مواكب فى شوارع مصر فَرحًا بمولد الهادى.. واحتفالات فى «الحسين»
يحتفل ملايين المصريين وأتباع الطرق الصوفية والأشراف، بذكرى مولد النبى، صلى الله عليه وسلم، عبر إقامة العديد من الفعاليات المتنوعة، والتى تظهر مدى حبهم للرسول الكريم، واحتفائهم بذكرى مولد رحمة الله للعالمين.
وأطلقت الطرق الصوفية فعاليات «شهر الفرح برسول الله»، التى تقام طيلة شهر ربيع الأول، فرحًا بميلاد النبى المجتبى، وتتضمن مجالس الذكر والحضرات وترديد القصائد والأناشيد، فى المواكب والطرق والساحات، كما جرت العادة فى مصر، منذ مئات السنين.
وتنظم الطرق الصوفية، اليوم، مسيرات كبرى فى الشوارع والميادين، فرحًا بذكرى مولد الرسول الكريم، عملًا بما جرت عليه العادة من تنظيم مسيرات حاشدة بجميع محافظات الجمهورية، فرحًا بمولد النبى، بمشاركة الآلاف من مريدى وأتباع هذه الطرق من داخل وخارج مصر.
مسيرة حافلة من «الجعفرى» إلى «الحسين»
أعلن المجلس الأعلى للطرق الصوفية، برئاسة الدكتور عبدالهادى القصبى، عن تنظيم عدة احتفالات كبرى، اليوم، بمناسبة المولد النبوى الشريف، على رأسها تنظيم موكب حاشد، يضم أعضاء المجلس ومشايخ الطرق الصوفية والمريدين، ينطلق من مسجد سيدى صالح الجعفرى إلى مسجد سيدنا الحسين، ويعقبه حفل بعد صلاة المغرب، بحضور مجموعة من الرموز والقيادات الدينية.
وأكد «الأعلى للصوفية» وجود ترتيبات أمنية كبرى وتنسيق فى جميع محافظات الجمهورية، فى ظل توقعات بوصول عدد المحتفلين بمولد النبى إلى نحو ٢٠ مليون مشارك، لأن من يحتفلون بهذه الذكرى ليسوا من الصوفية فقط، بل تضم الاحتفالات ملايين المحبين، حتى من غير أهل التصوف.
وقال الدكتور سالم الجازولى، شيخ الطريقة الجازولية الحسينية، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن مولد النبى هو يوم عيد لجميع أتباع الطرق الصوفية، لذا يلبسون فيه ثيابًا جديدة ناصعة البياض، فرحًا بمولد الهادى، متسائلًا: «كيف لا نفرح به وهو مَن علمنا الإسلام وجاء بالرسالة من رب العالمين؟».
وأضاف «الجازولى»: «الطريقة الجازولية فى هذا اليوم المبارك تبعث ببرقية محبة وولاء ومبايعة للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يعمل على تقدم هذه البلاد، فنحن نهنيه بمولد النبى، صلى الله عليه وسلم، ونتمنى له كل خير ونصر من المولى سبحانه وتعالى».
داعية: كان أرحم الناس بالناس.. ورسالته «رحمة للعالمين»
قالت زينب السعيد، الداعية بوزارة الأوقاف، إن النبى محمدًا هو نبى الإنسانية ورسولها، اصطفاه الله وطيب نسبه، فى وقت انتشرت فيه الرذيلة، جاء من نكاح من خير البيوت والآباء والأمهات، وكان يتقلب فى أصلاب الأطهار الأشراف حتى صار نبيًا، كما قال ابن عباس، فى تفسيره لقوله تعالى: «وتقلبك فى الساجدين».
وأضافت الداعية بوزارة الأوقاف، عن اختيار اسم «محمد» للنبى: «كرمه الله باختيار اسم محمد، ليكون محمودًا فى الأرض وفى السماء»، مشيرة إلى أن من أهداف بعثة النبى غرس مكارم الأخلاق «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ويقول سبحانه «وإنك لعلى خلق عظيم»، فى تعبير عن الإنسانية فى أبهى صورها.
وواصلت: «رسالته جاءت رحمة للعالمين، حيث يقول الحق سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). أما من حيث كونها للناس كافة، فيقول الحق سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا).كما يقول نبينا: (وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ)».
وعما تضمنته الرسالة المحمدية من جوانب الرحمة والإنسانية، وتكريم الإنسان لكونه إنسانًا بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو لغته، قالت الداعية زينب السعيد إن البُعد الإنسانى فى حياة سيدنا رسول الله يظهر فى معاملته لأصحابه وأزواجه وأحفاده والناس أجمعين.
وأضافت أن النبى كان يقول عن سيدنا أبى بكر الصديق، رضى الله عنه: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِى صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ»، وكان يقول عن أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها: «آمَنَتْ بِى إِذْ كَفَرَ بِى النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِى إِذْ كَذَّبَنِى النَّاسُ، وَوَاسَتْنِى بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِى النَّاسُ، وَرَزَقَنِى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِى أَوْلَادَ النِّسَاءِ».
وواصلت: «ظل وفيًّا للسيدة خديجة طوال حياتها، وحتى بعد وفاتها، كان يكرم صديقاتها، ومن كن يأتينه على عهدها، فقد جاءت عجوز إلى بيته صلى الله عليه وسلم فقال لها: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ،كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُالْتُ عائشة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: «ِإنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ».
وأكملت: «كان شديد الحب لأحفاده، شديد الحفاوة والعناية بهم، فعن أبى بكر قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن بن على معه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول: إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، ولما رآه الأقرع بن حابس يُقبل الحسن والحسين، قَالَ: إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ».
وأكدت أن النبى، صلى الله عليه وسلم كان أرحم الناس بالناس، خاصة الأطفال والضعفاء، إذ يقول: «إِنِّى لَأَقُومُ فِى الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِى صَلاَتِى كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ. ويقول: من صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة».
وأضافت أن «النبى علمنا الجود الإنسانى والذوق الراقى فى آنٍ واحد، فقال: لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، ويقول: من تصدق بعَدل تمرة من كسب طيب- ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها، كما يربى أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل».
وأتمت داعية «الأوقاف»: «المتأمل فى سيرة نبينا يعلم أن أخلاقه من أهم وسائل دعوته، وكانوا يسمونه الصادق الأمين. قالت السيدة عائشة: إن خُلق النبى، صلى الله عليه وسلم كان القرآن. وقالت: كان فى مهنة أهل بيته ويساعدهم، كان يخيط ثوبه ويخصف نعله».
عميد «الدعوة الإسلامية» الأسبق: محرمو الاحتفال «مختلون»
قال الدكتور جمال فاروق، العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية، إن مولد نبى الإنسانية، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ذكرى غالية على جميع المسلمين، مؤكدًا أنه «لا يوجد أى سبب شرعى يمنع الاحتفال بمولده، بل إن الاحتفاء والاحتفال به من أعظم الأمور التى تقرب من المولى سبحانه وتعالى».
وأضاف «من يحرم الاحتفال بمولد النبى لديه خلل فى عقيدته، وعليه أن يراجع نفسه، لأن رسولنا الكريم جاء بأعظم رسالة، وهى رسالة التوحيد، والإسلام والدين القويم، فوجب علينا الاحتفاء بذكرى مولده المبارك».
وواصل: «يكون الاحتفال بذكرى النبى بقراءة القرآن، وترديد القصائد التى تمدحه عليه الصلاة والسلام، وغير ذلك من أمور الفرح والسرور به».
نائب رئيس جامعة الأزهر: «إن لم نفرح بمولده فبمن نفرح؟»
وصف الدكتور محمد عبدالمالك، نائب رئيس جامعة الأزهر، مولد النبى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، بأنه يوم تحول عظيم فى تاريخ البشرية، لذا وجب على المسلمين الاحتفال به، لأنه يوم فرحة وبركة ومدد، وذكرى مولد خير البشر أجمعين.
وقال «عبدالمالك»: «الفرح برسول الله جائز، لأنه إذا لم نفرح بمولد رسول الله فبمن سنفرح ونسعد؟» مضيفًا: «لذا على جميع المسلمين فى هذا اليوم أن يسعدوا ويظهروا فرحهم بمولد خير البشر، الذى جاء رحمة للعالمين».
وأضاف نائب رئيس جامعة الأزهر: «هناك من يقيم حفلات الإنشاد والمديح، وغير ذلك من الأمور، وهذا كله جائز فى إطار الاعتدال، وعدم الخروج عن الطريقة الصحيحة».
مفتى كاليفورنيا: سُنة حسنة وعادة إسلامية لها أدلة شرعية
قال الدكتور بلال الحلاق، مفتى كاليفورنيا: «فى شهر ربيع الأول تمرُ علينا ذكرى مولد النبىّ، صلى الله عليه وسلم، ولقد كانَ مولده يومًا تاريخيًا من أيام الله التى منً بها على البشرية بالرحمة المهداة، محمد، صلى الله عليه وسلم، ومبعثه كان فجرًا بَدّدَ اللهُ به الظلمات، وهدى الله به من الضلالة، وعلمَّ به من الجهالة، وأرشد به من الغَواية».
وأضاف «لقد كان العرب يعيشونَ قبل مولده، صلى الله عليه وسلم، وبعثته، جاهلية جهلاء فى مدلهمة ظلماء مظلمة، كانوا يعبدون الأصنام ويستقسمون بالأزلام، جهلٌ وكفرٌ، عَربَدةٌ وسُكرٌ، ظلوا على هذه الحَال إلى أنَ أذن الله سبحانه بخروج النبىّ، صلى الله عليه وسلم، فغيرَّ الله بالنبى الحال وعمّتْ بركاته العرب وغيرهم».
وأكد أن الاحتفال بمولد النبى، صلى الله عليه وسلم، عادةُ للمسلمين يفرحونَ بمولده ويشكرونَ الله بأنواع من العبادات والقربات إلى الله تعالى، شكرًا على نعمة بروز النبى، صلى الله عليه وسلم.
وتابع «فى مولد، النبى صلى الله عليه وسلم، انقسمَ الناس إلى طرفى نقيض، طائفة أخذت بالكتاب والسنة واستدلت بالأحاديث الواردة عنه عليه الصلاة والسلام، مما يَدل على جواز ذلك وأنه من البدع الحسنة الممدوحة التى وافقَ عليها علماء المسلمين على مختلف أزمانهم ومذاهبهم، وأمّا الطائفة الأخرى وهى التى علا صوتها بالاحتفال والفرح بالملوك والأوطان بل بمولد مشايخها!!، وحَرمَتْ ومَنعَتْ وعنَفّتْ من يحتفل بمولد خير الخَلق، مُدعية أنَّ هذا من البدع وذلكَ بغير دليل ولا برهان ولاحجة».
واستطرد «لأجل ذلكَ أسرُد أدلة أهل السُنَّة فى جواز الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، فالاحتفال بمولد رسول الله هو من البدع الحسنة، وأولُ من أحدثهُ مَلكُ إربل، وكانَ عالمًا تقيًا شجاعًا يقال له المُظفَر، وذلك فى أوائل القرن السابع للهجرة، وجَمعَ لهذا كثيرًا من العلماء، فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين، فاستحسنّ ذلك العمل العلماء فى مشارق الأرض ومغاربها، حتى إنّ الحافظ ابن دَحيَة قدِمَ من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجدَ مَلكهُا يعتنى بالمولد فعمِلَ له كتاب (التنوير فى مولدِ البشير النذير)».
وأردف «توالى الحُفّاظ على التأليف فى قصة المولد، فألف شيخُ الحفاظ العراقى كتابًا فى المولد سَماه (المَورد الهَنى فى مَولدِ النبى)، فالعلماء والفقهاء والمحدثون والصوفية الصادقون، كالحافظ العسقلانى والحافظ السخّاوى والحافظ السيوطى وغيرهم كثير، حتى علماء الأزهر كمفتى الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المُطيعى، وحتى علماء لبنان كمفتى بيروت السابق الشيخ مصطفى نجا، رحمه الله، استحسنوا هذا الأمر، واعتبروه من البدع الحسنة، فلا وجهَ لإنكاره، بل هوَّ جديرٌ بأنّ يُسمَى سنة حَسنة، لأنه من جملة ما شمله قول رسول الله: من سَنَّ فى الإسلام سُنة حسنة فلهُ أجرُها وأجرُ من عَمِلَ بها من بَعده لا يَنقصُ من أجورهم شيئًا».
وأشار إلى أن الحافظ العسقلانى استخرج لعمل المولد أصلًا من السُنّة النبوية المطهرة، واستخرج الحافظ السيوطى أصلًا ثانيًا، مضيفًا «لا يجوز أن يقال: كل شىء لم يفعلهُ رسول الله سَواء وافقَ شرعَهُ أم خالفهُ فهوَّ مردود، لا، بل لا بُدَّ منَ التفصيل، لذا قالَ الإمامُ المُجتهد مجدد القرن الثانى الهجرى محمد بن إدريس الشافعى، رضى الله عنه: المُحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أُحدِثَّ مما يُخالفُ كتابًا أو سُنة أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة، والثانية ما أحدِثَ منَّ الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه مُحدَثة غير مذمومة».
وواصل «معنى هذا أنَّ هناك أمورًا أُحدِثت توافقُ الكتاب أو السُنّة أو الأثر أو الإجماع فهى بدعة حسنة، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بعد أن جَمَعَ النّاس على صلاة التراويح على إمامٍ واحد نعمت البدعَة هذِه».
ونوه إلى أنه من البدع الحسنة تنقيطُ المصاحف، وقال «كانَ الصحابة الذين كتبوا الوحى الذى أملاهُ عليهم الرسول يكتبون الباء والتاءَ ونحوهما بلا نَقْط، حتى عثمان رضى الله عنه لمّا كتبَ ستة مصاحف وأرسلها إلى الآفاق واحتفَظَ لنفسه بنسخة كانت غيرَ منقوطة، إنمّا أول من نَقَطَ المصاحف رجلٌ من التابعين من أهل العلم والفضل والتقوى يقال له يحى بن يَعمر، وهوَ أول من وضع حركات الإعراب، وأمّا أول من فعّل الهمزة والشدة فى المصحف هو الإمام الحسن البصرى، التابعى الجليل، ومع ذلك العلماء ما أنكروا ذلك، بل اعتبروا ذلك بدعة حسنة. فهل يقال هذا لم يكن فى عهد رسول الله تعالوا اكشطوا ذلك من المصاحف اليوم؟».