نوبل.. احترنا يا جايزة نبوسك منين؟
ما زالت جائزة نوبل فى الأدب تثير الأسئلة كل عام، فينطبق عليها المثل الشعبى القائل: «احترنا يا بخرة نبوسك منين»، والبخرة أو البخراء رائحة غير مستحبة، ومعنى المثل أن هناك من إذا اقتربت منه لتحيته أظهر لك وجهًا مختلفًا فلا تدرى من أين يمكنك التعامل معه. نوبل فى الأدب محيرة، فهى عشرات المرات جائزة سياسية بحتة، وعشرات المرات جائزة أدبية، ومرات أخرى توازن ما بين تلك الدوافع.
وتتجدد الأسئلة ذاتها هذا العام مع فوز الأديبة الكورية هان كانج بالجائزة، وهى أسئلة رافقت الجائزة منذ بدء منحها عام ١٩٠١ لمن «قدم خدمة كبيرة للإنسانية من خلال عمل أدبى»، لكن الجائزة سقطت فى أول اختبار لها بين الاعتبارات السياسية والأدبية حين منحت للشاعر الفرنسى رينه سولى برودوم الذى لا يذكره أحد، وتجاهلت العملاق الروسى ليف تولستوى وكان حيًا فى وقتها.
وواصلت السقوط المدوى عام ١٩٥٣ حين نالها رئيس الوزراء البريطانى تشرشل بفضل «أسلوب خطابته المذهل»! وفى عام ٢٠١٦ حصل على الجائزة مطرب أمريكى يدعى بوب ديلان، لأنه: «خلق تعبيرات جديدة فى تقليد الأغنية الأمريكية».
أما عن جائزة نوبل للسلام فحدث ولا حرج، فقد نالها قتلة محترفون مثل شمعون بيريز، وحصلت عليها منظمات تقف مع أمريكا داخل بلدانها مثل منظمة الذاكرة الروسية، ومركز «الحريات المدنية» الأوكرانى، وحركة «تضامن» البولندية، ونالها عام ٢٠٢٢ المعارض البيلاروسى أليس بيالياتسكى بسبب نشاطه الموالى للسياسة الأمريكية.
جائزة نوبل فى الاقتصاد اقتصرت على العلماء أصحاب الفكر الاقتصادى الرأسمالى وحدهم. وفى الأدب حصل عليها أدباء لا قيمة لهم على الإطلاق، ويكفى التذكير بالكاتبة سفيتلانا أليكسييفيتش التى فازت بنوبل فى ٢٠١٣ فأشارت كل الصحف الغربية عند فوزها بنوبل إلى أنها أول كاتبة تفوز بنوبل عن «الأدب غير الروائى»، لأنها فى واقع الأمر مجرد صحفية وليست أديبة.
المقصود من كل ما فات أن الجائزة تضع فى حسبانها أولًا وأخيرًا تغذية وتشجيع ما تجده نافعًا لاتجاهاتها الأدبية والفكرية والفلسفية، لكنها خلال ذلك مرغمة ولو من حين لآخر على مراعاة المستوى الأدبى، لكى لا تسقط قيمتها بالكامل، ومن ثم فإنها تزين وجهها بأديب حقيقى من وقت لآخر.
وليس بوسعى هنا أن أحدد موقفًا من الأديبة الكورية هان كانج، وما إن كانت مجرد قطعة الحلوى التى تتزين بها نوبل، أم أنها أديبة حقًا، لكنى قرأت للصديق الأديب إبراهيم فرغلى ما يشجع على قراءة أعمالها حين كتب يقول: «هذه الكاتبة ليست بسيطة أو سهلة بتاتًا. بل تكتب بنصل سكين رهيف لكنه حاد إلى درجة الألم الذى لا شفاء منه»، بينما أشار أديب آخر هو عمرو العادلى إلى حيرته مع روايتها المسماة «النباتية» قائلًا إنها: «رواية مربكة.. وسبب الارتباك أنى حسبتها روايتين فى بعض مش رواية واحدة».
على أى حال ما دام أنها نوبل فلنقرأ لنعرف إن كان الأدب قد فاز أم أن الفوز كان للدوافع السياسية وتأكيد مكانة كوريا الجنوبية دوليًا، وفى كل الأحوال نظل نردد مع نوبل كل عام: «احترنا يا جايزة.. نبوسك منين؟».