فى ذكرى فوز نجيب محفوظ بـ"نوبل".. أزمة "أولاد حارتنا" بين المثقفين والإخوان
لم تفاجَأ أكثر الدوائر الأدبية اهتمامًا بالثقافة العربية بأن يفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب لعام 1988، وكان الإجماع العربي والدولي فور سماع النبأ، ورغم المفاجأة، أن محفوظ يستحق الجائزة منذ ربع قرن.
في مقدمة كتاب "نجيب محفوظ من الجمالية إلي نوبل" استدرك الناقد المؤرخ غالي شكري قوله: "ولكن الجائزة في حالة نجيب محفوظ لا تخص العبقرية الأدبية للفرد وحده، وإنما تتجاوزه إلى وطنه وثقافة هذا الوطن".
ذلك أن هذا الكاتب الكبير ليس صاحب مغامرة جمالية فذَّة فحسب، وإنما هو في أدبه التجسيد الأوفى لمصر تراثًا وحضارة وحياة. وأيًّا كانت المرحلة، أو المراحل التاريخية، التي تناولها إبداعه بالتعبير، فإن «روح مصر» ظلت دائمًا جوهر موهبته الاستثنائية.
حكاية “أولاد حارتنا” الرواية الأزمة
ورغم حصول نجيب محفوظ علي جائزة نوبل في الآداب للعام 1988 عن مجمل أعماله، فإن أغلب قراء ومحبي محفوظ وأدبه يربطون بين الجائزة والرواية ــ أولاد حارتنا ــ نظرًا لما أثير حولها من جدل ومعارك أدبية تردد أصداءها علي صفحات الجرائد والمجلات منذ أن بدأ نشرها في حلقات مسلسله بجريدة الأهرام في 21 سبتمبر من العام 1959، ولم تنته بمحاولة اغتيال محفوظ في أكتوبر من العام 1995.
وحول نشر الرواية في الأهرام يوضح "غالي": أما النشر الشعبي الواسع في «الأهرام»، فإن الفضل فيه يعود لمحمد حسنين هيكل الذي بدأ عمله في المؤسسة الجديدة عام 1957، بأنْ جعل منها جامعة شعبية جلب لها أكبر الأساتذة والعقول والخبرات. وكان من بينها، بطبيعة الحال، نجيب محفوظ.
فوجئ قرَّاء «الأهرام» ذات يوم بخبر في صدر الصفحة الأولى يقول إنه سينشر رواية مسلسلةً عنوانها «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ. وكان نجيب محفوظ في ذلك الوقت ينشر أعماله في حدود خمسة آلاف نسخة، باستثناء بعض الأعمال التي نشرها له «الكتاب الذهبي» في عشرة آلاف نسخة. وهذه هي المرة الأولى، بعد مجلة «الرسالة الجديدة» الشهرية المحدودة الانتشار، التي ينشر فيها على نطاق واسع في جريدة يومية كبرى.
الإخوان المسلمين والتحريض على نجيب محفوظ
ويؤكد "غالي": كانت «أولاد حارتنا» ولادة جديدة لاسم نجيب محفوظ على مختلف المستويات، فقد كانت، بعد سنوات الصمت السبع، تناقش أعمق هموم الإنسان في أي مكان، وخاصةً في الزمان الناصري الذي تناقضت عقائدُه مع أيديولوجيات اليسار والإخوان المسلمين، فزُجَّ بالجميع في المعتقل. في هذا الوقت تمامًا، عاد نجيب محفوظ إلى الكتابة إلى تأصيل هذه السيرة الروائية للدين والعلم والاشتراكية. ولم يكن هذه المرة محايدًا، فقد وقف إلى جانب العلم والعدل في إطار ميتافيزيقي، إن جاز التعبير عن بنيته الروائية.
وقامت القيامة في الأوساط المحافِظة قبل الانتهاء من نشر الرواية. طلب البعض محاكمته، وطلب آخرون وقف الرواية. اعترض الأزهر، وثارت المظاهرات. ولكن هيكل رفض إيقاف النشر، ونُشرت الرواية كاملة. أما صدورها ككتاب في مصر فقد كان مستحيلًا. كان الحل الوسط إذن هو استمرار نشرها في «الأهرام» ومنْع نشرها في كتاب. ومن الطريف المأسوي في وقت واحد أن هذه الرواية التي نوهت بها لجنة نوبل ما زالت مصادَرةً رسميًّا في مصر حتى الآن.
وفى كتابه المعنون بـ"صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، يشير مؤلفه الناقد رجاء النقاش إلي ما ذكره له نجيب محفوظ عن بدء أزمة الرواية: "الأزمة بدأت بعد أن نشرت الصفحة الأدبية بجريدة الجمهورية، خبرًا يلفت فيه كاتبه النظر إلى أن الرواية فيها تعريض بالأنبياء.
وبعد هذا الخبر المثير بدأ البعض ومن بينهم أدباء للأسف فى إرسال عرائض وشكاوى إلى النيابة العامة ومشيخة الأزهر، بل وإلى رئاسة الجمهورية يطالبون فيها بوقف نشر الرواية وتقديمى إلى المحاكمة. بدأ هؤلاء يحرضون الأزهر ضدى على أساس أن الرواية تتضمن كفرًا صريحًا، والشخصيات الموجودة فى الرواية ترمز إلى الأنبياء، وعرفت هذه المعلومات عن طريق صديق لى هو الأستاذ مصطفى حبيب، الذى كان يعمل سكرتيرا لشيخ الأزهر، وكان شقيقه يعمل وكيل نيابة وهو الذى أخبرنى بأن أغلب العرائض التى وصلت النيابة العامة أرسلها أدباء".
وبالرغم من أن رواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا" نشرت مسلسلة كاملة في الأهرام خلال خمسينيات القرن المنصرم، فإنها ظلت ممنوعة النشر في كتاب مطبوع حتي العام 2005، ورغم نشرها في دار الآداب البيروتية بلبنان عام 1962، نظرًا للتحريض علي الرواية ــ وكاتبها ــ واعتبارها تزدري الدين، وهي التقارير التي كتبها محمد الغزالي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، والتي قادت أحد المتطرفين لمحاولة قتل نجيب محفوظ بطعنه في عنقه، وعندما سألته النيابة عن الأسباب التي دفعته لقتل نجيب محفوظ، فكان رده لأنه "كتب رواية كلها كفر"، وعندما سئل من جديد: هل قرأ الرواية؟ فرد أنه أمي لا يعرف القراءة والكتابة، لكن الشيوخ هم من أفتوا بذلك.