رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب التونسى نزار شقرون لـ"الدستور": الصورة تتحكم فى صياغة هويتنا

د. نزار شقرون
د. نزار شقرون

يطرح الكاتب التونسي د. نزار شقرون بأحدث كتبه "معاداة الصورة"، عديدًا من التساؤلات حول مفهوم الفن، وعن هوس الصورة ومعاداتها في آن، وهو ما يتجلي في انتشار ظاهرة "السيلفي"، وكيف أصبحت الصورة تتحكّم في حياتنا بدلًا من أن نخضعها لمشيئتنا.

 

الصورة أصبحت تتحكّم في صياغة هويّتنا

وعن هوس السيلفي قال "شقرون" في تصريحات لـ"الدستور": تغلغلت الصورة في جميع جوانب حياتنا حتّى أصبحت تتحكّم في صياغة جزء كبير من هويّتنا، وحين نتحدّث عن "الصورة" فلا يعني ذلك أنّنا نقيمُ في عصرها بالمعنى العميق للكلمة، نحن محاطون بها أو تحت هيمتنها دون أن نتمكّن من السيطرة عليها أو التفاعل معها بشكل دقيق، أتحدّث هنا عنّا "نحن" أبناء الحضارة العربيّة الذين حملوا في ذواتهم الثقافيّة عبء "الكلمة" و"نكران" الصورة. 

 

حولنا الصورة من وسيط إلي وثن

وأوضح "شقرون": إننّا اليوم نتواصل بالصّور لا محالة، مجرّد إرسال تهنئة بالعيد أو حتّى تحيّة من صديق إلى صديق عبر "الماسنجر" غالبًا ما يتمّ بتحويل صورة وليسَ بالكتابة، حيث توافق هذا الفعل مع حالة "التكاسل" العربي. لاشكّ أنّ "الصورة" وسيط ولكنّنا سريعًا ما وثّناه وجعلناهُ محدّدا لإدراكنا للعالم وللعلاقات فيما بيننا. والأخطر من ذلك أنّنا لسنا منتجين للصّورة، وبالتالي نحن خارج دائرة إنتاج المعرفة التي تتمّ حاليّا عبرها.

وتابع:  لقد انسقنا إلى استهلاك "الصّور" تبعا لانسياقنا لثقافة الغالب، وفي داخلنا عداء مبطّن لـ"الصّورة". قد تنهمك الأجيال العربيّة الجديدة في الاحتفاء بالصّور، إذ خلق استخدامها لـ"الجوّال" حالة من إدراك جديد للعالم، قد يكون إدراكًا سطحيًّا لغياب الوعي بثقافة الصّورة ودورها وأخطارها ومدى قدرة صنّاعها على التحكّم في مصائر مجتمعات. إنّ العالم يتغيّر وإدراكنا له يتغيّر لا محالة، ولكنّه اليوم يُختصر في شاشة صغيرة، وتحتكم فيه الذّات في تحديد سقف انتظارها ومدى تواصلها معه إلى نسبة تحكّمها في "إنتاج الصّورة" عنها تخصيصًا. 

واستطرد: من هنا يأتي فعل "السيلفي" ليكون موازيا لسؤال الوجود، هكذا أصبح يُقال "أنا أتسلفى إذن أنا موجود"! يعني اختزال الوجود في مدى القدرة على إظهار "الصّورة الذّاتيّة" أو "البورتريه الشّخصي" في العلاقة بالذّات وبالآخر. تنساق الأجيال العربيّة الآن مثل غيرها في بلاد العالم الرّحب إلى استهلاك مشطّ للصّورة، إلى درجة "الهوس" بل قد يكون ذلك مسلكًا نحو "عبادة" جديدة لها طقوسها وتعاليمها. 

وأتم "شقرون": صار "السيلفي" وسيلة لـ"تسويق" الذّات، من هو خارج الشاشة مشطوب من الوجود! ومن يستخدم الشاشة هو "ابن العصر" ولكن هل فكّرنا بجدية في مآلات هذا الاستخدام، ماذا عن استلاب الذّات حين تنظر إلى مكوناتها وإلى العالم من حولها من خلال "الصّورة"؟ أليس "السيلفي" مصيدة للّات حين تقع فريسة تأويلها لصورة نفسها دون أن تبلغ الجوهر؟ إنّنا نقدّم أنفسنا كصورٍ قابلة للتعديل والقولبة والتلوين، وماذا عن جوهر وجودنا، إنّنا نرى العالم من خلال ما يقولب لنا من صورٍ عنهُ دون أن يكون لنا وعي حقيقيٌّ بمجريات وجودنا اليومي!