في الذكرى الـ51.. كيف تغيرت مكانة مصر الإقليمية بعد حرب أكتوبر؟
في السادس من أكتوبر 1973، كتب الجيش المصري فصلًا جديدًا في تاريخ الأمة، لم يكن فقط نصرًا عسكريًا، بل كان استعادة للعزة والكرامة الوطنية بعد سنوات من الاحتلال والإذلال، فقد سطر هذا النصر دماء الجنود وتضحياتهم، حيث تجاوزت مصر أصعب التحديات، لتثبت للعالم قدرتها على النهوض من جديد ومواجهة العدو بقوة وعزيمة لا تلين.
ولم يكن هذا النصر محصورًا في ساحة المعركة فحسب؛ فقد أدى إلى تحول جذري في مكانة مصر على الساحة الإقليمية والدولية، فبعد استعادة سيناء عبر مفاوضات السلام، استرجعت مصر دورها كقوة إقليمية مؤثرة، وأصبحت قناة السويس، التي أعيد فتحها بعد سنوات من الإغلاق، شريانًا اقتصاديًا دوليًا مرة أخرى، كما رسخ النصر الثقة في قدرة العرب على مواجهة التحديات، وأعاد لمصر صوتًا قويًا على المستوى الدولي.
كان انتصار أكتوبر درسًا في التخطيط الاستراتيجي يدرَّس في الأكاديميات العسكرية حول العالم، وسيبقى هذا النصر منارة تُضيء للأجيال القادمة طريق الاستقلال والكرامة.
نبدأ سطورنا بكلمات الرئيس السادات التي كتبها في كتابه "البحث عن الذات": "في الساعة الثانية تمامًا، وصل الخبر بأن طائراتنا قد عبرت قناة السويس وكانت 222 طائرة نفاثة سرعتها تفوق سرعة الصوت.. انتهت من ضربتها الأولى في ثلث ساعة بالضبط.. خسائرنا فيها تكاد لا تذكر.. ونجحت ضربة الطيران نجاحًا كاملًا ومذهلًا حسب التخطيط الذي وضعناه لها.. مذهلًا لنا في المقام الأول.. فقد حققت ضربة الطيران نتائج فاقت 90% بخسائر أقل من 2%.. وكان مذهلًا لإسرائيل والعلم كله شرقه وغربه... لقد استعاد سلاح الطيران المصري بهذه الضربة الأولى كل ما فقدناه في حرب 1956 و1967 ومهد الطريق أمام قواتنا المسلحة بعد ذلك لتحقيق ذلك النصر الذي أعاد لقواتنا المسلحة ولشعبنا ولأمتنا العربية الثقة الكاملة في نفسها، وثقة العالم بنا".
في تلك الكلمات، أكد "السادات" على تفوق الجانب المصري ومفاجأته للعالم بقدراته العسكرية التي استعد بها للتغلب على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، مما كان له الأثر على المكانة الإقليمية لمصر، خاصة بعد استعادة "طابا" وعودة مكانة مصر المحورية في الشرق الأوسط.
نبيل فهمي: حرب أكتوبر غيّرت المعادلة لصالح مصر
وعن ذلك، تحدث السفير نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق، أن حرب أكتوبر 1973 كانت نقطة تحول في استعادة مصر لمكانتها الإقليمية والدولية، موضحًا أن النكسة في 1967 هزّت ثقة الشعبين المصري والعربي، وخلقت اعتقادًا زائفًا بأن إسرائيل قوة لا تُقهر، لكن حرب أكتوبر غيرت هذه المعادلة، مضيفًا أن الرئيس أنور السادات اتخذ قرارًا جريئًا بخوض الحرب رغم التحديات، بهدف إعادة الأراضي المحتلة وتهيئة المناخ لمفاوضات السلام.
وأشار "فهمي"، في مقاله، إلى أن الأداء العسكري المصري كان مدهشًا للعالم، حيث تمكن الجيش المصري من تدمير خط بارليف، وكسر شوكة التفوق الإسرائيلي، ما أعاد لمصر مكانتها المحورية في الشرق الأوسط، متابعًا أن الولايات المتحدة بدأت تتعامل مع مصر على أنها قوة رئيسية بعد الحرب، حيث استقبل الرئيس الأميركي نيكسون مبعوث السادات وأشاد بالدور المصري.
وأكد "فهمي"، أن الحرب لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت خطوة استراتيجية لإجبار إسرائيل والمجتمع الدولي على السعي للسلام، وأنها وضعت حدًا للغرور الإسرائيلي، وفرضت المفاوضات كخيار لا مفر منه، مؤكدًا أن الحرب كانت لحظة فارقة في الشرق الأوسط نتيجة إعادة بناء القوات المسلحة المصرية وتطوير أدائها السياسي.
رئيس جامعة حلوان: نصر أكتوبر أعطى لمصر صوتًا أقوى على الساحة الدولية
فيما أكد الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، أن انتصار حرب أكتوبر 1973 يعد أحد أعظم الإنجازات العسكرية في العصر الحديث، حيث أسهم في استعادة مصر لمكانتها الإقليمية والدولية، موضحًا أن النصر أعطى لمصر صوتًا أقوى على الساحة الدولية، ومكّنها من استعادة سيادتها الكاملة على سيناء عبر مفاوضات السلام.
وأكد "قنديل"، في تصريحاته، أن النصر أتاح الفرصة لتحقيق استقرار اقتصادي، مما سمح بإعادة تشغيل قناة السويس وإطلاق مشروعات تنموية كبرى، مضيفًا أن هذا الانتصار رسخ مكانة الجيش المصري كقوة إقليمية، معززًا قدراته الدفاعية والهجومية.