التكنولوجيا من الرقابة إلى الإبادة
نشعر جميعًا، أو نخمن لكن دون دليل، بأننا نخضع لرقابة يقظة فى استخدامنا وسائل التواصل الاجتماعى من فيسبوك إلى واتس آب، وحتى اتصالات المحمول. ويتولد ذلك الشعور من تفاصيل صغيرة كثيرة، فقد حدث على سبيل المثال أن اتصلت بصديق لم أكن قد كلمته من زمن بعيد، وفى اليوم التالى مباشرة وجدت فيسبوك يقترحه علىّ بصورته كصديق!
مثل تلك التفاصيل كثيرة، وكلها تقطع بأن هناك رقابة، غير مسألة حذف ما لا يعجبهم من التعليق أو التدوين. ويرجع السبب فى الرقابة على وسائل التواصل إلى عناية أجهزة المخابرات الدولية أو المحلية بالسيطرة على قواعد البيانات الضخمة لمستخدمى تلك الشبكات، بحيث يمكن تصنيف المواطنين، كل حسب معتقداته وتوجهاته السياسية والاجتماعية.
وإذا كنا نشعر بتلك الرقابة مجرد شعور، فإن هناك من الدلائل ما يؤكدها، ومنها على سبيل المثال أن السلطات الفرنسية ألقت القبض فى ٢٤ أغسطس هذا العام على رجل الأعمال الروسى بافل دوروف، الذى أنشأ تطبيق «تليجرام» عام ٢٠١٣، أما التهمة فهى نشر رسائل ذات محتوى متطرف، بينما تتوارى التهمة الحقيقية وهى رفضه التعاون مع السلطات الأمنية الفرنسية، حيث إن التطبيق المذكور يتضمن «التشفير الكامل»، كما حظرت أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى وغيرها من الدول «الديمقراطية» تطبيق تيك توك لنفس السبب.
إذن فقد ساقتنا التكنولوجيا التى اخترعناها بسعادة إلى تعاسة الخضوع للرقابة والتصنيف وفقدان «الحياة الشخصية»، وقد رأينا فى لبنان مؤخرًا كيف انتقلت التكنولوجيا من محو الحياة الشخصية بالرقابة إلى إبادة الحياة بتفجير وسائل الاتصال «البيجر»، وقتل العديد وإصابة ثلاثة آلاف بمختلف الجروح.
وقد كشفت تلك الجريمة «العلمية»، إذا جاز التعبير، عن خطورة العلم إذا كان فى سياق استعمارى، الأمر الذى دفع الزعيم الإنجليزى تشرشل ذات يوم لأن يقول: «أخشى أن يكون فناء الأرض على أجنحة العلم المتطور اللامعة».
وفى الوقت ذاته يتضح لنا، بقوة، خطورة الكيان الإسرائيلى الذى يمد أذرعه المسلحة إلى لبنان وسوريا واليمن، ويشارك فى تقسيم السودان وضرب العراق، ليتبين بوضوح قاطع أن المسألة ليست «فلسطين وإسرائيل» فحسب، لكنها مسألة قاعدة عسكرية للاستعمار تقفز لتؤدى دورها فى النزاعات الروسية فى الشيشان، وتقوم بوظيفتها حتى فى أوكرانيا، حيث تشترى إسرائيل، تحت قناع الشركات المتعددة الجنسية، الأراضى الأوكرانية بنهم بلغ حد أنها استولت على أربعين مليون هكتار من تلك الأراضى، وبتنسيق مع إسرائيل، أعلن الرئيس الأوكرانى، الدمية، فى أبريل ٢٠٢٢ أنه يعتزم إنشاء: «إسرائيل الكبرى» فى أوكرانيا.
والحرب الإلكترونية الأخيرة على لبنان مجرد سطر فى دفتر وجود الكيان المكتظ بالجرائم منذ إنشائه، وكلها جرائم تكشف عن الطابع المصطنع لذلك الكيان الذى يتقنع بالدين اليهودى كغطاء لدوره الاستعمارى فى المنطقة وفى أنحاء العالم حيثما يطلبه سادته الذين اخترعوه، وأطلقوا عليه صفة دولة، واخترعوا له شعبًا.