رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا حقق نتنياهو باغتيال قيادات المقاومة بعد عام من الحرب؟

نتنياهو
نتنياهو

منذ اغتيال إسرائيل زعيم حماس يحىى السنوار، في إطلاق نار مفاجئ مع قوات الاحتلال الإسرائيلية في رفح جنوب غزة يوم 16 أكتوبر، توقع العالم أن الحرب الهمجية التي تشنها دولة الاحتلال على القطاع الفلسطيني قد تنتهي، ولكن ما حدث عكس ذلك.

واصل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تحديه لكل الدعوات الدولية التي تحثه على وقف القتال، وتجاهل حتى الضغوط الظاهرية من راعيه الرئيسي الولايات المتحدة، التي اعتبرت اغتيال السنوار فرصة لنتنياهو بإعلان الفوز على حماس وإنهاء الحرب. 

قالت شبكة سي إن إن، في تقرير لها الأسبوع الماضي، إنه عندما اغتيل السنوار في غزة كان كثيرون داخل إسرائيل وخارجها يأملون أن تكون هذه هي اللحظة التي يعلن فيها نتنياهو انتصاره ويقلص عملية غزة على أمل تأمين وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، خاصة أن مقتل السنوار  جاء بعد نجاحات عسكرية أخرى، وأبرزها اغتيال زعيم حزب الله في لبنان حسن نصر الله في 27 سبتمبر. ولكن بعد أيام وتكثيف جيش الاحتلال هجماته على غزة، أصبح من الواضح بشكل متزايد أنهم كانوا مخطئين.

ومع تقلص الآمال يومًا بعد يوم، تحولت آراء العديد من المحللين في قراءتهم للمشهد، وقالوا إن نتنياهو يسعى وسيسعى إلى ذرائع أخرى لإبقاء بلاده في حالة حرب لتحقيق مكاسب شخصية وتعزيز حلم التوسع الإسرائيلي بطرد الفلسطينيين والحفاظ على احتلال غير محدد لأراضيهم.

وقد تعهد نتنياهو، الذي احتفل بعيد ميلاده الخامس والسبعين يوم الإثنين الماضي، بالفعل بمواصلة القتال، تاركًا العالم يخمن ما هو هدفه من استمرار الحرب.

 

مكاسب وخسائر نتنياهو بعد عام من الحرب

نتنياهو هو أطول رئيس وزراء إسرائيلي خدمة، ولطالما خشي فقدان السلطة بسبب احتمال أن يقضي سنوات متعددة خلف القضبان. ففي عام 2019، وجهت إليه تهم في ثلاث قضايا منفصلة - الاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة - وإذا أدين، فإنه يخاطر بقضاء ما يصل إلى 10 سنوات في السجن.

وأرجعت تقارير إسرائيلية عدة بينها تقرير لـ"جريزاليم بوست"، سبب عرقلة نتنياهو العديد من محاولات وقف إطلاق النار والجهود الرامية إلى إطلاق سراح المحتجزين في غزة التي ترعاها مصر وقطر والولايات المتحدة، هو رغبته في تجنب المحاكمات له، والتي تتحقق فعليًا مع إطالة أمد الحرب واستمرار القتال.

من جهة أخرى، يتحمل نتنياهو باعتباره زعيمًا منذ فترة طويلة، العبء الأكبر من المسئولية عن الفشل الأمني الكارثي الذي سبق هجوم حماس على جنوب إسرائيل. كما انخفضت معدلات تأييده، التي كانت قد انخفضت بالفعل بعد أشهر من الإجراءات المثيرة للانقسام من جانب ائتلافه اليميني المتطرف، بشكل أكبر. وبدا أن منافسي نتنياهو السياسيين على استعداد للإطاحة به بمجرد انتهاء الحرب، وفق مركز الحبتور للأبحاث، المؤسسة الفكرية الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقال مركز الحبتور للأبحاث، في ورقة تحليلة الأسبوع الماضي، إن نتنياهو يعلم أن حياته السياسية من المرجح أن تنتهي إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث من المرجح أن ينسحب حلفاؤه القوميون اليمينيون المتطرفون، وأبرزهم إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش،  من الحكومة. 

وأضاف "أنه من المؤكد أن سقوط الحكومة من شأنه أن يؤدي إلى انتخابات جديدة، وهو الاحتمال الذي يسعى نتنياهو إلى تجنبه بأي ثمن"، حتى ولو كان ذلك على حساب حياة المحتجزين الإسرائيليين.

بالإضافة إلى المحاكمات الداخلية، يواجه نتنياهو أيضًا تهمة الإبادة الجماعة للفلسطينيين، حيث طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت بسبب الجرائم والفظائع التي أشرفا عليها ضد الفلسطينيين في غزة.

وقالت المحللة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ديانا بوتو: "سيبحث نتنياهو عن ذريعة أخرى، أو عن شخص آخر، لملاحقته باستمرار. وهذا لن يؤدي إلا إلى المزيد من انعدام الأمن، وهو ما يريده".

وقالت بوتو في مقابلة مع قناة الجزيرة بعد اغتيال السنوار: "إنه يريد أن يجعل الإسرائيليين يعتقدون أنهم في حالة حصار أو حرب.. هذه طريقته للسيطرة عليهم والبقاء في السلطة"، مستشهدة بتصريحاته التي بدت تصعيدية يوم السبت الماضي بعد أن هاجمت طائرة بدون طيار تابعة لحزب الله منزله في قيسارية.

وقال نتنياهو حينها إن الهجوم نفذه "عملاء إيرانيون"، وهو تحريف فسره بعض المحللين أنه يمهد الطريق لتوسيع الحرب لتشمل إيران، إلى ما هو أبعد من قطاع غزة والجماعة اللبنانية.

وأشارت تقارير غربية إلى أن سياسة نتنياهو القائمة على الاغتيالات المستهدفة ضد كبار قادة المقاومة سواء التابعة لحماس أو حزب الله، مكنته من استعادة الزخم السياسي وتجديد مكانته، مستشهدة بعودة منافسه السابق جدعون ساعر إلى صفوف ائتلافه.

وقالت "إن عودة ساعر الذي يعارض مثل نتنياهو حل الدولتين مع الفلسطينيين، ويدعو إلى تقليص كبير في أراضي غزة بعد الحرب، قدمت لرئيس الوزراء دفعة سياسية كبيرة وجعلت ائتلافه مستقرًا بشكل غير عادي".

وقالت وول ستريت جورنال، في تقرير لها، إن نتنياهو الذي بلغ من العمر 75 عامًا، أظهر مرة أخرى قوة لا تصدق كسياسي، بعد أن عانت شعبيته في أعقاب هجمات 7 أكتوبر من العام الماضي. وقالت إن نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أجريت قبل اغتيال السنوار، أظهرت أن المزيد من الناخبين الإسرائيليين سيختارون نتنياهو ليكون رئيسًا للوزراء على القادة الرئيسيين للمعارضة الوسطية.

ويستفيد نتنياهو فعليًا من غياب خليفة واضح له، حيث فشل زعيم المعارضة، يائير لابيد، في تقديم بديل مقنع لسياسات نتنياهو، مما تسبب في تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي.

ومع ذلك، تتآكل شعبية نتنياهو على الصعيد الدولي، إذ أظهرت العديد من المؤشرات غضبًا عالميا اتجاه سياساته، التي جعلت إسرائيل دولة معزولة بشكل متزايد، ثقافيًا واقتصاديًا، منذ 7 أكتوبر، وفقًا للخبراء.

فقد قوبلت مشاركة إسرائيل في مسابقة الأغنية الأوروبية بانتقادات واسعة النطاق وعزلة عن الدول الأخرى. وعلى نحو مماثل، أدار مشجعو كرة القدم الإيطاليون ظهورهم للنشيد الوطني الإسرائيلي، في حين فرضت إندونيسيا وجزر المالديف حظرًا على سفر حاملي جوازات السفر الإسرائيلية.

وفي ضربة أخرى، قطعت تركيا جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل. وانخفضت السياحة الوافدة إلى إسرائيل بنسبة 76٪ في النصف الأول من هذا العام مقارنة بالعام السابق. وفي توقعاته لشهر يوليو 2024، خفض بنك إسرائيل توقعاته للنمو لعام 2024 إلى 1.5٪، انخفاضًا من توقعات سابقة بلغت 2.8٪. كما خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني التصنيف الائتماني لإسرائيل بمقدار درجتين. 

وأظهرت استطلاعات رأي مختلفة، أن الأوروبيين ينظرون الآن إلى إسرائيل باعتبارها تهديدًا للسلام أكبر من دول مثل إيران وكوريا الشمالية وروسيا. وقد اندلعت الاحتجاجات ضد الإجراءات الإسرائيلية في العديد من المدن الأوروبية منذ بداية الحرب.

كما عكست الاحتجاجات الواسعة النطاق في جميع أنحاء الحرم الجامعي الأمريكي الرئيسي، المناهضة لإسرائيل، مدى استياء الرأي العام الأمريكي إزاء استراتيجية نتنياهو وسياساته المضللة.