فى ذكراه.. كيف وصف إدوارد سعيد القاهرة؟
تمر اليوم الذكرى الـ20 لرحيل المفكر والمناضل الفلسطيني إدوارد سعيد صاحب "الاستشراق" والذي رحل في مثل هذا اليوم من العام 2004.
يعد إدوارد سعيد من أهم الأسماء الثقافية السياسية الأدبية في القرن العشرين، فهو ناشط سياسي وناقد أدبي لُقِّب من قبل الصحفي البريطاني روبرت فيسك بـ"الصوت الفعال"، في التقرير التالي تعرف على رحلة إدوارد سعيد من القاهرة إلى المنفى القسري.
إدوارد سعيد والمنفى
يقول إدوارد سعيد إن المنفى واحد من المصادر الأشد إثارة للحزن. ففى العصور ما قبل الحديثة كان الطرد عقابًا مروعًا بامتياز، لأنه لم يكن مجرد أعوام من الهيام على غير هدى بعيدًا عن الأهل والأماكن المألوفة، بل كان يؤدي بالمطرود أن يصبح أشبه بمنبوذ دائم، بإنسان لا يشعر قط أنه في وطنه بل هو في نزاع مستمر مع محيطه لا عزاء له في الماضي، ويحس بمرارة تجاه حاضره.
يبدو أن ما ذهب إليه سعيد في وصفه للمنفى بمثابة حالة شعورية عاشها عقب الهجرات المتتالية من فلسطين إلى مصر ومنها إلى لبنان، ومن ثمّ العيش بعيدًا في المنفى القسري أمريكا، والذي جعل منه أداة لنضاله المستمر ورفضه للصهيونية العالمية.
بدأت رحلة سعيد الأولي مع المنفى والاغتراب والهوية مع مواجهة اسمه "إدوارد " والذي جاء تيمنًا بوريث العرش البريطاني إدوارد والذي أصبح في مواجهة دائمة مع اسمه العربي سعيد الذي يؤكد على أصوله العربية، ما بين اسم المستعمر والمستعمر كان "إدوارد سعيد" يقع فى اغتراب الهوية الاسمية، ما بين اسمه الإنجليزي المفخم واسمه وشريكه العربي، "خلال سنوات من محاولاتي المزاوجة بين اسمي الإنجليزي المفخم وشريكه العربي، كنت أتجاوز "إدوارد"وأؤكد على سعيد تبعًا للظروف، وأحيانًا أفعل العكس، أو أعمد إلى لفظ الاسمين معًا بسرعة بحيث يختلط الأمر على السامع".
أشار الكاتب فرج أبوعيشة عبر مقاله المنشور بمجلة نزوى، تحت عنوان "إدوارد سعيد صورة المثقف الكوني" إلى أنه "لم يعرف أبدًا أية لغة تكلم بها أولًا، أهي اللغة العربية أم الإنجليزية. ولا أي منهما هي يقينًا لغتي الأولى. ما أعرفه هو أن اللغتين كانتا موجودتين دومًا في حياتي الواحدة منهما ترجع صدى الأخرى، وتستطيع كل واحدة منهما ادعاء الأولوية المطلقة، من دون أن تكون هي فعلًا اللغة الأولى، وأنا أعزو مصدر هذا الاضطراب إلى أمي التي أذكر أنها كانت تحدثني بالإنجليزية والعربية معًا".
إدوارد سعيد ما بين القاهرة والإسكندرية
في حوار مطول لإدوارد سعيد مع الكاتب سعيد بوخليط، وصف فيه القاهرة بأنها البديل الأكبر، فقد بدت لي القاهرة دائمًا مع ذلك، توجد في الخلفية، هذه الصورة العملاقة عن ضفة البحر الأبيض المتوسط الشرقية، التي لم أستوعبها تمامًا، وأعتقد أني أدركتها أولًا كنقيض للإسكندرية. كانت الأخيرة، سواء على مستوى الأدب أو حياتي الشخصية، بمثابة المكان الذي حين الذهاب إليه كما لو نحو نافذة تطل على أوروبا، بسبب وجود مجموعات أجنبية، وعدد كبير من اليونانيين، والفرنسيين، والإيطاليين، والأرمينيين، واليهود. ونظرت إليهم مطلقًا كأفراد ينتمون إلى الإسكندرية بحيث ما زلت غاية اليوم أندهش لتواجد يونانيين في اليونان، وإيطاليين بإيطاليا.. إلخ.
وبالتأكيد، وفق التعابير الأدبية، تحدث الإسكندرية كثيرًا من الأصداء في الغرب مقارنة مع القاهرة. لكني لم أشعر قط بأني مرتاح جدًا في تلك المدينة. لم يظهر لي أن لها نفس حيوية وكذا التناسق المادي وغير الرسمي اللذين ميزا القاهرة.
يرى سعيد أن القاهرة تنقسم إلى مدينتين. من جهة، المدينة القديمة، حاضرة أبي الهول، والأهرامات، بكل بعدها الفرعوني الذي انصب عليه اهتمام الغرب الحديث بمصر، خاصة منذ السادات. لقد تعمد الأخير إبراز هذا الجانب بإرساله معرض توت عنخ آمون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فعزل بذلك، إن صح القول، مصر القديمة، ثم حوَّل مصر أيضًا، بكيفية جديدة، إلى منتوج للاستهلاك الجماهيري عند الغرب .لكن تقوم كذلك المدينة الأخرى، التي يستحيل الإحاطة بها كُلِّية، فهي غامضة ومفككة بالنسبة للأجانب، لكنها داخل جدران فكري واضحة جدًا تحتوي تجربة إسلامية، وعربية، وإفريقية، مناهضة للاستعمار، تجربة لم تكن أبدًا سهلة المنال حقًا بالنسبة للغرب.