رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خناقة ترامب وفرقة أغانى

 

فرقة الأغانى السويدية الشهيرة «آبا»، التى طالما أبهجتنا إيقاعاتها وألحانها ما إن سطعت عام ١٩٧٢، دخلت فى خناقة جامدة مع الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، والسبب أن ترامب فى حملته الدعائية الحالية للوصول إلى الرئاسة استخدم فى الدعاية لنفسه مقاطع من أغانى الفرقة الرائجة مثل أغنية «الفائز يحصل على كل شىء» خلال تجمع جماهيرى لكسب الأنصار، وأذاع مقاطع أخرى من الأغنية الأشهر «مونى مونى» وغيرها، وأشارت الفرقة العالمية إلى أنها لم تمنح ترامب، ولا حملته الانتخابية، تصريحًا باستخدام موسيقى الفرقة. علمًا بأن القانون فى أمريكا ينص على الحصول على ترخيص رسمى من «هيئة الحقوق الموسيقية» قبل استخدام أى أغانٍ لأى غرض. 

لكن ترامب، البالغ من العمر ٧٨ عامًا، ومن الحماقة نحو ثلاثة قرون، لا يبالى إلا بقانون واحد هو أن يصل للرئاسة مرة أخرى، بعد فترته التى انقضت ما بين ٢٠١٧ و٢٠٢١ الحافلة بالكوارث السياسية، ومنها اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وانسحابه من اتفاقية باريس لحماية المناخ وغير ذلك. 

الفرقة الموسيقية التى ما زال اسمها يتردد مقترنًا بأجمل الأغانى عبّرت عن استيائها الشديد من الاستخدام السياسى لأغانيها وطالبت بوقف الاستغلال الفنى لأعمالها. إلا أن اعتماد الموسيقى وسيلة فى خدمة السياسة أقدم بكثير من الخناقة الحالية، وبصدد تأثير الموسيقى الضخم وامتداده إلى السياسة كتب أفلاطون فى جمهوريته الفاضلة يقول: «دائمًا ما تتغير القوانين الرئيسية للدولة مع تغير أنواع الموسيقى»، وأضاف بضرورة استعمال الموسيقى «فى خدمة الدولة كسائر الفنون الأخرى»، لذلك ومنذ بزوغ الحضارة والفنون لم تفلت الأغانى من الاستعمال السياسى. 

وفى تاريخنا المصرى أمثلة لا تعد فى ذلك المجال، منها أغنية أم كلثوم «يا ليلة العيد» التى تضمنت الشطرة: «يوم ميلاد المليك.. شعب مصر يفتديك.. يعيش فاروق ويتهنى.. ونحيى له ليالى العيد»، وغنتها أمام الملك عام ١٩٣٩ بملعب نادى الأهلى فمنحها الملك وسام الكمال، لكنها حذفت بعد ثورة يوليو كل ما يخص الملك من حفلاتها ومن التسجيلات. ثورة يوليو أيضًا استخدمت الأغانى بقوة، خاصة بحنجرة الجميل عبدالحليم حافظ لتوسيع نطاق التأييد الشعبى للثورة، وكان عدد غير قليل منها يشتمل مباشرة على اسم الزعيم جمال عبدالناصر. 

فى الاتحاد السوفيتى لم تكن الأغانى السياسية تتضمن اسم زعيم، إنما تمرير أيديولوجية الدولة، ومن الطريف أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان بأمريكا مجلس يدعى «مجلس الاستراتيجية المعنوية» تابع للمخابرات الأمريكية، كانت إحدى مهامه الإشراف على نشر وبث الأغانى القومية، أما فى الكونغو الديمقراطية فظهر نوع من الأغانى يسمى «ليبانجا» مختص بتمجيد وتعظيم قادة البلاد. 

على الجانب الآخر كان هناك الاستخدام السياسى المضاد للأغنية التى لا تتطلع إلى القادة والرؤساء بل إلى شن الهجوم عليهم، بدءًا من أغانى بديع خيرى عن ثورة ١٩، وتحياته المرسلة لزعيم الثورة سعد زغلول، حتى قصائد بيرم التونسى الشهيرة «ولما عدمنا بمصر الملوك.. جابوك الإنجليز يا فؤاد قعدوك.. على العرش تمثل دور الملوك.. وفين يلقوا مجرم نظيرك ودون»، وفى الستينيات ظهرت أزجال أحمد فؤاد نجم مُلحنة ومُغناة بصوت الشيخ إمام من غير أن تترك صغيرة أو كبيرة فى الشأن السياسى. لا يفلت الفن من السياسة، لكن كل ما تطالب به فرقة «آبا» أن يكون ذلك بتصريح لتحصل على حق الأداء العلنى فى حملات دونالد ترامب الانتخابية، لأن الفن مش ببلاش.