تقنية جديدة لقياس النشاط الدماغى للأطفال الرُضّع
كشفت دراسة جديدة، أجراها باحثون في جامعة لندن، عن تقنية جديدة لقياس النشاط الدماغي للأطفال الرُضع، حيث قدمت هذه التقنية، التي تستخدم الموجات الضوئية غير الضارة لقياس النشاط في أدمغة الأطفال، الصورة الأكثر اكتمالًا حتى الآن لوظائف الدماغ، مثل السمع والرؤية والمعالجة المعرفية خارج ماسح الدماغ التقليدي المقيد.
وحسب الدراسة، وجد جهاز تصوير الدماغ القابل للارتداء، والذي تم تطويره بالتعاون مع مختبرات "Gowerlabs" التابعة لجامعة لندن، نشاطًا غير متوقع في القشرة الجبهية، وهي منطقة من الدماغ تعالج العواطف، استجابة للمحفزات الاجتماعية، ما يؤكد أن الأطفال يبدأون في معالجة ما يحدث لهم من مواقف اجتماعية في وقت مبكر يصل إلى خمسة أشهر من العمر.
ويمكن لهذه التقنية الأحدث قياس النشاط العصبي عبر السطح الخارجي الكامل لدماغ الطفل، علما بأن النسخة السابقة التي طورها نفس الفريق لم تتمكن من قياس النشاط إلا في جزء أو جزءين من دماغ الطفل في المرة الواحدة.
وقال الباحثون إن هذه التقنية قد تساعد في رسم خريطة الاتصالات بين مناطق الدماغ المختلفة، وتحديد ما يميز النمو العصبي النموذجي وغير النموذجي في المراحل المبكرة الحاسمة من الطفولة، وتسليط الضوء على ظروف التنوع العصبي مثل التوحد وعسر القراءة واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
من جانبه، قال الدكتور ليام كولينز جونز، المؤلف الأول للدراسة من قسم الفيزياء الطبية والهندسة الطبية الحيوية بجامعة لندن وجامعة كامبريدج: "طورنا سابقًا نهجًا للتصوير يمكنه رسم خريطة للنشاط في مناطق معينة من الدماغ، لكن هذا جعل من الصعب الحصول على صورة كاملة، حيث لم نتمكن إلا من التركيز على منطقة أو منطقتين بمعزل عن بعضهما البعض، بينما في الواقع تعمل أجزاء مختلفة من الدماغ معًا عند التنقل في سيناريوهات العالم الحقيقي".
وأضاف: "تسمح لنا الطريقة الجديدة بمراقبة ما يحدث عبر السطح الخارجي للدماغ بالكامل، والذي يقع تحت فروة الرأس، وهي خطوة كبيرة إلى الأمام، كونها تفتح إمكانات لتحديد التفاعلات بين مناطق مختلفة واكتشاف النشاط في مناطق ربما لم نكن نعرفها من قبل".
وتابع: "هذه الصورة الأكثر اكتمالًا لنشاط الدماغ يمكن أن تعزز فهمنا لكيفية عمل دماغ الطفل أثناء تفاعله مع العالم المحيط، ما قد يساعدنا في تحسين الدعم للأطفال المتنوعين عصبيًا في وقت مبكر من الحياة".
وقالت الأستاذة إميلي جونز، مؤلفة الدراسة من كلية بيركبيك، جامعة لندن: "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها قياس الاختلافات في النشاط عبر هذه المنطقة الواسعة من الدماغ لدى الأطفال باستخدام جهاز يمكن ارتداؤه، بما في ذلك أجزاء الدماغ المشاركة في معالجة الصوت والرؤية والعواطف".
وأضافت أن "التكنولوجيا التي تم تطويرها واختبارها في هذه الدراسة تشكل حجر الأساس نحو فهم أفضل للعمليات الدماغية التي تشكل أساس التطور الاجتماعي، والتي لم نتمكن من مراقبتها من قبل، خارج الحدود المقيدة للغاية لجهاز التصوير بالرنين المغناطيسي".
وتابعت: "بفضل هذا يجب أن نكون قادرين على رؤية ما يحدث في أدمغة الأطفال أثناء لعبهم وتعلمهم وتفاعلهم مع الآخرين بطريقة طبيعية للغاية".
وأشارت الدراسة إلى أنه تم اختبار الجهاز الجديد على ستة عشر طفلًا تتراوح أعمارهم بين خمسة وسبعة أشهر، وأثناء ارتداء الجهاز جلس الأطفال في حضن والديهم، وعرض مقاطع فيديو لممثلين يغنون أغاني الأطفال لمحاكاة سيناريو اجتماعي، ومقاطع فيديو لألعاب متحركة، مثل كرة تتدحرج على منحدر، لمحاكاة سيناريو غير اجتماعي.
ولاحظ الباحثون اختلافات في نشاط الدماغ بين السيناريوهين، فبالإضافة إلى النتائج غير المتوقعة في القشرة الجبهية الأمامية التي لوحظ استجابتها للمحفزات الاجتماعية. وجد الباحثون أن النشاط كان أكثر توطينًا استجابة للمحفزات الاجتماعية مقارنة بالمحفزات غير الاجتماعية، ما يؤكد النتائج السابقة من التصوير العصبي البصري ودراسات التصوير بالرنين المغناطيسي.
وحاليًا، الطريقة الأكثر شمولًا لمعرفة ما يحدث في الدماغ البشري هي التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، والذي يتضمن استلقاء الشخص ساكنًا داخل الماسح الضوئي لمدة 30 دقيقة أو أكثر.
والعيب في هذا النهج هو أنه من الصعب محاكاة السيناريوهات الطبيعية، مثل التفاعل مع شخص آخر أو أداء مهمة، خاصة مع الرضع الذين قد يحتاجون إلى النوم أو التقييد حتى يتمكن التصوير بالرنين المغناطيسي من تصوير نشاط أدمغتهم بنجاح.
وللتغلب على هذه المشكلة، استخدم فريق الباحثين في السنوات الأخيرة شكلًا من أشكال التصوير العصبي البصري، يسمى التصوير المقطعي البصري عالي الكثافة (HD-DOT)، لتطوير أجهزة يمكن ارتداؤها قادرة على دراسة نشاط الدماغ بشكل أكثر طبيعية، كما تتمتع هذه التكنولوجيا بفائدة كونها أرخص وأكثر قابلية للحمل من التصوير بالرنين المغناطيسي.
وفي الدراسة الجديدة، طور الباحثون طريقة التصوير العصبي البصري "HD-DOT" القادرة على مسح رأس الرضيع بالكامل.