الرئيس المنتظر
فى أعقاب الإعلان عن اسم الرئيس الفائز فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة، جلست أمام التليفزيون لمتابعة رد فعل الفضائيات، كان هناك تحفز غريب لفوز دونالد ترامب، وهو كان رئيسًا فى فترة سابقة، حل محلة رئيس ضعيف هو. فلما تم الإعلان عن ترامب، شعرت وكان العالم يترقب وصوله، كمنقذ للسلام، وكان بعض الوزراء فى حكومات أوروبية قد تناولوه بسوء فى أقوالهم على صفحاتهم، ولما سمعوا أنه أصبح الرئيس القادم تراجعوا أمام عدسات التليفزيون ليعلموه أنهم لا يقصدون إهانته. خيل إلى من متابعة رد فعل العالم أننا ننتظر النبى المنتظر. أو حسب طائفة المسلمين الشيعة فهم ينتظرون دائمًا المهدى المنتظر. وعند اليهود أيضًا يوجد مسيح منتظر، وقد انتظروه بالفعل متمثلًا فى شخص كاهن يهودى اسمه مناحيم مندل شنيرسون، وهو حاخام يهودى أرثوذكسى روسى أمريكى ومن الشخصيات البارزة فى الحركة القبالية اليهودية، والدراسات المتعلقة بها.
هذا المسيح المنتظر، قد أفتى سابقًا بحرمة التنازل عن شبر واحد من أرض إسرائيل، ورفع من قيمة الأرض على حساب قيم المساواة والحرية، حتى قال: لا يجوز ترك الأرض فى حال كان الجسد اليهودى مهددًا بحياته. وأصبح قوله هذا جزءًا من العقيدة اليهودية الحالية التى يسير عليها نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الحالى. وهو من أشد المعجبين بهذا الكاهن اليهودى وتعاليمه. منذ أن قابله عندما كان نتنياهو سفيرًا لإسرائيل فى واشنطن. ويعود السبب فى تشدد نتنياهو وإصراره على إبادة الفلسطينيين فى قطاع غزة فى الحرب التى شنها على القطاع فى أكتوبر 2023، إلى تمسكه بنبوءة أخبره بها الكاهن شنيرسون، مفادها بأنه هو من «سيسلم مفاتيح أرض الميعاد للمسيح»، ما حرضه على توسيع رقعة الحرب وإبادة سكان القطاع.
وقد تعلمنا من التاريخ والجغرافيا، أن جزيرة العرب هى أشرف بقاع الأرض، فيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين وبئر زمزم، والقدس الشريف مهد الديانة اليهودية والمسيحية، والكنيسة المقدسة وموطن المسيح عليه السلام، وجبالها امتداد لجبال سيناء التى كلم الله موسى عليها. لو أن تلك الأماكن المقدسة كانت فى مكان آخر، هل كانت ستغير حال أبنائها ليكونوا سادة الأمم؟ ويكون السؤال الأهم: وضعنا كعرب فى العالم، هل لنا الخيار من أمرنا؟
هل نستطيع أن ندافع عن أنفسنا دون الاستعانة بأمريكا ننتظر منها دومًا أن تتدخل لصالحنا. وننتظر بصبر نافد رئيسها المنتظر بسياساته التى نتمنى أن يكون قد عدلها لصالح قضيتنا الكبرى فلسطين؟
ونسينا أن الرئيس المنتظر، هو من وافق على نقل عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فى تحد واضح لكل القيم العربية، واعترافًا منه بأن القدس لم تعد مدينة محتلة بل أصبحت إسرائيلية؟
وكأن منطقتنا العربية، بطل ما تملك من قيم روحية، وأنبياء مرسلين حقيقيين تعجز عن تملك أمر نفسها وحل مشكلاتها دون الاستعانة بالرئيس المنتظر.
الغرب اصطنع لنفسه أنبياء من كل صنف، لينين، ماركس، مونتسكيو، جان جاك روسو، مارتن لوثر، بسمارك، غاليبالدى، تشرشل. ونحن ما زلنا ننتظر المهدى كل مائة عام ليجدد دماء أرواحنا، ورئيسًا أمريكيًا منتظرًا كل أربعة أعوام، ولكن المهدى لم يأتِ، ولم نسأل أنفسنا عن السبب، لأننا حددنا له شكله واسمه وقبيلته وعائلته ومذهبه ومدينته وتاريخ نزوله قبل أن ينزل. لأجل ذلك تأخر، ولم يشأ أن ينزل أو يظهر، لأنه لا يريد أن يغضب الآخرين ولم يحضر.
لأجل هذا نحن ننتظر أوباما، ومن بعده ترامب، حتى يفرغ من مسئولياته لينظر بعين العطف إلى مشكلاتنا، لينظر فيما يحدث عندنا.
وتابعنا حركات وخلجات وتصريحات الرئيس المنتظر، ولم نتوقف عند تصريح سفيره مايك هابى، الذى اختاره ليكون سفيرًا له فى إسرائيل، عندما أعلن: لا يوجد شىء اسمه فلسطين أو الضفة الغربية.
منطقتنا أصابها التعب والتعصب، ورفضت الاعتراف بالقوميات الأخرى التى آمنت بدينها، الفرس والأكراد والتتار فى الشرق، والأمازيغ والبربر فى الغرب، والزنج فى الجنوب، تركت العرب تلك الأمم هم على حدودها ينازعون، لا هم يكرهون العرب ولا العرب يحبونهم.
وصار من الفرس أئمة ورواة أحاديث، وأحرجوا العرب بحرصهم على القضية الفلسطينية، وصار من الأكراد قادة يدافعون عن القدس والقومية العربية.
نتمنى أن نعود إلى أدياننا السماوية الصافية الراقية بسماحتها وعقلانيتها وبساطتها، بلا أيديولوجيات ولا مذاهب ولا أحزاب ولا فرق، يبقى كل منا على دينه، ونقبل أن نتعايش دون ألم وحرب أو تعصب، وقتها لن ننتظر مع ملايين الأمريكان الرئيس المنتظر.