رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجارب شخصية فاشلة


لم أتعود على سرد تجاربى فى مجال السياسة، فقد كانت لى تجربة قبل ثورة يناير فى حزب الجبهة الديمقراطية، وخرجت منها قبيل انتخابات البرلمان السيئ الحظ فى 2010، الذى جلب ثورة يناير 2011. ولكن ما حدث معى مؤخرًا جعلنى أسرد تلك التجربة. 
منذ فترة، اتصل بى أحد أقطاب حزب جماهيرى كبير، يتمتع بشعبية واسعة فى أوساط الأعيان بمدينتنا بوسط الصعيد. الرجل مرموق، وله تخصص طبى متميز، من أبناء قرية مجاورة، سمعت عن مجموعه العالى فى الثانوية العامة الذى أهله بجدارة لكلية الطب، ثم تخرجه وعمله فى فرع دقيق فى الطب، مما جلب له شهرة كبيرة، وسمعت أنه افتتح ثلاث عيادات، واحدة فى القاهرة والثانية فى عاصمة محافظتنا والثالثة فى مدينتنا بوسط الصعيد. سمعت عن شهرته فى مجال الطب، ولكن الحقيقة لم نلتق رغم شهرته الواسعة.
اتصل بى، وعرفنى بنفسه وطلب أن نلتقى فى مقر الحزب، وطلب نسخة من أحدث كتبى، كان عن معمر القذافى قد صدر حديثًا، وأخبرنى بأنه يريد أن نتكلم معًا. الحقيقة أنا أضعف أمام من يطلب كتبى، وبالفعل ذهبت إليه فى مقر الحزب.
مقر الحزب قريب جدًا من بيتى، شقة واسعة من بناية جديدة وفى موقع متميز فى مدينتنا بوسط الصعيد، وعندما دخلت، وجدت، مكاتب وإدارة، وموظفين خلف المكاتب، وحركة كأنها إحدى إدارات الحكومة. مع أن الوقت كان ليلًا. 
قادنى فراش إلى حيث يجلس من دعانى، وجدت مكتبًا كبيرًا وحوله آرائك للجلوس، وكان رئيس الحزب يجلس على مكتبه، وباقى الأعضاء يتحلقون حوله. 
اكتشفت أننى دعيت مع أربعة من كبار الشخصيات من رجال المدينة، رحب بنا رئيس الحزب، وبدأ يسرد تجربة الحزب، ظل يتكلم طويلًا عن نشاط الحزب، ويستعين ببعض الحاضرين للتدليل على صحة أقواله. 
فاتنى أن أذكر أننى كنت أعرف كل الحاضرين، ومعظمهم من شباب عائلات مدينتنا، وبعضهم أولاد شخصيات لها ماض عريق فى العمل السياسى المحدود فى المدينة ولما يتجاوزوه، وبعضهم أولاد عمد وأعيان سابقين. وكلهم يرتدون الملابس الصوفية الكاملة، سواء الجلباب الثقيل المعروف عندنا فى الصعيد، أو البدلة الكاملة، مع أننا كنا فى وقت الصيف والحر الشديد. 
بعد أن تكلم رئيس الحزب طلب أن يسمعنى وأتكلم، طلبت الاستفسار عن ثلاثة أشياء:
أولًا: ميزانية الحزب. من أين ينفق على الحزب وفروعه المنتشرة حتى فى القرى، فى ظل الإيجارات الباهظة. فقيل لى إن كلها تبرعات، من أعضاء الحزب. وفهمت أن الصعود الحزبى يعنى مزيدًا من التبرع.
ثانيًا: ماذا قدم الحزب لشعب مدينتنا؟ ووجدت أن رئيس الحزب يقوم بالتركيز على المساعدات للأسر الفقيرة فى رمضان والأعياد، والسعى للصلح بين العائلات المتخاصمة فى إطار لجنة المصالحات الأمنية. 
ثالثًا: القضايا الجماهيرية التى يتبناها الحزب ويلتف حولها.. 
تحدث بعض الحاضرين، وقال وهو يوجه كلامه لى إن رئيس الحزب، لا تغمض له عين إلا بعد أن يتأكد أن مصالح الجماهير قد انقضت. وإنه قام بتكليف مجلس المدينة لإصلاح الشوارع. وتحدث عن خطة الحزب لتحقيق الانتشار الجماهيرى فى الأوساط الشعبية والعمال والشباب، الحقيقة لم أفهم منها شيئًا. 
طلبت أن يتبنى الحزب مشكلة يعانى منها الناس، وهى مشكلة الصرف الصحى، وعدم استواء الشوارع، وقذارة المدينة. والبطالة، وسفر الشباب للعمل فى الشمال حيث القاهرة والعاصمة الإدارية، وطلبت أن يقوم الحزب بالالتفاف حول مشروع قومى كثيف العمالة، يخدم شباب المدينة والقرى التابعة لها، لتوفير فرص عمل، وأن يتبنى الحزب قضية سوء الثقة بين الشعب والدولة والحكومة.
شعرت بأننى أتكلم عن لوغاريتمات، وأنه لا أحد يستمع، وانشغل البعض بأحاديث جانبية، وكان رئيس الحزب يعبث بتليفونه. 
سألت عن الطريقة التى يمكن أن أساهم فيها فى أنشطة الحزب. فأخبرونى بأنهم يريدون أن يستفيدوا من تجربتى فى الكتابة، لأجل أن إبراز أنشطة الحزب، وجهوده فى مجال خدمة الجماهير.. بالطبع والحديث عن إنجازات الحزب فى المناسبات..
الحقيقة لم أجد أى إنجازات تستحق الحديث عنها، سوى المساعدة فى شهر رمضان بالكراتين، أو الالتفاف حول رئيس الحزب، وإعادة طرح ما يقوله فى مقالاتى. 
لم أجد ما يمكننى المساهمة فيه، فاعتذرت، واعتذر معى زملائى الأربعة كبار رجال المدينة، ممن تمت دعوتهم معى. كانت وجهة نظرهم متطابقة مع وجهة نظرى. وقدمنا جميعًا اعتذارنا لرئيس الحزب.. ولم أشعر بالندم أبدًا.