جذور الهزائم العربية
لا شك أن التاريخ سيقف طويلًا أمام ما حدث فى الشرق الأوسط فى الأيام الأخيرة. من السقوط المريع لسوريا أمام قوات متشرذمة من الجماعات الأصولية التى تدعمها تركيا وأمريكا وإسرائيل .ولكن التاريخ ذاته ربما يعجز عن وجود أسباب منطقية تؤدى الى هذا الانكسار المريع للعرب الذى يذكرنا للمرة الأولى بما حدث عام 2003 عندما استسلم الجيش العراقى أمام القوات الأمريكية، ثم اختفى تمامًا. وعام 1967 عندما اجتاحت جيوش إسرائيل البلاد العربية المجاورة ومن بينها سوريا، وقتها كانت كل من سوريا ومصر ترزحان تحت حكم أحزاب اشتراكية، فى سوريا كان حزب البعث الديمقراطى، الذى تسلم حكم سوريا عام 1963 . وفى مصر كان الاتحاد الاشتراكى العربى الذى بدأ يمارس الحكم منذ.1961 منذ إعلان قوانين يوليو الاشتراكية التى تم بموجبها تأميم رءوس الأموال الوطنية والأجنبية وكل الشركات العاملة فى مصر.
وقتها واجهتْ الحكومة بعنف كل من سولت له نفسهِ أن ينطق بكلمة واحدة عن أسبابِ الهزيمة، ولم يعرف الناس فى الداخلِ حقيقة ما حدثَ وإبعاده إلا من الصحفِ الأجنبيةِ والإذاعاتِ الأجنبية، كما كان هناكَ غموض فى التعامل مع الحرب والانتقادات، وأدت الاحتجاجات إلى صراع قوى ضمن أعلى مستوياتِ النظامِ.
وفى العامِ 1970 ، أوصلَ انقلاب غير دموىٍ حافظ الأسد إلى السلطة وسطر بداية حكم آلَ الأسد وسيطرتهُ على الدولةِ السوريةِ لعقودِ خمسة تالية، حتى ديسمبر 202، غير أن أهم ما تمخضت عنه الهزيمة وظهر تأثيره واضحًا جليًا فى الأعوامِ التالية حتى يومنا هذا هوَ ظهور مناصرى الإسلامِ السياسى، وبداية ظهور لتطرف، وعللوا الهزيمة بأنها كانت بسبب أن الأنظمة الحاكمة ابتعدت عن الربِ. فقد ذكر الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى أن سجد للهِ شكرًا عندما وقعت الهزيمة، لأنها كانت منْ وجهةِ نظره هزيمةً للسوفييتِ الشيوعيينَ والملحدين.
ولا يجب ألا ننسى، كيف ساعد الاتحاد السوفييتى على تصاعد الموقف فى الشرق الوسط قبل حرب 167 ودوره فى إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية.
ففى ربيع 1967 أبلغ الاتحاد السوفييتى والمخابرات السورية الرئيس جمال عبدالناصر بوجودِ حشودٍ عسكريةٍ على الحدودِ السوريةِ، وعلى الرغمِ من أن مبعوثى الرئيسِ جمال عبدالناصر حاولوا التأكد منْ وجودِ هذهِ الحشودِ. ونفوا تمامًا وجودها، فإن صوتهمْ ضاع فى خضمِ الضجيجِ الذى كانت قد أحدثته السياسات التى استهدفت إعلان نذرِ الحرب، ووجد هذا الجوِ الحماسىِ قبولًا وترحيبًا من الرئيسِ جمال عبدِالناصر، الذى سرعانَ ما أصدرَ أوامرهُ بالتعبئةِ العامةِ وحشدِ القواتِ المصريةِ فى سيناءَ فى 14 مايو 1967، بهدفَ تخفيفِ الضغطِ على الجبهةِ الشماليةِ فى سوريا.
وفى 17 مايو خطا الرئيسُ جمال عبدالناصر خطوته التالية الشهيرة بأن أمر بإغلاقِ مضايق تيران فى وجهِ الملاحةِ الإسرائيليةِ، ما فجرَ حربَ يونيو 1967 ، فى ذلك الوقتِ كان المشير عبدَالحكيمْ عامرْ هو النائبُ الأول لرئيسِ الجمهوريةِ، ونائب القائدِ الأعلى للقواتِ المسلحةِ، فضلًا عنْ أنه كان قائدًا عامًا للقواتِ المسلحة المصرية آنذاك.
قبل اندلاعِ حربِ 1967 بعدةِ أشهر، زار القاهرة المارشال جريتشكو، قائد قوات حلف وارسو. وبعد لقائه بالخبراء العسكريينَ السوفييت، دعاه الرئيس جمال عبدالناصر لمقابلته، وسأله عبدالناصر عنْ انطباعه عن حالةِ الجيشِ المصرى، حاول المارشال جريتشكو أن يرفع من شأن المستشارين العسكريين السوفييت الذينَ يعملون فى مصرَ منذ فترة، فقال جريتشكو: إن جيشكم قادرٌ على تنفيذِ أى مهمة على مسرح العمليات.
ولم يكن ذلك صحيحًا على الإطلاق، فقد أعطى للسيد الرئيس صورة مضللة عن قدرات الجيش المصرى، ما جعل عبدالناصر يقدم على خطوات تصعيدية.
ثم حدثت الهزيمة فى 6 يونيو، ووصل الإسرائيليون إلى شاطئ قناة السويس، وبدأوا فى تهديد المنشآت الحيوية المصرية، كالمصانع والسد العالى، ما جعل الرئيس المصرى يطلب تدخل الجيش السوفييتى الأحمر ووصوله إلى مصر.
كما وقعت فى سوريا مظاهرات لبعض السلفيين، وكان أهمها ما وقع فى حماة فى سوريا، التى دمرت أكثر من نصفِ المدينة، وأوقعت نحو 25 ألف شخص ردًا على انتفاضة الإسلاميين، على خلفيةِ الأزمةِ الاقتصادية والمساواةِ الاجتماعيةِ المتزايدة التى سمحتْ للمجموعات الإسلامية بالصعود. وكانَ اللاعبونَ الإسلاميونَ فعالينَ، ليسَ لقدرتهمْ على توفيرِ نظرةٍ سياسيةٍ بديلة للمحرومين فحسب، إنما كذلك بسبب الدعم الذى حظى به خطابهمْ وأيديولوجيتهم من تيارِ القومية والظلم الاجتماعى والهوية العربية، وبينما قمع حكم الأسد المتسلط الوحشى هذه المجموعات، وكذلك ناشطو المعارضة عمومًا، وضعت تلك المظاهرات حجر الأساس للبنية التحتية للمعارضة والنشاط الثورى. وساعد على ذلك تنامى أوجه عدم المساواة، وأيقظتها مجددًا ثورات الربيعِ العربيِ التى قامت فى العام 2011.
وبظهور السلفيين والنزعات التعصبية جرت مياه كثيرة، كما أصابت الهزيمة الأيديولوجيا القومية العربية والهويات الخاصة بحالة من الضعف، وأوشكت على التلاشى، وفقدت شعاراتها الزخم وقيمتها الحماسية، ولمْ تعد تجدى، كما ظهر السخط الشعبى المكتوم، وتجرأت الجماهير على التظاهر ضد الزعامات التقليدية، وصارت الناس توجه لهمْ اللوم، سواء فى السر أو فى العلن وازدادَ السخط الشعبى.