بداية ونهاية فلسطينية مهرجان القاهرة السينمائى الـ45
بحفاوة بالغة وكلمات حب، ودع المشاركون وضيوف مهرجان القاهرة السينمائى الـ45.. دورة استثنائية أكدت أن السينما لا تنفصل عن الواقع، فهى كائن يستمد نبضه من معاناة الإنسان أينما كائن أو يكون، حملت هذه الدورة أوجاع وآلام الشعب الفلسطينى فى غزة، الأمر الذى أكسب مهرجان هذا العام طابعًا خاصًا.. فكان أهل غزة الغائب الحاضر.
نجاح هذه الدورة لم يقف عند المسافة صفر من أحداث غزة.. لم تجد إدارة المهرجان غضاضة أن تعلن عن تضامنها مع القضية الفلسطينية منذ بداية عرض فيلم الافتتاح عن فلسطين. كما شهدت الدورة الـ45 عرض 192 فيلمًا رسميًا، تميزت هذه الدورة بعرض أفلام تجسد المعانى الإنسانية بعيدًا عن العنف والضجيج ولون الدماء، وإن كان الفيلم السينمائى يحمل مضمونًا فكريًا ثقافيًا يعبر عنه بلغة الصورة السينمائية، جاء أغلب الأفلام قريبة من النفس البشرية.. اقتربت أكثر من الإنسان بأن جسدت إحساسه ومشاعره من واقع قصص وإن اختلفت جنسيات البشر تبقى الأحاسيس الإنسانية من رحم حواء أم الكوكب جمعاء.
يبدو أن الكتاب وصناع السينما ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وأزعجتهم قصص العنف والدمار، وأحلت بهم قصص أقرب إلى وجدان الإنسان، هنا لا نقصد القصص الرومانسية الحالمة فقط، إنما هناك ما هو أبعد من ذلك، فالمخلوق العجيب «الإنسان» معقد الشفرة، ومتنوع الرغبات يحتاج لمن يعبر عنه بصدق ويقدمه تقديمًا يليق به حيث تلعب السينما دورها بأن تقترب من تفاصيل دقيقة قد يراها البعض متناهية فى الصغر، وإن كان الواقع يخبرنا بأهمية هذه التفاصيل.. وفى ظل عالم معقد بل يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، يبحث الإنسان عن أنماط مختلفة تحتويه وتفسر وتعرض كل هذه التعقيدات التى يرغب فى الإفصاح عنها، هنا تأتى السينما ويأتى دور صناعها فى الاقتراب والاحتواء والإعلان عن مضامين إنسانية يجسدها أشخاص نطلق عليهم ممثلين «مشخصاتية»، البارعون منهم من يتقن أداء التشخيص... بالعودة لأفلام مهرجان القاهرة السينمائى هذا العام نجح الفنان حسين فهمى رئيس الدورة الـ45 فى جذب أفلام من معظم دول العالم، الحدوتة الرئيسية التى جمعت تلك الأفلام كان القاسم المشترك بينها التفاصيل الإنسانية، بدعوة من صناعها تقول للجميع: «اقترب أنت من تهمنا فى هذا الكوكب سنعبر عنك أيها الانسان، أنت وحدك من له الحق فى أن نهتم بمشاعرك ومعاناتك».
كان النصيب الأكبر الذى استحوذ على مشاعر ضيوف ورواد أفلام مهرجان القاهرة السينمائى من السينما التسجيلية الفلسطينية.. لم يكن التواجد هذا العام صدفة، إنما كان جزءًا من التضامن الإنسانى والمشاركة والمؤازرة لشعب فلسطين، ذلك الشعب الذى يعيش حياة بائسة أقل ما يقدم له أن يقول له الجميع نحن معكم نشعر بكم فى كل المحافل واللقاءات التى تجمع شعوب العالم على مساحة من الإنسانية.
كان أهل غزة الحاضر الغائب ضمن فعاليات المهرجان، يبدو أن هناك تفاصيل ومعاناة لم تلتقطها كل وسائل الإعلام التى تنقل لنا الحرب على الهواء مباشر، نجح المخرج الفلسطينى «رشيد مشهراوى» فى تقديم مجموعة من الأفلام التسجيلية بعنوان «من المسافة صفر» يحمل 22 مخرجًا من غزة تحت القصف يرصدون بكاميراتهم الحياة اليومية لسكان غزة، من داخل خيام النازحين من المسافة صفر سجلت كاميرات المخرجين من الشباب الحياة اليومية داخل الخيام باتت الصورة أوضح ترصد آلام وأوجاع من فقدوا حقهم فى الحياة ويعيشون تحت تهديد الموت، هؤلاء المخرجون دفع بهم الأب الروحى «مشهراوى» كيف يرصدون واقع شعب عالق تحت الصواريخ ورشقات الرصاص.. أفلام أخرى سجلت الرعب والكوابيس الليلية التى تفزع أطفال غزة.
لقد تفاعل جمهور المهرجان بقلبه وإحساسه بكل تفاصيل الألم والوجع الفلسطينى، وجاءت الجوائز التى حصدها هؤلاء الشباب من المخرجين بقدر ما عبرت عن جهد وتعب وعمل سينمائى ربما كانت الجوائز والاحتفال بهم تقديرًا لحجم المأساة والحدث الجلل فى غزة.. إنها كاميرا السينما إحدى أذرع القوة الناعمة التى سجلت وعبرت عن الإنسان وعن أوجاعة وآلامه، كما لم تنسَ أن تسجل أحلام الغد واستشراف المستقبل.
من أروع الكلمات التى جاءت فى ليلة الختام ما اختتم به الفنان حسين فهمى قائلًا: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة، الفن اللى من خلاله بنعلن عن مواقفنا تجاه قضايا معاصرة مهمة وبنحكى عن حواديت لناس من لحم ودم، بالتأكيد يستحق الحياة».
ليلة الجمعة الماضية أسدل الستار على الدورة الـ45 لمهرجان ولد عملاقًا عام 1976، على يد الجمعية المصرية 1976 على يد الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين برئاسة كمال الملاخ، لم يتوقف سوى مرتين بسبب الأحداث التى مرت بها البلاد أثناء أحداث 25 يناير 2011، والأخرى بسبب انتشار فيروس كورونا.. كان تواجد الضيوف مشرفًا من أبطال الأفلام المشاركة، كما كان تواجد الفنانين حضورًا متميزًا، إيمانًا منهم بأن دور الفنان لا بد أن يكون مشاركًا فى المحافل الكبرى، النقل التليفزيونى كان متزامنًا مع توقيت حفل الختام.. وكان التواجد الفلسطينى هو الحدث الأكبر.