في حوار نادر له..
نجيب محفوظ: أدين بالفضل لـ سلامة موسى وجامعة أعقاب سجائر أولى ملهماتى
حلّ أديب نوبل الروائي نجيب محفوظ، ضيفًا على مجلّة «الكواكب»، في حوار نادر، أجراه الكاتب فوميل لبيب، ونشر في العدد 289 والصادر بتاريخ 12 فبراير من عام 1957، أفصح فيه عن أولى ملهماته وكانت "جامعة أعقاب سجائر".
أدين بالفضل لـ“سلامة موسى”
يسرد محفوظ ذكرياته حول أول أيامه وكيف أنه لم يفكر في احتراف الأدب قائلًا: "عندما تخرجت في كلية الآداب قسم الفلسفة عام 1934، لم أكن أفكر على الإطلاق في أن أكون أديبًا، ولكني كتبت في الفترة بين 1934 و1937 عدة مقالات في الفلسفة، لأنني كنت أحضر لرسالة الماجستير والدكتوراه، وفي غضون عام 1937، ولست أدري كيف قلت لنفسي: لا بد أن أكرس كل حياتي للأدب، وبدأت بالقصة القصيرة، ثم اتضح لي أن الأقصوصة شيء مركز يتضمن في أكثر الأحيان كل عناصر القصة الطويلة.. وبحثت فيما كتبت فوجدت أنني أستطيع أن أحول تسعين أقصوصة من المائة إلى قصص طويلة، ومن هنا قررت أن أكتب القصة الطويلة".
وتابع صاحب "عبث الأقدار": "هناك شيء يجب أن أعترف به، أن سلامة موسى هو الرجل الذي أدين له بالفضل في حياتي الأدبية، لقد كنت أذهب إليه في بنطلون قصير وأنتزعه من بين زوجته وأولاده فيأخذ مني كراسة كاملة، ويقرؤها ويناقشني فيما كتبت، ويقول لي دائمًا: استمر، وقد قضيت عامين أتردد على بيت سلامة موسى، وهو يبشرني دائمًا بأنني أتقدم، ويقول لي إن فيّ بذرة لم أكشف عنها بعد، ونشر لي سلامة موسى أول قصة وهي "ملوك تحت الأرض"، في مجلته التي كان يسميها "المجلة الجديدة"، هذا في الأدب، أما في الفلسفة فقد نشر لي بحثًا عن الله استغرق عامين".
أقول "إن سلامة موسي صاحب فضل عليّ، وأضيف أنه أول من نادى بالفكر التقدمي، كان هذا من ربع قرن، وهو أحد قلائل أسلسوا قياد اللغة العربية وجعلوها لغة طيعة تواجه حاجات العصر والعلم، بل لا أبالغ إن قلت إنه عمل فيها أكثر مما عمل الجاحظ في زمانه، وإني لأتساءل بعد هذا: كيف لا يستعين المجمع اللغوي بهذا الرجل العظيم؟" أما عن أول قصة طويلة منشورة له، فيقول محفوظ: "عبث الأقدار وقد نشرها لي سلامة موسى أيضًا".
جامعة أعقاب سجائر أولى ملهماتي
وحول الشخصية التي ألهمته أولى قصصه المنشورة "ملوك تحت الأرض"، يضيف نجيب محفوظ: كان موضوع قصتي القصيرة الأولى، عن جامعة أعقاب سجائر تبحث عن أبيها فتجده في طرف من أطراف القاهرة حيث لا يصل رجال البوليس، يدير عصابة لتجارة المخدرات، والقصة بعد هذا تصوير لانفعالات المسكينة بين أبيها وأعوانه.
أبطال قصص نجيب محفوظ
وعن شخصياته الروائية والقصصية، وهل ينتمون للخيال أو الواقع يضيف محفوظ: "أبطال قصصي أناس ممن تراهم العين كل يوم، آدميون، ينفعلون ويثورون ويضحكون ويضيعون في زحمة الحياة، فقد يكونون معي في البيت أو قبالتي في السكن، أو جواري في المكتب، وقد يكونون في حانوت أو طريق، وأنا آخذ من الواقع وأنسج عليه من الخيال، فإن العمل الفني ليس أن تعطي الواقع كما هو بل أن تأخذه وتهضمه وتبلوره في أعماقك ثم تخرجه من جديد خلقًا آخر".
وحول صدى شخصية محفوظ على أبطاله يقول: "أعرت نصف عقلي لأحد أبطال قصتي "بين القصرين"، وقد ندمت على ذلك أشد الندم، فإن الروائي في ملتي لا يصبح روائيًا إلا إذا تحدث عن الآخرين خلال نفسه إما أن يعطيهم نفسه أو لا".