من ذاكرة مؤتمر أدباء مصر
سمير الأمير يكشف مغامرات طاهر أبو فاشا بمؤتمر أدباء مصر 1988 (خاص)
تنطلق في الفترة من 24 وحتى 27 نوفمبر الجاري، بمحافظة المنيا، فعاليات الدورة الـ36 لمؤتمر أدباء مصر.
وحول ذكرياته في المؤتمر والتي جمعته بالإذاعي الشاعر الكبير طاهر أبو فاشا، كشف الشاعر سمير الأمير في تصريحات خاصة لـ"الدستور" عن حكايته معه خلال دورة المؤتمر التي أقيمت في العام 1988.
“حاديكي اللي عندي وانتي خدي اللي يعجبك”
واستهل "الأمير" حديثه قائلًا: "كنت وطاهر أبو فاشا رفاق سكن بفندق أبو طبل برأس البر، حيث كان يعقد مؤتمر الأدباء سنة 1985، لم أكن قد التقيته من قبل، ونمت قبل أن يأتي إلى الغرفة المشتركة وحين جاء متأخرًا أيقظني، وقال بصوت مرتفع: من رفيقي؟ قلت: سمير الأمير من المنصورة قال: وماذا تكتب؟ فتعجبت، الرجل يوقظني في الثالثة ليسألني ماذا أكتب؟ ولكني كنت سعيدا طبعا وكنت أعلم أن محمد العتر رحمة الله عليه وضعني مع الشاعر الكبير تكريمًا لي".
وتابع "الأمير" حديث الذكريات عن طاهر أبو فاشا: قلت: أكتب شعرًا وأترجم وأحكي قصص أطفال من مختلف بقاع العالم. وكان معي عددان من مجلة ماجد بهما قصتان لي، فأخرجتهما من الحقيبة ليرى الرجل قصصي. ثم سألني السؤال الأصعب: وماذا قرأت لي؟.. قلت: قرأت لسيادتكم كتاب "الذين أدركتهم حِرفة الأدب".. وكسرت حاء (حرفة) فقال: حُرفة بضم الحاء يا بني.. ونمنا لساعتين أو ثلاثة بعد ليلة من الحكي من ليالي "ألف ليلة وليلة" وفي الصباح جلسنا لمائدة الإفطار مع الأدباء وجاءت مذيعة للتسجيل مع الأستاذ طاهر أبو فاشا للإذاعة المصرية، وانطلق هو مستخدما الألفاظ وأسماء الأعضاء دون تحفظ.. واعترضت المذيعة برقة، فقال لها وهو يضحك: يابنتي انا "حاديكي" اللي عندي وانتي في المونتاج خدي اللي يعجبك.. وممكن "تسيبيه" لو مش عاجبك!، مع آني متأكد "إنه" حيعجبك.
وتابع: ضحكنا طبعًا، وكان معنا على المائدة الشاعر محمد الشهاوي الذي جاء من جولته المبكرة جدًا حول المبنى القريب من النيل، قبلها لم أكن أعرفه شخصيا ولكن لفت نظري الهدوء الذي يعلو وجهه والتؤدة والطمأنينة في مشيته، فسألت أحد الجالسين معنا في الصالة ذات النوافذ الزجاجية الكبيرة التي تري الجالس فيها كل ما حول الفندق: من هذا الرجل الطيب الذي يتجول وحيدا؟.. فرد: ألا تعرفه؟ إنه الشاعر الكبير محمد الشهاوي وما يفعله ليس سوى عادات الصوفيين وأهل الطريق.
وأيضًا ضم مجلسنا الصباحي الكاتب محمد السيد عيد، والقاص قاسم مسعد عليوه والشاعر سمير عبدالباقي وكنت أبلغ من العمر وقتها 25عاما أو أقل قليلا، غير أنني طبعا كنت محظوظا جدا فقد تعرفت في هذا المؤتمر على أصدقاء ظلوا أصدقائي حتى الآن بعد مضي أكثر من 37 عامًا منهم مسعود شومان وعبده المصري وخالد حريب، أما عبد المنعم الباز الذي كان مغرما بالتصوير فالتقط صورا لمعظم المشاركين فقد كنت أعرفه من الجامعة أو من ندوة حزب التجمع، واستمعت إلى أشعار ومنافسات محمد أبو دومة ودرويش الأسيوطي، وعرفت الدكتورة أمينة رشيد والدكتور سيد البحراوي.
واستدرك "الأمير": لكن بقيت رفقة العظيم طاهر أبو فاشا في السكن أبرز ذكرياتي عن هذا المؤتمر، فالرجل لم يكن من هواة النوم مبكرا، وكنا كل ليلة بعد أن تنتهي وقائع المؤتمر نتحلق حوله جميعا ليشجينا بحكايات عن أيام دراسته في الأزهر ومغامراته مع الأزهريين، الذين يبدو أنهم كانوا من عجينة مختلفة عن الأزهريين الآن، من حيث تفتح الأدمغة والشقاوة وخفة الدم ولذلك لم أستغرب ما حكاه العم سليمان فياض بعد ذلك عن هؤلاء الظرفاء المعممين ونكاتهم ومغامراتهم المدهشة.
وكان العظيم طاهر أبو فاشا دمياطيا طبعا، ويرتبط بعلاقة خاصة مع أدباء دمياط، ولذا تيسر لي أن أتابع أخباره عن طريق ما يحكيه سمير الفيل ومحمد العتر، فعرفت أنه تجرع مرارة موت ابنه وعاش أعوامًا حزينة، وبعد وفاته حدثنا سمير الفيل أنهم اتصلوا به ليأخذ مكتبته التى يبدو أنه كان قد أوصى بها لأدباء دمياط أو لقصر الثقافة بدمياط لا أذكر بالتحديد، ولكن ما آلمني، هو أن سمير الفيل ذهب فوجد الكتب موضوعة كيفما اتفق في كراتين على السلم، تنتظر من يحملها إلى مستقرها الأخير بمسقط رأسه.