"بكرة تضربوا بالرصاص فدا الوطن".. حكايات عبدالوارث عسر مع النضال الثورى
يعد الفنان عبدالوارث عسر من أبرز الأسماء اللامعة في السينما المصرية، خلال النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن هناك جانبا لا يعرفه الكثيرون عنه، ألا وهو نشاطه الوطني الملحوظ وهو ما لم يزل طالبا في المرحلة الابتدائية، وهو ما كشفه لمجلة “الكواكب” في عددها الصادر بتاريخ 25 سبتمبر 1956.
عبدالوارث عسر يتقدم صفوف المتظاهرين
ويستهل عبدالوارث عسر حديث الذكريات الطلابية مع مجلة الكواكب، لافتا إلى أنه: في حوالي سنة 1905، كان تلميذا صغيرا في مدرسة “خليل أغا” وكانت المدرسة تقع بالقرب من سيدنا الحسين، وبالرغم من صغر سني كنت دائما من أوائل التلاميذ الذين يتقدمون الصفوف وقت المظاهرات والإضرابات، وكنت من الفخورين بزعامة الزعيم الشاب المرحوم مصطفى كامل، وكنت أتصيد الأوقات التي أعلم أنه سيقوم فيها بالخطابة لأذهب وأستمع إلى خطبه التي كانت تبعث في النفس القوة وترفع من روح الشعب المعنوية وتحثه على الكفاح والنضال من أجل الوطن.
ويضيف “عسر”: وذات يوم ذهبت إلى مدرسة مصطفى كامل، وكانت في شارع أمير الجيوش، لأستمع إلى الخطبة التي سيلقيها، وكانت كلماته الحماسية تنفذ إلى أعماق قلوبنا، وما أن انتهى من خطبته حتى كانت الحماسة دبت في الحاضرين، وخرجوا في مظاهرة ضخمة كبيرة تهتف بسقوط الاستعمار والمستعمرين، وتهتف مطالبة بالدستور، وخرجت مع المتظاهرين أهتف كما يهتفون، ووصلت المظاهرة إلى ميدان الأوبرا، وفي هذا الوقت كان الخديو "عباس" مارا في طريقه إلى سراياه، وما أن رآه المتظاهرون حتى وقفوا في طريقه يهتفون بحياة مصر، والدستور وسقوط الظلم والخيانة، وحاول رجال البوليس تفريق المظاهرة، ولكنهم فشلوا، فقد كانت حماسة المتظاهرين أقوى من عصيهم، وكاد المتظاهرون يحطمون موكب الخديو، فاضطر رجال البوليس إلى إطلاق النيران.
بكرة تضربوا بالرصاص وتموتوا فداء الوطن
ويلفت عبدالوارث عسر إلى: وطلبوا "وابورات" الحريق، واستعملت خراطيم المياه لتفريقنا، ولكن المتظاهرين لم يرهبوا النار ولا مياه الخراطيم، وظلوا يهتفون هتافاتهم العدائية، وطلب البوليس قوة أكبر، واستطاعوا باستعمال العصي وخراطيم المياه تفريق المظاهرة، ووسط هذا الزحام الهائل والنضال المرير بين رجال البوليس وبين المتظاهرين وجه إلي أحد رجال البوليس خرطوم المياه، فوقعت على الأرض، وانقض آخر علي يضربني بخيزرانة وحاولت الفرار من أمام هذا الطغيان، ولكنني انكفأت على وجهي مرة أخرى، وتمزق بنطالى، وسالت الدماء من رأسي، حتى وصلت إلى منزلي وهناك قابلني والدي، ولما علم بالأمر قال لي: "معلهش يابني، معلهش، بكرة تضربوا بالرصاص، وتموتوا فدا الوطن، أمض يا بني في طريقك ولا تأبه، فإن دولة الظلم ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة".