التفاصيل الكاملة لـجلسة الصلح بين زكي نجيب محمود ومحمد الغزالي.. مصطفى عبدالله يكشف
"أعتبر نفسي محظوظًا لأنني كنت قريبًا من قلب "الدكتور زكي نجيب محمود" وعقله، فكان يستقبلني في شقته المطلة على كوبري الجامعة بالجيزة، ويرحب بي أيما ترحيب، هو وزوجته الأستاذة "الدكتورة منيرة حلمي"، شقيقة الكاتبة "سعاد حلمي" رئيس تحرير مجلة "حواء"، آنذاك.
كنت أجلس إليه مجلس الطالب من شيخه، وأنا أحاوره لأتعرف على آرائه في أهم القضايا الفكرية والثقافية والأدبية، بل وفي القضايا العامة التي تشغل الساحة، وأود أن أنقل حكمه عليها لقراء صفحة "أخبار الأدب" بجريدة "الأخبار" في عِزّ مجدها، عندما كانت "الأخبار" توزِّع في يوم "الأربعاء" نحو 750 ألف نسخة، في حين كانت توزع يوم "الأحد" مليون نسخة، ويوم "السبت" مليون وربع المليون، توزعها "أخبار اليوم"، جريدتنا الأسبوعية.
وقد حرص "الدكتور زكي نجيب محمود" على أن يستدعيني ذات صباح لكي أشهد جلسة الصلح التي ستتم في داره، بعد أقل من ساعتين، بينه و"الشيخ محمد الغزالي" بوساطة "الناشر محمد المعلم" صاحب "دار الشروق"، وبحضوره؛ هو وابنه "المهندس إبراهيم". ولا تزال صورة هذا اللقاء محفورة في ذاكرتي.
وقد عَرَضَ عليّ "المهندس إبراهيم المعلم" ذات يوم أن ينشر لي كتابًا يوثق ما جرى في ذلك اللقاء التاريخي، إلا أنني لم أتمكن من ذلك حتى اليوم".
بهذه الكلمات استعاد الكاتب الصحفي مصطفى عبدالله بعضًا من كواليس لقاء المفكر الكبير وأستاذ الفلسفة الدكتور زكي نجيب محمود (1 فبراير 1905م - 8 سبتمبر 1993م) بالداعية الإسلامي الشيخ محمد الغزالي (22 سبتمبر 1917م - 9 مارس 1996م)؛ وذلك بعد سجال دار على صفحات الصحف بين المفكر من جهة، والداعية من الجهة الأخرى، وتطور بموقف الشيخ الغزالي من كتاب زكي نجيب محمود "خرافة الميتافيزيقا" في طبعته الأولى؛ والذي تغير عنوانه في الطبعات اللاحقة إلى "موقف من الميتافيزيقا".
وفي الوقت نفسه، لم تكن معركة الشيخ محمد الغزالي مع المفكر المصري الكبير الدكتور زكي نجيب محمود هى الأولى؛ بل كانت له معاركه مع كبار الأدباء والمفكرين في مصر؛ ومنها خلافه الشهير مع الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ، ومع الشاعر الكبير صلاح جاهين، ومع المفكر الكبير وشهيد الكلمة الدكتور فرج فودة.
مصطفى عبدالله يستعيد ما دار في كواليس جلسة الصلح
في حديثه لـ"الدستور"، فيذكر أن اللقاء كان لمناقشة وتسوية الخلاف بين زكي نجيب محمود الرجل العلماني الذي كان متزنًا للغاية في منهج تفكيره المنتمي إلى "الوضعية المنطقية"، والشيخ محمد الغزالي الذي غضب من مقولاته فكانت القطيعة الطويلة بينهما، وكان من الطبيعي أن يسعى ناشرهما محمد المعلم للصلح بينهما.
وعندما لمس الشيخ الغزالي أن لدى الدكتور زكي رغبة في أن يستقبله في بيته تحقق هذا اللقاء.
مصطفى عبدالله؛ يتابع حديثه عن جلسة الصلح بين أستاذ الفلسفة، والشيخ التي استمرت نحو الساعة في منزل الدكتور زكي المطل على كوبرى الجامعة؛ حيث يظهر في الصورة الدكتور زكي نجيب وإلى جانبه الشيخ الغزالي الذي سعى للصلح والاقتراب وإلى يمين الدكتور زكي نجيب يقف مصطفى عبدالله وإلى يمينه صاحبة البيت الأستاذة الدكتورة منيرة حلمي زوجة المفكر الكبير.
ويؤكد الكاتب الصحفي المخضرم مصطفى عبدالله أن ما تبقى في ذاكرته عن هذه الجلسة، أنها كانت هادئة الغاية، ولم يحدث فيها أي عتاب بين الطرفين، بل إنهما تجاوزا خلافتهما، وبدأ النقاش بينهما في أمور جديدة.
ولفت "عبدالله" إلي أن الدكتورة منيرة حلمي استقبلت الشيخ محمد الغزالي استقبالاً يليق به كسيدة مصرية محترمة قادرة على القيام بمهام عملها كأستاذة جامعية بنقس القدر الذي تؤدي به دورها كسيدة بيت.
ولكن لماذا لم يصدر الكتاب الذي يوثق جلسة الصلح هذه؟
يقول الكاتب الصحفي مصطفى عبدالله: بعد هذا اللقاء بزمن اتصل بي المهندس إبراهيم المعلم، وطلب مني أن يصدر كتابًا أروي فيه ما دار في هذا اللقاء لعدة أسباب؛ منها توثيق حضوره هذا اللقاء التاريخي في بيت الدكتور زكي نجيب محمود وهو في صدر حياته العملية كناشر؛ ولكن ما كان مني إلا أن أوضحت له أن مادة اللقاء كانت مناسبة تمامًا للتغطية الصحفية التي أفردتها لها مؤسسة أخبار اليوم، وأن نشرها في كتاب لن يتضمن جديدًا.
وعندما نسأله عن علاقته بالدكتور زكي نجيب محمود يشير مصطفى عبدالله إلى أن صلته بالمفكر الكبير توطدت من خلال الناقد الراحل جلال العشري الذي تتلمذ على يد الدكتور زكي نجيب في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة في الخمسينات من القرن الماضي، وقد انتبه زكي نجيب لتميز "جلال" في دراسة الفلسفة وإتقانه الترجمة من الإنجليزية فقربه إليه، وأسند إليه عملًا معه في مجلة "الفكر المعاصر" التي كان زكي نجيب رئيسًا لتحريرها.
ولذلك فعندما كانت مجلة "الفيصل" تتأسس في الرياض برئاسة تحرير علوي طه الصافي وكان جلال العشري من مؤسسيها وكان يستكتب الأقلام المصرية لتحريرها، فكان من الطبيعي أن يكون زكي نجيب محمود على رأس القائمة.
ويضيف مصطفى عبدالله أنه هو الذي قام بتسليم الدكتور زكي نجيب محمود المكافأة الضخمة التي خصصتها له مجلة "الفيصل" عن مقاله الأول وكانت 130 جنيهًا مصريًا.