رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يسهم الدعم النقدى فى تحقيق العدالة الاجتماعية؟

مجلس النواب
مجلس النواب

أعادت موافقة مجلس النواب، بشكل مبدئى، على مشروع قانون الضمان الاجتماعى والدعم النقدى، الحديث من جديد عن أهمية التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى، باعتباره خطوة مهمة لتحسين توزيع الدعم، وتحقيق العدالة الاجتماعية بصفة عامة.

ويستهدف مشروع القانون المقدم من الحكومة توسيع مظلة المستفيدين من الدعم النقدى، مع تحديد معايير منضبطة لوصول الدعم إلى مستحقيه، والتمكين الاقتصادى للأسر وتحسين مستوى معيشتهم، وحماية الأسر الأكثر فقرًا والأقل دخلًا، وكفالة حقوق ذوى الإعاقة وكبار السن والأيتام.

«الدستور» تحدثت مع عدد من الخبراء الاقتصاديين لمعرفة أهمية التحول من الدعم العينى إلى النقدى، وكيفية مساهمته فى تحقيق العدالة الاجتماعية، وإصلاح ما فى المنظومة الحالية من خلل. 

 

الوصول إلى المستحقين مباشرة.. تقليل أعباء «العينى» على الموازنة.. وتوفير مبالغ نقدية شهرية للأسر المستحقة

 

أكد الدكتور عبدالمنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أهمية التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى، باعتباره خطوة مهمة لتحسين توزيع الدعم، وتحقيق العدالة الاجتماعية فى البلاد بصفة عامة.

وقال «السيد» إن الدعم العينى الذى تقدمه الدولة حاليًا يشمل توفير السلع الأساسية، مثل الزيت والسكر عن طريق البطاقات التموينية، الذى يستفيد منه حوالى ٦٣ مليون مواطن، ووصلت قيمته فى الموازنة العامة الحالية ٢٠٢٤/٢٠٢٥ إلى ٣٤ مليار جنيه، علاوة على الدعم المتعلق بالخبز، الذى تصل قيمته إلى ١٠٠ مليار جنيه.

وأضاف الخبير الاقتصادى: «رغم الأهمية التى يمثلها هذا الدعم العينى، تشكو الحكومات المتعاقبة من الأعباء الاقتصادية الكبيرة التى يفرضها على الموازنة العامة، فضلًا عن التساؤلات حول مدى وصوله إلى مستحقيه. لذا، يمثل التحول إلى الدعم النقدى وسيلة فعالة للتقليل من هذه الأعباء، وتوفير دعم مباشر للفئات الأولى بالرعاية، مع بداية العام المالى الجديد، فى يوليو ٢٠٢٥».

وواصل: «كما أن الدعم النقدى يتيح للمواطنين حرية فى اختيار السلع التى يحتاجون إليها وفقًا لأولوياتهم الخاصة، ما يعزز من العدالة الاجتماعية، إلى جانب مساهمته فى تقليل الفساد، من خلال آلية تحديد أسعار أكثر شفافية، مقارنة بالنظام العينى الذى يفتح أبواب التلاعب».

وأكمل: «التحول إلى الدعم النقدى يمثل خطوة أساسية لتخفيف العبء عن الموازنة العامة، وتعزيز كفاءة توزيع الدعم، من خلال ضمان وصوله إلى مستحقيه بشكل أكبر. كما أن الدعم النقدى يسهم فى الحفاظ على توافر السلع الأساسية للأسر الأكثر احتياجًا، ويضمن توفير مبالغ نقدية شهريًا تساعد الأسر فى سد الفجوة الناتجة عن زيادة أسعار السلع». وفى نفس الوقت، رهن «السيد» نجاح تجربة الدعم النقدى بمجموعة من الآليات والشروط الحاكمة، التى تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه بشكل عادل، أولها تحديد الفئات المستحقة بناءً على دخل الأسرة، وربط ذلك بالحد الأدنى للأجور، إلى جانب ربط قيمة الدعم النقدى بمعدل التضخم، لضمان أن يبقى الدعم فعّالًا فى مواجهة الزيادة المستمرة للأسعار. وأضاف الخبير الاقتصادى: «من الضرورى أيضًا تفعيل جهاز حماية المستهلك، ووضع حد أقصى لأسعار السلع الأساسية وعلى رأسها الغذائية، حتى لا يتحول المواطن إلى فريسة لجشع بعض التجار. كما أنه فى ظل زيادة معدلات الطلاق والانفصال، يجب وضع ضوابط لضمان وصول الدعم للأم أو الأب فى هذه الحالات».

وواصل: «التحول إلى الدعم النقدى يجب أن يكون أيضًا مصحوبًا بتخطيط دقيق وتنفيذ مدروس، لضمان نجاح هذه التجربة وتحقيق الأهداف المرجوة منها، بما يسهم فى تحسين مستوى معيشة المواطنين، ورفع كفاءة استهداف الدعم».

وخلص «السيد» إلى أن الحكومة اتخذت خطوة مهمة نحو تحسين نظام الحماية الاجتماعية، من خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعى والدعم النقدى، الذى يهدف إلى توفير الدعم للفئات الأكثر احتياجًا، ويضمن توفير الحماية من المخاطر الاجتماعية، مثل الفقر والبطالة والعجز، ويسهم فى تعزيز الاستقرار الاقتصادى، من خلال توفير الدعم للأفراد الذين فقدوا قدرتهم على العمل.

 

القضاء على الهدر والفساد  ومرونة أكبر فى تحديد أولويات الإنفاق

 

وصف الدكتور على الإدريسى، أستاذ الاقتصاد الدولى، الدعم النقدى بأنه إحدى السياسات الاقتصادية المهمة التى تعتمدها الحكومات فى مختلف دول العالم لدعم الفئات الأكثر احتياجًا، عن طريق تقديم مبالغ نقدية مباشرة للأسر الفقيرة أو محدودة الدخل، بدلًا من دعم سلع بعينها، مثل الغذاء أو الوقود.

وقال «الإدريسى» إن الدعم النقدى يسهم فى تحسين مستويات المعيشة، ويعزز العدالة الاجتماعية، عن طريق تخصيص المبالغ المالية مباشرة إلى الفئات المستحقة، ما يقلل من تسرب الدعم إلى غير المستحقين، وهو التسرب الذى قد يحدث فى الدعم العينى.

وشرح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع: «فى كثير من الأحيان، لا تصل السلع المدعومة إلى الأشخاص الأكثر حاجة، بينما يوفر الدعم النقدى للأسر مرونة أكبر فى تحديد أولويات الإنفاق، سواء كانت لتلبية احتياجات الغذاء أو الصحة أو التعليم».

وأضاف: «الدعم النقدى يقلل من الهدر الذى يحدث فى أنظمة الدعم العينى، التى يمكن أن تنطوى على مشاكل، مثل تخزين السلع بشكل غير فعال، أو سوء توزيعها. لكن من خلال الدعم النقدى، يتم تقليل الفاقد والهدر، عبر صرفه مباشرة، ما يحسن كفاءة توزيع الموارد ويقلل من فرص إهدارها».

وواصل: «هذا النظام يعزز الشفافية، ويمكن قياس تأثيره بشكل دقيق، من خلال تتبع بيانات الاستهداف والصرف، ما يقلل من احتمالية حدوث فساد. كما أن الدعم النقدى لا يقتصر على تحسين الوضع المالى للأسر الفقيرة، بل يمكن أن يسهم فى تحفيز الاقتصاد المحلى بشكل كبير». وتابع: «عندما تحصل الأسر الفقيرة على دعم نقدى، فإنها تستخدم هذه الأموال لشراء احتياجاتها الأساسية، ما يؤدى إلى زيادة القوة الشرائية وتنشيط الأسواق المحلية، وعندما يرتفع الطلب على السلع والخدمات المحلية، يساعد ذلك فى دفع عجلة النمو الاقتصادى، ما يسهم بدوره فى تحفيز الاقتصاد بشكل عام».

ونبه إلى أن آليات تطبيق الدعم النقدى تتم عبر قاعدة بيانات دقيقة، تضم المعلومات الاقتصادية والاجتماعية عن الأسر المستحقة. كما يتم توزيع هذا الدعم عبر تقنيات حديثة، مثل البطاقات الذكية أو المحافظ الإلكترونية، ما يسهل وصوله إلى المستفيدين بسرعة ودقة عالية، فضلًا عما يتيحه من مراجعة بيانات المستحقين بشكل دورى، وبالتالى ضمان استمرار توجيه الدعم إلى الأسر الأكثر حاجة.

وأكد «الإدريسى» أن الدعم النقدى له تأثير كبير على الأسر محدودة الدخل، من خلال المساهمة فى تحسين دخلها الشهرى، وزيادة قدرتها الشرائية، ما يساعدها فى تلبية احتياجاتها الأساسية، من غذاء ورعاية صحية وتعليم، مضيفًا: «الدعم النقدى يعزز الاستقرار الاجتماعى من خلال تقليل نسب الفقر، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين بشكل عام».

وواصل: «الدعم النقدى يساعد الأسر فى التكيف مع التحديات الاقتصادية والتضخم، ويسهم فى تخفيف الأعباء الناتجة عن ارتفاع الأسعار، لذا يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة». وأتم الخبير الاقتصادى بقوله: «من خلال تحسين آليات تطبيق الدعم النقدى، يمكن للحكومات ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، وتحقيق تأثير إيجابى، ليس فقط على الأسر المحتاجة، بل على المجتمع والاقتصاد ككل».

 

تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومى.. واستخدام أفضل للموارد 

 

رأى هانى أبوالفتوح، الخبير المصرفى، أن التحول من الدعم العينى إلى «النقدى» يمثل خطوة مهمة فى مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التى تشهدها مصر، ويهدف إلى تحسين كفاءة توزيع الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه، مع تقليل الهدر والفساد المرتبطين بآليات التوزيع التقليدية، معتبرًا هذا التحول استجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التى تواجهها البلاد، ويسعى إلى تحسين مستوى معيشة الفئات الأكثر احتياجًا من خلال تعزيز استفادتها من الموارد المتاحة.

وأشار «أبوالفتوح» إلى أن التحول إلى الدعم النقدى يحمل العديد من الفوائد على الصعيد الاقتصادى، من بينها تقليل الهدر الناتج عن التسرب فى منظومة الدعم العينى، ما يعزز كفاءة الإنفاق الحكومى، كما يمكن هذا النظام المستحقين من اختيار السلع والخدمات التى يحتاجون إليها، ومن ثم يتيح استخدامًا أفضل للموارد ويعزز الطلب المحلى، ما يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة ويسهم فى دفع عجلة النمو الاقتصادى. 

وأضاف أن الدعم النقدى يعزز من القدرة على الادخار أو الاستثمار، وتحسين الأوضاع المعيشية للأسر على المدى الطويل، وعلى الصعيد الاجتماعى، كما يعزز قدرة الأسر الفقيرة على تلبية احتياجاتها الأساسية، مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، ما يسهم فى تحسين نوعية حياتها، مشيرًا إلى أن أحد أبرز الآثار الإيجابية لهذا النظام هو تمكين المرأة، حيث يتيح لها دورًا أكبر فى إدارة موارد الأسرة وزيادة مشاركتها فى سوق العمل، كما يسهم فى تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية من خلال توفير شبكة أمان اجتماعى تضمن عدم ترك الفئات الأكثر ضعفًا دون دعم.

وأضاف «أبوالفتوح» أن بإمكان مصر أن تستفيد من تجارب دول أخرى نجحت فى تطبيق نظام الدعم النقدى، مثل البرازيل التى طبقت برنامج «Bolsa Famlia» الذى يقدم مساعدات نقدية مشروطة للأسر الفقيرة مقابل إلحاق الأطفال بالمدارس وتلقيهم الرعاية الصحية، ما أسهم فى تقليل الفقر وتحسين مؤشرات التنمية البشرية، كما نجحت المكسيك فى تطبيق برنامج «Oportunidades»، الذى أسهم فى تحسين مستوى المعيشة للأسر الفقيرة وزيادة التحاق الأطفال بالمدارس، وكذلك، فإن كينيا نفذت برنامج «Inua Jamii» الذى يقدم مساعدات نقدية للأسر التى تعانى من الفقر المدقع، خاصة الأسر التى تعولها نساء، ما أسهم فى تحسين التغذية لدى الأطفال وزيادة دخل الأسر.

وأكد «أبوالفتوح» أن نجاح هذا التحول فى مصر يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا محكمًا، يعتمد على مجموعة من الآليات لضمان تحقيق أهدافه، من أبرزها إنشاء نظام معلومات متكامل يضم قاعدة بيانات شاملة ودقيقة للأسر المصرية، مرتبطة بالأنظمة الحكومية المختلفة، مثل السجل المدنى والضرائب، مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى لتحليل البيانات وكشف التلاعب، مع تحديث المعلومات باستمرار. وتابع أن التحول يتطلب أيضًا تحديد معايير دقيقة وشفافة للاستحقاق، تأخذ فى الاعتبار التفاوتات الاجتماعية، مع إجراء مراجعات دورية لتتماشى مع التغيرات الاقتصادية. وأشار إلى أن إنشاء نظام دفع إلكترونى آمن يمثل ضرورة لضمان وصول الدعم لمستحقيه، مع توفير خيارات متعددة، مثل نقاط البيع، وماكينات الصراف الآلى، والمحافظ الإلكترونية.

واختتم أبوالفتوح حديثه بالتأكيد على ضرورة توعية المجتمع بدور النظام وآلياته، وتدريب الكوادر المعنية بتطبيقه لضمان نجاحه. كما أكد أهمية وجود آليات متابعة وتقييم مستمرة تعتمد على مؤشرات أداء واضحة، مع إجراء مراجعات خارجية دورية ورغم الفوائد العديدة لهذا التحول، إلا أن أبوالفتوح أشار إلى أنه يتعين معالجة بعض التحديات، مثل التضخم عند تحديد قيمة الدعم لضمان الحفاظ على القوة الشرائية للمستفيدين، بالإضافة إلى التغلب على الأمية الرقمية التى قد تعوق استفادة بعض الفئات من النظام الجديد.