لسنا دراويش.. قادة «التصوف الحقيقى»: نحن رعاة الوسطية والحصن الأخير ضد التطرف
أعلن عدد كبير من علماء وشيوخ الطرق الصوفية عن رفضهم ما وصفوه بـ«الحملة الشرسة على التصوف الإسلامى»، التى استغل أصحابها الاتهامات الموجهة إلى «صلاح الدين التيجانى»، المفصول من الطرق الصوفية بقرار رسمى، فى الإساءة للتصوف الإسلامى ورموزه.
وقال علماء وشيوخ الصوفية، فى حديثهم مع «الدستور»، إن أصحاب هذه الحملة استغلوا الاتهامات الموجهة إلى «التيجانى» بالتحرش بأكثر من فتاة، فى الهجوم على الصوفية، ووصف أهلها بأنهم «مبتدعة» أو «يتبعون شيوخهم دون أى تفكير».
وشدد العلماء والشيوخ على أن الصوفيين أهل وسطية واعتدال، وليسوا «مبتدعين» أو «دراويش»، محذرين من الانسياق وراء أصحاب الحملة المسعورة الحالية ضد «أهل المدد»، خاصة مع أهمية طرقهم فى مواجهة التطرف والغلو والتشدد.
عبدالهادى القصبى: المتطرفون وراء الهجمة الأخيرة.. وملاحقة قانونية لأى مسىء
أعرب الدكتور عبدالهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، عن رفضه الهجوم الذى تتعرض له الطرق الصوفية والمنتسبون إليها على مواقع التواصل الاجتماعى، بسبب خطأ أو فعل غير سوىّ لأحد الأشخاص.
وتساءل «القصبى»: «هذا الشخص مفصول من طريقته الصوفية، فكيف يتم احتسابه على أهل التصوف»، معتبرًا أن الهجوم الحالى مصدره «بعض الذباب الإلكترونى الذى ينتمى إلى تنظيمات متطرفة، ويستهدف إرباك الشارع، وتغييب الناس وإبعادهم عن الحقيقة».
وأضاف شيخ مشايخ الصوفية: «معروف للجميع أن الصوفية أهل علم ودعوة وعمل، وجميع شيوخ الأزهر وقادة الأمة الإسلامية فى كثير من دول العالم ينتمون إلى أهل التصوف، لذا عندما يأتى جاهل ويقول إن الصوفيين أهل بدع، يجب أن نقف له ونُفهم إياه من هم السادة الصوفية، وما الذى قدموه للأمة الإسلامة من المحيط إلى الخليج».
وواصل: «أهل التصوف حاربوا الصليبيين والمغول، حاربوا الاستعمار الفرنسى فى المغرب والجزائر، وكل كُتب التاريخ تشهد على ذلك. وبالنسبة للعلم، فإن شيوخ الأزهر غالبيتهم ينتمون إلى دائرة التصوف».
وأوضح أن من بين هؤلاء العلماء الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الراحل، والدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الحالى، والعلامة الشيخ محمد متولى الشعراوى، والدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف الحالى، والدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية السابق، وغيرهم الكثير، مضيفًا: «التصوف خرّج لنا علماء كبارًا خدموا الدين الإسلامى، لذا لا يصح أن يُهاجم أى من كان أهل التصوف وهو لا يعرف شيئًا عنهم».
وحذر من أن الجماعات المتطرفة استغلت ما تورط فيه أحد الأشخاص المفصولين من الطرق الصوفية لتنفيذ حملة تشويه للمنهج الصوفى وطرقه المتنوعة فى مصر، وهو ما لن تسمح به المشيخة العامة للطرق الصوفية أبدًا، وفق «القصبى». واختتم رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية: «سنتخذ إجراءات قانونية ضد أى شخص يسىء لأهل التصوف، وعلى من لا يعرف ما التصوف الإسلامى، وما الزوايا والطرق، أن يقرأ ويبحث ويتعلم، قبل أن يهاجم قومًا يذكرون الله كثيرًا حتى كتبهم المولى سبحانه وتعالى من المقبولين عنده».
علاء أبوالعزائم: هناك محاولة من المتشددين للسيطرة على الساحة الدينية
حذر الدكتور علاء الدين ماضى أبوالعزائم، شيخ الطريقة العزمية عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، من استغلال واقعة التحرش المتهم فيها المدعو صلاح أبوطالب، المفصول من الطريقة التيجانية، للهجوم على الصوفية، مؤكدًا أن هذا مرفوض شكلًا وموضوعًا.
وأضاف «أبوالعزائم»: «هذا الشخص فصل من الطريقة التيجانية عام ٢٠٠٠، وهو بذلك غير محسوب على أهل التصوف، لكن الجماعات المتطرفة استغلت ما حدث منه فى الانقضاض على أهل التصوف، وهو أمر يثبت وجود متربصين يريدون سقوط أهل الوسطية والاعتدال، وبالتالى السيطرة على الساحة الدينية، وإعادة أفكارهم المتطرفة إلى سابق عهدها، وهو ما نرفضه تمامًا».
وواصل: «المشيخة العامة للطرق الصوفية أصدرت بيانًا تبرأت فيه من المدعو صلاح الدين التيجانى، وأكدت أنه مفصول من الطرق الصوفية منذ فترة كبيرة، وهو ليس شيخًا للطريقة التيجانية، بل كان مريدًا غير سوىّ، وطُرد من الطريقة بسبب محاولته الانقلاب على شيخه، وارتكابه أفعالًا غير سوية تخالف الله ورسوله، بينما من المعروف أن المنهج الصوفى يستمد مشروعيته من كتاب الله والسنة النبوية الشريفة». وشدد على أن علماء الأمة الكبار جميعًا ينتمون إلى الصوفية، وهذا معروف للقريب والبعيد، لكن هناك من ينتظر سقوط أهل التصوف لنشر أفكاره المتشددة فى الشارع، وهذا ما لن نسمح به أبدًا. وتابع: «الصوفية تنقى نفسها بنفسها دائمًا، ولا يوجد مُريد شاذ عن المنهج الإسلامى إلا وتم فصله من الطرق الصوفية، لأنه معروف للجميع أن التصوف الإسلامى منهج الوسطية والاعتدال، الذى تبناه وسلكه غالبية علماء الإسلام فى المشارق والمغارب».
سالم الجازولى: كنا وما زلنا شوكة قوية فى ظهر الجماعة الإرهابية
أكد الدكتور سالم الجازولى، شيخ الطريقة الجازولية، أن الطرق الصوفية لها دور وطنى كبير، وهو ما ظهر جليًا فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، عندما نزل مريدو وأتباع الطرق إلى الميادين فى مختلف محافظات الجمهورية، من أجل الدفاع عن الدولة ضد الجماعات الإرهابية التى كادت تدمر البلد.
وأضاف «الجازولى»: «وقف أهل التصوف جنبًا إلى جنب مع الشعب والقوات المسلحة، ضد هذه العصابات المتطرفة والتنظيمات المتشددة، التى كانت تريد ضياع الدولة، لكن المولى سبحانه وتعالى نصر البلاد بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، ليظل أهل التصوف الشوكة القوية فى ظهر جماعة الإخوان وحلفائها من الجماعات المتطرفة». وواصل شيخ الطريقة الجازولية: «الطرق الصوفية تواجه التطرف بالحب، من خلال الفعاليات والاحتفالات التى تنظمها بشكل دائم داخل وخارج مصر، وتشهد الدعوة إلى محبة الآخر، ورفض التطرف والإرهاب والعنف، فدعوة أهل التصوف وسطية، دون أى تشدد أو تهاون فى نفس الوقت». وأكمل: «ما يرتكبه البعض من أخطاء هو مجرد أمور فردية ليست لها علاقة بالمنهج الصوفى، وهذا ما يجب أن يعلمه القاصى والدانى، ويكفى القول إن الطرق الصوفية تربى أبناءها على الإسلام الوسطى البعيد عن التطرف والعنف والإرهاب، فجميع أشبال الصوفية يحفظون كتاب الله، ولا يمكن لأتباع هذا المنهج المعتدل أن يكونوا أهل بدع أو ضلالات».
وأتم بقوله: «فى أى زمان أو مكان يوجد الإنسان الصالح والطالح، والطرق الصوفية مدارس لتعريف الناس بالإسلام، فهناك من يدخل المدرسة ولا يتعلم شيئًا، وهناك من يكون طالب نجيب، وهكذا هو التصوف، بل الحياة بصفة عامة».
بلال الحلاق: بريئون من المنفلتين والمحسوبين على التصوف.. ولا نبتغى غير ذكر الله وتصفية النفوس
قال الدكتور بلال الحلاق، مفتى كاليفورنيا أحد مقدمى الطريقة القادرية الصوفية، إن الصوفية تعرضوا لهجوم كبير بسبب ما فعله أحد الأشخاص المحسوبين على أهل التصوف مع أنه مفصول من الطريقة المنسوب إليها.
وأضاف: «التصوف برىء من هذه الأفعال غير المنضبطة وغير السوية، وبرىء من المنفلتين، والعمل المُرضى عند الله هو اجتماع الصوفية فى حلقات الذكر وتنظيم الموالد التى يذكر فيها الرحمن مع مدح خير الأنام، وينبغى على الصوفى الصادق أن يقدم العمل الصالح ليتبعه الناس على هدى وعلم وصفاء، فالإنسان الصوفى مسئول عن العهد الذى أخذه من شيخه».
وواصل: «العمل الصالح ينبغى أن يكون خالصًا لا يراد به إلا وجه الله-عز وجل- وثوابه الذى أعدّه لعباده فى الدار الآخرة، فلا ينبغى إتيان الأعمال الصالحة ابتغاء غرض دنيوى أو مقاصد آنية من شهرةٍ أو سمعةٍ أو غير ذلك من النوايا المحبطة للثواب. فالقصد الأعظم عبادة الله».
وأكمل: «إن عبدت الله وكان عملك مقبولًا عنده لا يضرك إن مدحك الناس أو ذموك. يقول الله تعالى {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، فطوبى لمن أرضَى اللهَ بِسَخَطِ الناسَ وبئس من أَرْضَى النَّاسَ بسخَطِ اللهِ، وفى الحديث القدسى يقول الله-جل وعلا-: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِى فِيهِ غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» وفى لفظ: «وأَنَا مِنْهُ بَرِىءٌ».
وواصل: «الصوفى يعمل متخفيًا عن عيون الخلق مريدًا وجه الله ويكفيه أن الله يعلم به، ويُحكى عن فقير صوفى له دكان يعتاش منه وكانت زوجته ترسل معه طعام الغداء بوعاء ليأكله فى الدكان فكان ينوى الصيام ويتصدق بالطعام وإذا ما رجع بعد المغرب إلى داره أكل العشاء مع أهله ورد الوعاء لزوجته فارغًا، وبقى على هذا الحال عشرين سنة يصوم النفل وزوجته معه فى البيت تحت سقف واحد لا تعلم به أنه صائم، هكذا سلوك أهل الله، لا يريدون إلا رضى الله وهذا أمر يحتاج إلى مجاهدةٍ تامة». وأضاف: «لهذا قال الأوزاعى رحمه الله: «ما عالجتُ شيئًا أشد على من نيتى»، فالنية تتفلت وهى تحتاج من العبد إلى معالجة دائمة مستمرة ليصفو العمل وليكون خالصًا لا يبتغى به إلا الله تبارك وتعالى، والدار الآخرة التى هى دار الثواب والجزاء على الأعمال». وتابع: «اسمع معى كيف قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، لرجل قال له: يا رسول الله رجلٌ يريد الجهاد وهو يَبْتَغِى عرضًا من الدنيا، فقال له الرسول: لا أجرَ له، فأعظمَ ذلك الناسُ، فقالوا للرجل: عُدْ لرسولِ اللهِ، فلعلك لم تفهمْهُ، فقال الرجل: يا رسول الله رجل يريد الجهاد فى سبيل الله وهو يبتغِى من عرض الدنيا، فقال: لا أجر له».
جمال فاروق: علماء الأزهر وشيوخه من أهل التصوف
شدد الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية السابق، على أن الهجوم على التصوف الإسلامى وأهل التصوف بسبب الواقعة الأخيرة أمر غير مقبول، لأن أى فعل يصدر عن أى فرد يقع ضمن مسئوليته الخاصة، ولا ذنب للمنهج الدينى الذى يتبعه هذا الشخص.
وأضاف: «هناك مسلم كاذب ومسلم منافق ومسلم يزنى، فهل الإسلام متورط فيما يفعله هذا المسلم أو ذلك من أخطاء، لا بالطبع، فلذلك وجب على الجميع عدم الهجوم على أهل المنهج الصوفى أو أهل التصوف، وذلك لأن التصوف الإسلامى من أحسن المناهج وأفضلها، ويكفى أن علماء الأزهر وشيوخه جميعهم كانوا من أهل التصوف الإسلامى، ولذلك وجب على الشباب الصغار أن يعرفوا ويعلموا ذلك جيدًا».
وتابع: «السادة الصوفية أهل علم ومحبة ودعوة وسطية، وليسوا دراويش أو مبتدعة كما يصورهم البعض هذه الأيام، وإذا أراد شباب اليوم التعرف على التصوف الإسلامى فعليهم الجلوس فى حضرة علماء الأزهر وحضرة شيوخ الطرق الصوفية من أهل العلم والفكر والشرع، لأنه من غير مقبول ما يحدث من هجوم على المنهج الصوفى أو المنتمين للطرق والزوايا الصوفية لأن ذلك يبين أن الناس لا تعرف الدين الإسلامى ومناهجه المختلفة».
سيد مندور: نحن أهل علم وفكر ولسنا مبتدعة
قال الدكتور سيد مندور، نائب الطريقة السمانية الصوفية، إن الصوفية أهل علم وذكر وفكر وعبادة، وليسوا دراويش أو مبتدعة، والتصوف الإسلامى علم مكمل لعلوم الملة، وهناك الكثير من الأدوار التى اضطلعت بها تلك المدارس فى نشر العلوم الشرعية، من خلال تأسيسها مدارس لهذه العلوم فى جميع أنحاء العالم. وأضاف «مندور» أن التصوف الإسلامى حافظ على العلم الشرعى حتى وقت قريب، من خلال النشاط العلمى للطرق والزوايا الصوفية الموجودة فى مصر وكل دول العالم الإسلامى، إلى جانب الدور الوطنى للطرق الصوفية فى الدفاع عن الدولة المصرية منذ قديم الأزل.
وتابع: «الطرق الصوفية المصرية لها العديد من الأدوار الوطنية، ففى وقت الاستعمار، الذى وقعت فيه مصر، واجهت الصوفية هذا الخطر من خلال شيوخها ومريديها، وفى العصر الحديث وقفت الطرق مع الدولة المصرية وساندتها أكبر مساندة، ومحاولات البعض الهجوم على أهل التصوف حاليًا واستغلال الأزمة الأخيرة فى تشويه صورة أهل الله أمر مرفوض تمامًا، لأن جميع علماء هذه الأمة ينتمون لدوحة التصوف، فشيوخ الأزهر وعلماؤه جميعهم من أهل التصوف الإسلامى، فكيف يأتى اليوم بعض الجهلة ليهاجموا هذا المنهج الذى يعد ركنًا أساسيًا فى معرفة الدين الإسلامى».
عبدالصمد الإيطالى: دخلت إلى الإسلام من خلال الطريقة التيجانية
ذكر الشيخ عبدالصمد الإيطالى، شيخ الطريقة التيجانية شيخ الصوفية بإيطاليا، أن رجال الصوفية نشروا الإسلام والعلوم الشرعية فى قارة أوروبا وتحديدًا فى إيطاليا وألمانيا وفرنسا، وقال: «دخلت الإسلام على يد شيخ الطريقة التيجانية الشيخ الحافظ التيجانى وهذا الرجل علمنى الإسلام والدين والعلوم الشرعية، فلذلك لايمكن الهجوم على التصوف أو المنتسبين له بهذا الشكل الفج».
وأضاف «الإيطالى»: «الطريقة من أكثر الطرق اعتدالًا، أما صلاح الدين التيجانى فهو مفصول ومعزول من شيخ الطريقة السابق، لذا لا يجب مهاجمة التصوف بسبب أفعال هذا الشخص الخارج عن الأعراف الصوفية».
وتابع: «الطريقة لها شيخ وأى شخص يرتكب فعلًا يخالف الكتاب والسنة النبوية الشريفة يتم فصله فورًا، لكن أهل التصوف هم أهل علم وتزكية ينشرون الإسلام بالحب ويتصدون للفكر المتطرف فى جميع أنحاء العالم».