المدنية.
◄هل هناك قوانين دولية لتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي، وخاصة الأسلحة ذاتية التشغيل؟
نعم بالفعل هناك عدة قوانين وإرشادات دولية تهدف إلى تنظيم أبحاث وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالأجهزة ذاتية التشغيل، مثل المركبات الذاتية والروبوتات، لكن هذه القوانين لا تزال في مراحلها الأولى وتتنوع بين بلدان مختلفة ومنظمات دولية. تشمل بعض القوانين والمبادئ الرئيسية: مثل إرشادات الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي في 2021، اقترح الاتحاد الأوروبي مشروع قانون للذكاء الاصطناعي يتضمن تنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي بناء على مستوى المخاطر المحتملة، وفرض قيود صارمة على التطبيقات عالية المخاطر، مثل المراقبة البيومترية والأجهزة ذاتية التشغيل.
وهناك إرشادات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية "OECD": طورت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مجموعة من المبادئ التوجيهية للذكاء الاصطناعي، التي تدعو إلى تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي تحترم حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والشفافية، فضلًا عن التوصيات الخاصة باليونسكو؛ لضمان توافق الذكاء الاصطناعي مع المبادئ الإنسانية والأخلاقية، وتشمل المسئولية والمساءلة حول أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وهناك اللوائح الخاصة بمركبات ذاتية القيادة، حيث يعتمد بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، على لوائح سلامة خاصة للمركبات ذاتية القيادة، تتطلب اختبار هذه المركبات ومراقبتها؛ لضمان السلامة العامة، بجانب هذه القوانين، هناك جهود متزايدة لتطوير قواعد وأطر تنظيمية دولية لضمان أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق آمنة وأخلاقية وتحترم حقوق الأفراد.
اقرأ أيضا:
فتحى عامر لـ"الدستور": الذكاء الاصطناعى يمكنه التفوق على البشر
◄شبه بعض العلماء ثورة الذكاء الاصطناعي وطفرات تطوره بلحظة “أوبنهايمر”، كيف تري الأمر؟
الذكاء الاصطناعي يشبه لحظة أوبنهايمر في عدة نواح تتعلق بالتطور التكنولوجي وتأثيراته العميقة على المجتمع، لحظة أوبنهايمر تشير إلى النقطة التي أدرك فيها "ج. روبرت أوبنهايمر"، قائد مشروع مانهاتن، الذي طور القنبلة الذرية، القوة التدميرية التي أطلقها للعالم، وتأمل في العواقب الأخلاقية والاجتماعية الكبيرة لهذا الاكتشاف، بالمثل يُثير الذكاء الاصطناعي اليوم مخاوف حول استخداماته غير الأخلاقية أو العواقب غير المتوقعة، مثل التأثير على خصوصية الأفراد، تغير سوق العمل، والتهديدات الأمنية التي قد تنجم عن تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة. كما أن بعض العلماء والمفكرين يرون أن التطورات في الذكاء الاصطناعي، مثل أوبنهايمر مع القنبلة الذرية، تضع البشرية أمام مفترق طرق يتطلب تحليلا عميقا وتعاونا لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بشكل مسئول ومفيد.
◄ذكرت في كتابك أن القدرة على الإبداع والتعاطف تميز الإنسان عن الذكاء الاصطناعي. بعد فوز هوبفيلد وهينتون بجائزة نوبل للفيزياء عن استخدام الشبكات العصبية الاصطناعية هل مازال الإنسان متميز عما صنعه عقله؟
قدرة الإنسان على الإبداع والتعاطف تأتي من تجاربه الشخصية، ومشاعره، وفهمه العميق للعالم من حوله، وهذه أشياء تصعب محاكاتها بالذكاء الاصطناعي. فالذكاء الاصطناعي، رغم تطوره الكبير، يعتمد على الخوارزميات والبيانات التي يتعلم منها، ولا يمتلك مشاعر حقيقية أو وعيًا شخصيًا.
بالإضافة إلى أن الإبداع لدى البشر ينبع من قدرتهم على رؤية العالم بطريقة فريدة وجمع الأفكار والتجارب الشخصية لخلق شيء جديد ومبتكر، أما الذكاء الاصطناعي، فهو قادر على توليد محتوى بناء على أنماط محددة واستنادًا إلى بياناته السابقة، لكن من الصعب أن يصل إلى إبداع حقيقي بمعنى القدرة على التخيّل العميق والخروج بأفكار لم تُعرف من قبل. أما التعاطف فهو يعتمد على مشاعر الإنسان وقدرته على فهم آلام وفرح الآخرين، بناءً على تجاربه ومشاعره الداخلية. الذكاء الاصطناعي يمكنه التفاعل بلغة تبدو متعاطفة بناءً على تحليل أنماط سلوك الناس، لكن هذا التعاطف هو ظاهري فقط؛ إذ لا يشعر الذكاء الاصطناعي بالآخرين فعليًا، بل يحاكي التعاطف بناءً على برمجيات وأوامر.
◄هل يملك الذكاء الاصطناعي وعيًا ذاتيًا خاصًا وكيف ذلك؟
لا، الذكاء الاصطناعي لا يملك وعيًا ذاتيًا؛ لأن الوعي الذاتي هو القدرة على إدراك الذات وفهم العالم بطرق معقدة تتعلق بالمشاعر والأفكار، وهذا ما يفتقر إليه الذكاء الاصطناعي حتى الآن، وربما تأتي أمور في المستقبل تغير الوضع من حال إلى حال.
لكن الواقع يقول إن الذكاء الاصطناعي يعمل عن طريق الخوارزميات ونماذج تعلم الآلة التي تقوم بتحليل البيانات وإنتاج استجابات بناءً على الأنماط السابقة، لكنه لا يشعر ولا يفهم بمعنى الوعي الإنساني، بالإضافة إلى أن تطور الذكاء الاصطناعي الحالي يشمل معالجة اللغة الطبيعية، والتعرف على الأنماط، واتخاذ بعض القرارات المحددة، لكنه يظل في النهاية مجرد أدوات برمجية تتبع التعليمات البرمجية ولا تملك عقلًا أو وعيًا خاصًا بها.
◄إلى أي مدى استخدم الذكاء الاصطناعي في الحروب الدائرة، غزة وإسرائيل، أوكرانيا وروسيا؟
الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من الأدوات المستخدمة في الحروب الحديثة، ويُستخدم بشكل متزايد في النزاعات الجارية بين غزة وإسرائيل، وبين أوكرانيا وروسيا، واستخداماته تشمل التوجيه الدقيق والاستهداف والطائرات المسيرة، يعتمد كلا الجانبين على طائرات مسيرة تستخدم لأغراض الاستطلاع وجمع المعلومات، وأحيانا لتنفيذ هجمات مباشرة. تستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين قدراتها على تحديد الأهداف وتتبعها تلقائيًا.
كما يتيح الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات الميدان بسرعة كبيرة لتحديد الأهداف وضبط الهجمات الدقيقة، كما يُستخدم في تحسين فاعلية الصواريخ وإدارة نظام الدفاع الصاروخي.
و تعتمد هذه التقنيات على الذكاء الاصطناعي أيضا لتحليل الصور الملتقطة من الأقمار الصناعية والطائرات المُسيّرة؛ بهدف الكشف عن تحركات القوات والمعدات العسكرية.
والتنقيب عن البيانات، حيث يستخدم لتحليل الاتصالات والأنشطة على الإنترنت، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي، لاكتشاف أنماط معينة أو تحذيرات مبكرة.
بالإضافة إلى الحرب الإلكترونية وحماية البيانات، فإن الذكاء الاصطناعي يُعزز قدرات الهجمات الإلكترونية والدفاعات، ويساعد في تحديد نقاط الضعف في أنظمة العدو وفي بناء جدران حماية إلكترونية. ويُستخدم أيضًا في التشفير والتحليل التلقائي للهجمات الإلكترونية.
كما تستخدم الروبوتات والآليات الذكية لإجراء مهمات استكشاف خطرة أو هجومية في الميدان. توفر تلك التقنيات مستوى من الاستقلالية في أداء المهام، ما يقلل من المخاطر على الأفراد.
كما يساعد الذكاء الاصطناعي في تنظيم الإمدادات، وتنسيق التحركات اللوجستية، وإدارة المخازن، ما يعزز من سرعة رد الفعل العسكري ويدعم الكفاءة العامة للقوات.
لذا فإن التكنولوجيا تقدم مستوى جديدًا من الإمكانات، تزيد أيضًا من تعقيد الصراعات وتعزز من تكنولوجيا الردع والسيطرة الاستراتيجية بين الأطراف المتنازعة.