114 عامًا على ميلاده.. كيف حولت مصر على أحمد باكثير إلى أيقونة أدبية؟
114 عامًا مرت على ميلاد الأديب علي أحمد باكثير، الذي ولد في 21 ديسمبر لعام 1910 بمدينة سورابايا في إندونيسيا، لأبوين حضرميين من منطقة حضرموت، عاش طفولته الأولى هناك، ثم انتقل مع والده في عام 1920 إلى مدينة سيئون في حضرموت، حيث تلقى تعليمه في مدرسة النهضة العلمية، ودرس علوم اللغة العربية والشريعة على يد نخبة من العلماء، لتتشكل شخصيته الثقافية في بيئة عربية إسلامية أصيلة.
برزت مواهب "باكثير" مبكرًا، حيث نظم الشعر وهو في الثالثة عشرة، ثم أصبح معلمًا في مدرسة النهضة، وتولى إدارتها قبل أن يبلغ العشرين من عمره.
رحلته إلى مصر وبداية مسيرته الأدبية
في عام 1934، سافر "باكثير" إلى مصر، حيث التحق بجامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة حاليًا"، ودرس في قسم اللغة الإنجليزية، وأثناء دراسته ترجم مسرحية شكسبير الشهيرة "روميو وجولييت" بالشعر المرسل عام 1936، وبعدها بعامين ألّف مسرحيته "أخناتون ونفرتيتي" بالشعر الحر؛ ليصبح بذلك أحد رواد الشعر الحر في الأدب العربي.
بعد تخرجه، أكمل "باكثير" دراسته في معهد التربية للمعلمين، وحصل على دبلوم عام 1940، ثم عمل مدرّسًا للغة الإنجليزية لمدة 14 عامًا. وفي عام 1954، سافر في بعثة دراسية إلى فرنسا، لكنه اختار الاستقرار في مصر بعد عودته، حيث أحب المجتمع المصري وتفاعل معه، وتزوج من عائلة مصرية محافظة، وأصبحت صلته برجال الفكر والأدب وثيقة، من أمثال العقاد وتوفيق الحكيم والمازني ومحب الدين الخطيب ونجيب محفوظ وصالح جودت وغيرهم.
اشتغل باكثير بالتدريس خمسة عشر عاما منها عشرة أعوام بالمنصورة ثم نُقل إلى القاهرة، وفي 1955م انتقل للعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصلحة الفنون وقت إنشائها، ثم انتقل إلى قسم الرقابة على المصنفات الفنية وظلَّ يعمل في وزارة الثقافة حتى وفاته.
إسهاماته الأدبية
كان إنتاج "باكثير" الأدبي متنوعًا، شمل الروايات والمسرحيات الشعرية والنثرية، ومن أبرز أعماله الروائية "وا إسلاماه" و"الثائر الأحمر"، كما كتب العديد من المسرحيات السياسية والتاريخية ذات الفصل الواحد، التي نُشرت في الصحف والمجلات، وجمّع بعضها في ثلاث مجموعات خلال حياته.
ومن أشهر أعماله المسرحية "سر الحاكم بأمر الله" و"سر شهر زاد"، التي ترجمت إلى الفرنسية و"مأساة أوديب" التي ترجمت إلى الإنجليزية، ورغم غزارة إنتاجه الشعري لم ينشر "باكثير" أي ديوان في حياته، وتوفي وشعره إما مخطوط وإما متناثر في الصحف والمجلات التي كان ينشره فيها، أبرزها ديوان "أزهار الربى في أشعار الصبا" الذي أصدره الدكتور محمد أبو بكر حميد عام 1987 ويحوي القصائد التي نظمها باكثير في حضرموت قبل رحيله عنها، ثم صدر عام 2008 ديوانه الثاني "سحر عدن وفخر اليمن" عن مكتبة كنوز المعرفة بجدة، ويضم شعره عام 1932 - 1933 وهي السنة التي أمضاها في عدن بعد مغادرته حضرموت، ثم ديوانه "صبا نجد وأنفاس الحجاز" الذي نظمه 1934 في العام الذي أمضاه بالمملكة العربية السعودية قبيل هجرته النهائية إلى مصر.
مكانته الأدبية
شارك "باكثير" في مؤتمرات أدبية وثقافية عديدة، وكان عضوًا في لجنة الشعر والقصة بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية، وشارك الأديب نجيب محفوظ في الجائزة مناصفة.
تميّزت أعماله بارتباطها بالقضايا العربية والإسلامية، وتُوّجت مسيرته الفنية بفيلم سينمائي مقتبس من رائعته "وا إسلاماه"، والذي جسّد بطولته الفنان أحمد مظهر. كما مثّلت مسرحيته الشهيرة "مسمار جحا" كعلامة بارزة في المسرح المصري، حيث تنبأ فيها باحتلال فلسطين.
ترك علي أحمد باكثير إرثًا أدبيًا زاخرًا تجاوز الستين عملًا بين رواية ومسرحية، ليبقى واحدًا من أبرز الأدباء العرب في القرن العشرين، بمزيج من التراجيديا، الكوميديا، والإبداع الشعري والنثري.