رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبراء يضعون خارطة حماية المحاصيل الزراعية من تأثيرات التغيرات المناخية

المحاصيل الزراعية
المحاصيل الزراعية

فى ظل التحولات العالمية التى يفرضها تغير المناخ، وتوابعه المتزايدة على القطاع الزراعى، تعمل مصر بجد على مواجهة هذه التحديات لضمان الأمن الغذائى والاستدامة الاقتصادية، مع تزايد النمو السكانى وتقلص الموارد المائية. وتواجه الزراعة المصرية تحديات كبيرة تؤثر على إنتاجية المحاصيل وعلى استقرار الأمن الغذائى الوطنى، إلا أن الحكومة المصرية اتخذت خطوات استراتيجية لتعزيز الزراعة من خلال استصلاح الأراضى، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتبنى أصناف جديدة من المحاصيل المتوافقة مع الظروف المناخية المتغيرة.

يأتى اهتمام الحكومة بتأمين قطاع الزراعة من كونه إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المصرى، وأداة حيوية لتحقيق الأمن الغذائى، ما يتطلب معه مواجهة شاملة لتحديات التغيرات المناخية وزيادة الضغط على الموارد الطبيعية. ومن هنا تعمل الحكومة على تعزيز الاستراتيجيات الزراعية وتطوير حلول مستدامة لضمان توفير الغذاء، فى ظل تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار وزيادة معدلات التبخر، وهى العوامل التى تؤثر بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل، وتجعل من الضرورى تبنى تقنيات جديدة فى محاصيل أساسية مثل القمح، أو الفول البلدى، والبنجر، وقصب السكر، والقطن والأرز.

فى السطور التالية يتحدث عدد من الخبراء فى المجال الزراعى، لـ«الدستور»، حول الإجراءات التى اتخذتها الحكومة، ممثلة فى وزارة الزراعة، لتأمين القطاع، ومقترحاتهم لتطوير طرق الزراعة والرى وحماية المحاصيل من التغيرات المناخية.

 

محمد فهيم:  زيادة الإنتاجية الرأسية عبر زراعة أصناف محصولية قصيرة العمر

 

قال الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز تغير المناخ بوزارة الزراعة، إن مصر تواجه، كغيرها من دول العالم، تحديات كبيرة جراء التغيرات المناخية التى تؤثر على قطاع الزراعة. هذا القطاع الحيوى يعتمد عليه ملايين المصريين، ومع تغير الفصول الموسمية واختلاف مواعيدها أصبح التأثير على المحاصيل الزراعية ونمط الزراعة واضحًا، وهذه التغيرات تتسبب فى تراجع الإنتاجية أحيانًا، ما ينعكس على الأمن الغذائى الوطنى.

وأوضح «فهيم» أن تأثيرات التغير المناخى على الزراعة تتزايد مع تقلب الظروف الجوية، ما يؤثر بشكل مباشر على جودة وكميات المحاصيل المزروعة، مشيرًا إلى أنه لا تقتصر هذه التأثيرات على الزراعة فحسب، بل تشمل أيضًا الأنشطة المتعلقة بها، مثل إدارة الموارد المائية والتربة، الأمر الذى يزيد من تعقيد مهمة الحفاظ على استقرار الإنتاج الزراعى.

وأشار إلى أن الحكومة المصرية تسعى جاهدة لمواجهة هذه التحديات عبر مجموعة من الإجراءات الاستراتيجية التى تهدف إلى تعزيز القطاع الزراعى، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات تشمل تطوير البنية التحتية الزراعية واستصلاح المزيد من الأراضى لزيادة الرقعة الزراعية، للتعويض عن أى نقص محتمل فى الإنتاج.

ولفت إلى أنه يتم التركيز على زيادة الإنتاجية الرأسية من خلال زراعة أصناف محصولية قصيرة العمر ومقاومة للتغيرات المناخية، ما يسهم فى تقليل الفاقد وتعزيز الاستدامة. ومن أبرز الجهود التى نفذتها الدولة المصرية فى هذا الإطار مشروعات ضخمة لمعالجة مياه الصرف الزراعى، ما أتاح توفير مصادر غير تقليدية للمياه، وهذه المشاريع تأتى ضمن خطة أوسع لتأمين الموارد المائية فى ظل تهديدات ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات التبخر، مع توجيه هذه الجهود نحو المحافظات الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، مثل محافظات الدلتا.

وشدد على أهمية التعاون الدولى لمواجهة هذه التحديات، حيث تسعى مصر للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والخبرات الدولية عبر شراكات استراتيجية وبرامج تمويل دولية لدعم المشروعات الزراعية التى تسهم فى تحسين الإنتاجية وتكيف الزراعة مع الظروف المناخية المتغيرة.

وفيما يخص التوجهات المستقبلية، أكد «فهيم» ضرورة توطين ثقافة تغير المناخ بين مختلف الأطراف الفاعلة فى القطاع الزراعى، بدءًا من المزارعين ووصولًا إلى صناع القرار، لافتًا إلى أن هذه الثقافة ستسهم فى إعادة هيكلة الخريطة الزراعية بالكامل، ما يشمل تعديل التراكيب المحصولية، واختيار الأصناف الأنسب للتغيرات المناخية، بالإضافة إلى تطوير المبيدات والأسمدة لضمان توافقها مع التحديات الجديدة. 

وشدد على أن الاعتماد على العلم والمعرفة بات أمرًا ضروريًا فى اتخاذ القرارات الزراعية، إذ إن الخبرة وحدها لم تعد كافية فى ظل هذه الظروف، لافتًا إلى أهمية تطوير استراتيجيات علمية مبنية على البحث والتجارب، لضمان استمرار الإنتاج الزراعى رغم التقلبات المناخية.\

 

إبراهيم عبدالهادى: توفير التقاوى بأسعار مناسبة.. وتقديم الإرشادات اللازمة 

 

أكد الدكتور إبراهيم عبدالهادى، رئيس قسم القمح بالوزارة، أن هناك جهودًا حثيثة لتطوير أصناف جديدة من القمح تستطيع تحمل درجات الحرارة المرتفعة، ما سيسهم فى زيادة الإنتاجية وتحقيق الأمن الغذائى.

وأضاف أن الأصناف الجديدة من القمح التى تم تطويرها فى مصر بمثابة خطوة مهمة نحو مواجهة التغيرات المناخية، مشيرًا إلى أنه من بين هذه الأصناف نجد «مصر ٤» و«سخا ٩٦» و«سدس ١٥»، وهى أصناف تتميز بإنتاجيتها العالية وقدرتها على تحمل الظروف المناخية الصعبة، خاصة قبل الحصاد، لافتًا إلى أن هذا التطوير يأتى فى وقت حرج، حيث يعانى المزارعون من تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، ما يؤثر على جودة وكمية المحصول. وأشار إلى أن وزارة الزراعة تعمل على تنفيذ مجموعة من التوصيات والإرشادات للمزارعين فى مختلف القرى المصرية، لافتًا إلى أنه يتم تنظيم ندوات تعليمية لتوعية الفلاحين بأفضل الممارسات الزراعية وكيفية التعامل مع التغيرات المناخية، وتشمل هذه التوصيات استخدام تقنيات الزراعة الحديثة، وتحسين إدارة الموارد المائية، وزيادة كفاءة استخدام الأسمدة والمبيدات. وأضاف أن الوزارة تسعى أيضًا إلى توفير التقاوى والمبيدات بأسعار مناسبة للمزارعين، ما يسهل عليهم الحصول على مستلزمات الإنتاج، ويتم توزيع هذه التقاوى والمبيدات من خلال الجمعيات الزراعية، ويقدم الفنيون المتخصصون الإرشادات اللازمة للمزارعين لضمان تحقيق أعلى إنتاجية ممكنة، مشيرًا إلى أن هذه الجهود تهدف إلى تعزيز قدرة الفلاحين على مواجهة التحديات المناخية وتحسين مستويات إنتاجهم.

وأشار إلى أهمية تحديد سعر استرشادى للقمح فى الفترة المقبلة، وسيتم بالفعل تحديد سعر القمح أسوة ببعض المحاصيل الأخرى، مثل البنجر وقصب السكر، وهذا الإجراء يهدف إلى تشجيع الفلاحين على زيادة إنتاجيتهم وزيادة المساحات المزروعة.

وبيّن أن المساحة المزروعة بالقمح بلغت نحو ٣.٢٥ مليون فدان، ومن المتوقع أن تصل فى الموسم المقبل إلى ٣.٥ مليون فدان، نتيجة لزيادة الرقعة الزراعية سنويًا بمعدل يتراوح بين ٢٠٠ و٢٥٠ ألف فدان، نتيجة للتوسع فى الأراضى الجديدة «الدلتا وشرق العوينات والوادى وتوشكى».

وأشار إلى أن مصر تعتبر من أكبر الدول المستهلكة للحبوب، حيث يبلغ استهلاكها من القمح نحو ٢٠ مليون طن سنويًا، بينما تنتج نحو ١٠ ملايين طن فقط، وهذا الفارق الكبير بين الإنتاج والاستهلاك يجعل مصر تعتمد على استيراد كميات إضافية من القمح لتلبية احتياجاتها، لافتًا إلى أن تعزيز الإنتاج المحلى من القمح يعتبر خطوة استراتيجية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى وتقليل الاعتماد على الواردات.

وأضاف أنه يتم دعم الفلاح من خلال استخدام تقنيات الزراعة المستدامة، ما يساعده على تحقيق إنتاجية أعلى مع تقليل التكاليف، كما يتم التركيز على أهمية البحث العلمى والتطوير الزراعى، حيث يتم التعاون مع العلماء والباحثين لتطوير أصناف جديدة من المحاصيل تتناسب مع الظروف المناخية المتغيرة.

 

مصطفى عطية: استخدام المبيدات بطريقة صحيحة لضمان تحقيق نتائج إيجابية

 

ذكر الدكتور مصطفى عطية، رئيس معهد القطن بوزارة الزراعة، أن التغيرات المناخية تسببت فى ظهور آفات زراعية جديدة، مشيرًا إلى أنه فى السنوات الماضية كانت بعض الآفات تظهر بشكل سنوى محدود، لكن مع التغيرات المناخية تحولت هذه الآفات إلى مشاكل أساسية تواجه محصول القطن.

ولفت إلى أنه من بين هذه الآفات الذبابة البيضاء والمن والعنكبوت الأحمر، التى أصبحت تشكل تهديدًا أكبر بسبب ظهور سلالات جديدة منها لم تكن موجودة من قبل، ما أدى إلى زيادة فى عدد الآفات وشراستها، ما أثر سلبًا على المحصول.

وبيّن أن السبب الرئيسى فى انتشار هذه الآفات بشكل غير مسبوق يعود إلى أن المزارعين لم يكونوا يكتشفون الإصابة فى الوقت المناسب ما أدى إلى تفاقم المشكلة، ومن أجل مواجهة هذه التحديات نشر معهد القطن التوصيات الفنية المناسبة ووزعها على المزارعين لضمان استخدام المبيدات بشكل صحيح وفى التوقيت المناسب، ما يسهم فى تقليل الخسائر والحد من انتشار الآفات.

وقال «عطية» إن المبيدات المستخدمة يجب أن تُطبق بطريقة صحيحة لضمان تحقيق نتائج إيجابية، دون التأثير السلبى على النباتات أو الحشرات النافعة التى تلعب دورًا مهمًا فى النظام البيئى الزراعى.

 

علاء عزمى:  استنباط أصناف جديدة من الفول تتميز بالإنتاجية العالية ومقاومة الأمراض واحتياج كميات أقل من المياه

 

شدد الدكتور علاء عزمى، أستاذ بمعهد بحوث المحاصيل البقولية بوزارة الزراعة، على أن الهدف الأساسى من الاستراتيجية التى تتبناها الدولة تعزيز الإنتاج الكلى من الفول البلدى، عن طريق توسيع المساحات المزروعة، خاصة مع التغيرات المناخية التى لها تأثير مباشر على عدد كبير من الزراعات.

وأضاف أن الخطة تعتمد على استغلال الموارد المائية المتاحة بشكل فعال لتحقيق التوسع الزراعى المطلوب، مشيرًا إلى أن هذا التوسع يتماشى مع رؤية الدولة طويلة الأجل التى تسعى إلى استصلاح ١.٥ مليون فدان من الأراضى الجديدة، ما يزيد من إمكانات زراعة المحاصيل الأساسية مثل الفول البلدى.

وأشار إلى أنه ما زالت زراعة الفول البلدى فى مصر تواجه تحديات عديدة أثرت على إنتاجه فى السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال كانت المساحة المزروعة بالفول فى الثمانينيات تصل إلى نحو ٣٦٠ ألف فدان، لكنها تقلصت بشكل كبير إلى نحو ١٢٥ ألف فدان فقط فى موسم ٢٠٢٣/٢٠٢٤.

وقدم الدكتور عزمى عدة حلول مقترحة للنهوض بزراعة الفول البلدى، من بينها التوسع الأفقى فى الزراعة عبر زراعة الفول فى الأراضى الجديدة والمستصلحة، مشيرًا إلى أن التوسع الرأسى أيضًا يعتبر خيارًا مهمًا لزيادة الإنتاجية، من خلال استنباط أصناف جديدة من الفول تتميز بمقاومتها للأمراض واحتياجها إلى كميات أقل من المياه، ومقاومة التغيرات المناخية، ومن بين هذه الأصناف «جيزة ٧١٦» و«سخا ١» و«نوبارية ١»، التى تتناسب مع الظروف الزراعية المصرية وتتميز بإنتاجية عالية.

كما أكد ضرورة تفعيل نظام الزراعة التعاقدية كأحد الحلول المهمة، وهذا النظام يضمن للمزارعين أسعارًا ثابتة وعادلة لمحاصيلهم، ما يشجعهم على الاستمرار فى زراعة الفول البلدى وتوسيع المساحات المزروعة.

 

مصطفى عبدالجواد: وضع أسعار استرشادية عادلة وتوفير الدعم اللوجستى ضرورى لتشجيع الفلاحين على زراعة البنجر

 

قال الدكتور مصطفى عبدالجواد، رئيس قسم المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة، إن محصولى البنجر وقصب السكر يعدان من المحاصيل الاستراتيجية المهمة لمصر، مضيفًا أن هذه المحاصيل تتميز بقدرتها العالية على التكيف مع التغيرات المناخية، حيث تتم زراعتها فى توقيت مناسب يتيح لها تحقيق أقصى إنتاجية دون تأثر كبير بتغيرات الطقس. ولفت إلى أن المحاصيل السكرية لا تواجه تحديات جوهرية فيما يتعلق بتقلبات المناخ، ما يجعلها أحد العناصر الأساسية فى توفير الأمن الغذائى والاقتصادى للبلاد. وكشف عن أن البنجر وقصب السكر من المحاصيل التى تستطيع مواجهة التغيرات المناخية نظرًا لظروف زراعتها فى أوقات مناسبة لها والتكيف مع التقلبات المناخية، مشيرًا إلى أن هناك زيادة ملحوظة فى مساحة زراعة البنجر هذا العام.

وأرجع ذلك إلى وضع الحكومة سعرًا استرشاديًا مشجعًا للفلاحين، ما أدى إلى زيادة الإقبال على زراعته، وهذا السعر الاسترشادى خطوة مهمة لدعم المزارعين وتشجيعهم على زيادة الإنتاجية وتحسين دخلهم، خصوصًا فى ظل التحديات الاقتصادية الحالية، متوقعًا أن تؤدى هذه الزيادة فى المساحات إلى ارتفاع إنتاجية البنجر، ما يعزز إنتاج السكر المحلى ويقلل من الحاجة إلى استيراده.

وتابع أن هناك زيادة فى المساحات المزروعة بقصب السكر هذا العام، مشيرًا إلى أن مساحة زراعة قصب السكر تبلغ حاليًا نحو ٣١٠ آلاف فدان، ومن المتوقع أن تصل إلى ٣٥٠ ألف فدان بحلول العام المقبل. ولفت إلى أن تأثير هذه الزيادة لن يكون ملموسًا بشكل كامل حتى عام ٢٠٢٥، نظرًا لتأخر الإعلان عن الأسعار الاسترشادية للبنجر بعد بدء موسم الزراعة، مشيرًا إلى أن هذه الأسعار تلعب دورًا كبيرًا فى تحديد مستويات الإنتاج، حيث تشجع المزارعين على التوسع فى زراعة المحاصيل بناءً على الأسعار التى تعلنها الحكومة. وفيما يتعلق بمخزون السكر، كشف عن أن مصر لديها مخزون آمن من السكر يكفى لتلبية احتياجات السوق المحلية حتى الموسم المقبل، ما يوفر حالة من الاستقرار فى الأسواق ويحمى المواطنين من أى ارتفاعات محتملة فى أسعاره، مشيرًا إلى أن هذا المخزون الاستراتيجى يعتبر أحد العوامل الرئيسية التى تضمن استقرار إمدادات السكر فى البلاد، حتى فى حال حدوث أى تقلبات فى الإنتاج المحلى أو الأسعار العالمية. وشدد «عبدالجواد» على أهمية استمرار الدعم الحكومى للمزارعين من خلال تقديم أسعار استرشادية عادلة، وتوفير الدعم الفنى واللوجستى اللازم لزيادة إنتاجية المحاصيل السكرية، لافتًا إلى أن زيادة مساحات زراعة البنجر وقصب السكر تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الاكتفاء الذاتى من السكر، ما يسهم فى تقليل الاعتماد على الواردات ويعزز الأمن الغذائى لمصر.