انشقاق تاريخى.. "البكتاشية" تؤسس دولة مستقلة للصوفية.. ما القصة؟
في خطوة تاريخية غير مسبوقة، أعلن رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، تأسيس دولة مستقلة للطائفة الصوفية البكتاشية، لتصبح أصغر دولة في العالم، متفوقة على الفاتيكان في صغر حجمها، حيث تمتد على مساحة لا تتجاوز 10 هكتارات، في قلب العاصمة "تيرانا"، وسيحكم الدولة الجديدة الزعيم الروحي للطائفة "بابا موندي"، وسيتمتع مواطنوها بحرية اللباس واستهلاك الكحول، مخالفة بذلك أحد محرّمات "الإسلام"، وهو شرب الخمر أو الكحول.
و"البكتاشية" هي طريقة صوفية تعود أصولها إلى الحاج بكتاش ولي، الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي/ السابع الهجري، وتأسست في منطقة الأناضول بتركيا وانتشرت فيما بعد إلى مناطق البلقان، خاصة في ألبانيا، وعُرفت بتوجهها الليبرالي في تفسير الدين، وهو ما جعلها عرضة للانتقاد والاضطهاد عبر مراحل مختلفة من التاريخ.
ما هي الطريقة البكتاشية؟
كانت الطريقة البكتاشية مرتبطة بشكل وثيق بالجيش العثماني، إذ كانت العقيدة الرسمية للفرق الانكشارية، ومع ذلك، تعرضت للحظر مرتين؛ الأولى على يد السلطان العثماني محمود الثاني في القرن السابع عشر، والثانية في عهد مصطفى كمال أتاتورك عام 1925، عندما سعى لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة وإبعاد المؤسسات الدينية عن الدولة، لكن في الوقت الحاضر، تتركز أنشطة البكتاشيين بشكل رئيسي في ألبانيا وكوسوفو وشمال مقدونيا، حيث يشكلون نحو 10% من مسلمي ألبانيا.
ومن أبرز المراكز الدينية الخاصة بالبكتاشية: المركز البكتاشي في ألبانيا، ويعتبر المقر العالمي للطريقة البكتاشية، ويقع في تيرانا، عاصمة ألبانيا، ويلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على التراث البكتاشي ونشر تعاليمه، وهناك أيضًا مقام حاجي بكتاش في تركيا، والذي يُعد من أهم المقامات الصوفية في تركيا ويقصده المئات من أتباع البكتاشية يوميًا للتعرف على تعاليمها وطقوسها.
وبحسب معلومات وردت في فيلم وثائقي عن الصوفية البكتاشية، فإن "البكتاشية" هي طريقة صوفية تجمع بين التصوف وبعض المعتقدات الشيعية، إضافة إلى تأثيرات من ديانات ومعتقدات قديمة، يؤمنون بالتوحيد، وعلى خطى أهل الشيعة فإنهم يقدسون الخليفة علي بن أبي طالب "رضي الله عنه"، بوصفه جزءًا من ثالوث مقدس يشمل الله والنبي محمد وعلي، لكن يحسبون أنفسهم على الصوفية، حيث يشتركون معهم في ممارسة الذكر والتأمل، مع التركيز على العلاقة الروحية العميقة بين المُريد وشيخه، ويؤمنون بالمساواة بين الأديان في جوهرها، إلا أنهم يعتبرون أن الشعائر الدينية ليست ذات أهمية كبرى.
جاء في الفيلم أيضًا أنه ضمن الطقوس التي يقومون بها توزيع النبيذ والخبز والجبن في اجتماعاتهم، إضافة إلى ممارسة الاعتراف بالذنوب أمام الشيخ الذي يمنحهم الغفران.
ولهذا فإن هذه الطريقة تم إنكارها من قبل الأزهر الشريف، بموجب فتوى من الشيخ حسنين محمد مخلوف، بتاريخ 25 أغسطس 1949، والتي وضعهم فيها في خانة "المبتدعة"، وورد فيها: "لا نعدهم من الصوفية ولا من أهل السنة والجماعة ولا نقرهم على تقاليدهم وفيها ما يأباه الدين كالسجود ونحوه ونعدهم من المبتدعة".
ولا توجد إحصاءات رسمية موثقة لتعداد البكتاشيين في ألبانيا، لكن أحدث إحصاء صدر عام 2011، فإن أكثر من نصف سكّان ألبانيا "56.7%" البالغ عددهم 2.8 مليون نسمة يعتبرون أنفسهم مسلمين وأغلبهم من السُنّة، بينما يدين 10% بالمسيحية الكاثوليكية، و7% بالمسيحية الأرثوذكسية، و5.5% لا دينيين، و2.5% ملحدين، وكشف 2.1% عن أنّهم بكتاشيون.