رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قرية دير البرشا

قرية دير البرشا واحدة من قرى مركز ملوي الذي يتبع محافظة المنيا، في وسط الصعيد، وهي قرية قديمة تنسب الى أحد الأديرة القريب منها.
ومن المعروف أن اعدادًا كبيرة من القرى المصرية تحمل أسماء أديرة قبطية قريبة منها أو بداخلها.  
يقع دير البرشا الأثري في شرق ملوي بمحافظة المنيا في مصر الوسطى. وبُنيت كنيسته في شمال القرية الحديثة الواقعة إلى الجنوب من دير أبوحنس وكان بها دير قديم. 
أهمية دير البرشا كمنطقة أثرية على الضفة الشرقية للنيل في مواجهة مدينة ملوي ويحدها من الشمال منطقة آثار الشيخ عبادة وهي جبانة الإقليم الخامس عشر من أقاليم مصر العليا في الدولة القديمة والدولة الوسطى، واختارها بعض ملوك الدولة الحديثة لاستخدامها كمحاجر للحجر الجيري لبناء معابدهم في عاصمة الإقليم "خمنو" الأشموني واستخدمت المنطقة في العصر القبطي من قِبل الرهبان.
قرية البرشا قريبة من مقر إقامتي في إحدى مدن وسط الصعيد، وهي قرية كبيرة موغلة في التاريخ الفرعوني، وتاريخ مصر، قرية مهملة على الجانب الشرقي للنيل، وليست موضوع على الخريطة السياحية. 
اسمها ليس غريبًا على مسامعي، هناك علاقات نسب بين بعض أصدقائي الأقباط تزوجوا من قرية دير البرشا، ويتمتعون بسعادة واستقرار مع زوجاتهم. زرتها كثيرًا ثناء عملي في المنيا، كقرية لا سجل أمني معروف بالسلاح وتجارة الآثار، وأنا هنا لست بصدد الكتابة عن التاريخ القديم أو الحديث لقرية البرشا، فبعد أن كانت شهرتها في إقليم وسط الصعيد باعتبارها إحدى منابع تجارة الآثار، وفي الوقت الحالي برعت في المنتجات الغذائية القروية وعلى الأخص صناعة الجبن المصري القديم المشهور، والقابل للتخزين طول العام، ولهم باع طويل في تلك المنطقة في صناعة الجبن والسمن البلدي وتوريده للقاهرة. 
غير أن ما لفت نظري وشدني للكتابة عن دير البرشا هي ظهورها في مجال لا يتوقع لها الظهور فيه، وهو مجال السينما، وهو المجال الثري والغريب بإمكانياته الهائلة. مرتين، وفي كل مرة تحصد القرية جائزة عالمية. 
المرة الأولى التي اقتحمت فيها قرية البرشا عالم السينما المبهر وفازت بجوائزه، 
عندما فاز فيلم "ريش" بالجائزة الكبرى في مسابقة أسبوع النقاد في مهرجان "كان" عام 2021، وكانت بطلة الفيلم سيدة من القرية تدعي دميانة نصار، الشهيرة بـ"أم ماريو"، 39 سنة، ربة منزل، وطفلان من أبناء القرية أيضًا.
تدور قصة الفيلم حول الأب الذي تحول إلى دجاجة للدلالة على أنه أصبح أضعف ما يكون عكس ما كان يمثله من سلطة ومسئولية وغيرها.
أحداث الفيلم تتضمن واقعية سحرية، التي تدفع المشاهد للتساؤل حول ما إذا كان الأب تحول إلى دجاجة بالفعل، أم أنه هرب للتخلي عن مسئوليته تاركًا إياها لزوجته التي لم تعتد على إعالة أحد من قبل.
الغريب أنه حدثت ضجة كبرى في أعقاب عرض فيلم "ريش" في مهرجان الجونة السينمائي، وانسحاب عدد من الفنانين من المهرجان بحجة أن الفيلم يسىء إلى مصر.
ونرى أنه كانت هناك آراء إيجابية من قِبل النقاد الفنيين، على رأسهم الناقد الفني طارق الشناوي.
وقد أعرب الجمهور بعد عرض الفيلم عن سعادته، وكانت آراء الكثيرين إيجابية بردود أفعال الجمهور والنقاد، لم يكن أحد يتخيل أن ينال الفيلم هذه الحالة الكبيرة من الاهتمام.
ونرى أن سبب الهجوم على الفيلم من جانب بعض الفنانين هو حضور عائلة بسيطة غير متعلمة من صعيد مصر، لمهرجان الجونة السينمائي المقام بمدينة الغردقة، اعتبره البعض شيئًا لم يكونوا يحلمون به في إشارة إلى عدم انتماء هذه الأسرة المصرية البسيطة إلى عالم النجوم والشخصيات العامة وهو ما يعكس حالة التعصب الشديدة والتي يطل منها التعصب الديني على استحياء. 
أما المرة الثانية فكانت من خلال فوز فيلم "رفعت عيني للسما" بجائزة العين الذهبية في مهرجان كان السينمائي.
كانت البداية من خلال فرقة فنية بسيطة اسمها بانوراما البرشا، بمركز ملوي، حيث كانت تهتم بمسرح الشارع وقضايا المرأة والطفل، حيث قام المخرج عمر الزهيري باختيار أبطال فيلمه "ريش" من تلك الفرقة، والذي برعت فيه الممثلة التلقائية دميانة نصار، المولودة في قرية البرشا، مركز ملوي بمحافظة المنيا، بدأت مسيرتها الفنية من خلال فيلم "ريش"، والذي استطاعت من خلاله الفوز بالعديد من الجوائز عن دورها بالعمل من ضمنها جائزة أفضل ممثلة بمهرجان قرطاج.
والفيلم عبارة عن توثيق لتدريبات وعروض الفرقة التي تقدم مسرحها في شوارع القرية، فتيات مصريات رائعات، عبرن عن فهم عميق لحق الإنسان في التعبير والإبداع، مسرحهم فوق سطح منزلهم، أو في أي فضاء بالشارع. ولعل فرقة البرشا تؤكد بوضوح مسألة حرية الإبداع والمقدرة على تفعيلها عندما يصبح الإبداع أصلًا وضرورة حقيقية.
تكمن عبقرية الفيلم في طريقة توثيق العمل المسرحي عبر الكاميرا، وعلاقة السينما بالمسرح وقدرتها على نقل التجربة المسرحية إلى التوثيق والتعريف والحفظ والفهم والنشر على نطاق واسع. 
وهو تعاون إبداعي نقي بعيدًا عن عالم الاحتراف في العالمين المسرحي والسينمائي، وربما يعيد إطلاق الاهتمام بمسألة علاقة المسرح والسينما في مساراتها الاحترافية الإبداعية.
نتمنى أن تقوم الشركة المتحدة المشرفة على السينما والإنتاج الفني في مصر بالاهتمام بتلك النوعية من الأفلام التي تأخذ قصصها وحكايتها من الواقع المصري المجهول والمسكوت عنه، والذي لم يتحدث عنه أحد، وهو جانب غني وثري بحكاياته الطريفة والتي يقبل عليها الجمهور العربي. 
تحية لقرية البرشا وتحية لفرقتها التي حازت على جوائز عالمية ورفعت اسم مصر عاليًا بفن راقٍ، غير مبتذل، ويصلح لأن تشاهده كل الأسر المصرية والعربية.