رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيهاب بديوي: لا يمكن فصل الكتابة عن الواقع.. وهناك 3 عناصر لتحقيق النجاح الأدبي (حوار)

إيهاب بديوي
إيهاب بديوي

الكاتب إيهاب بديوي، أصدر من قبل أكثر من 15عملا، تنوعت بين الرواية والقصة والدراسات النقدية والثقافية يمثل بهم رافدا جديدا وتيار يمتد لجيل آخر أرتبطت حياته وكتاباته ورؤاه بحراك مدينة الإسكندرية.

“الدستور” التقى “بديوي”، وناقشته حول روايته الأخيرة “عروس الحضرة”، وفيها يخترق عوالم جمة من الغرائبية والفانتازيا ومزجهما بصبغ التفريب كأليات تجريب فريدة في الطرق بقوة وجسارة على أبواب التابوهات.. 

وإلى نص الحوار,,

  • بدايًة ما هي دوافعك لكتابة هذه الرواية؟

عندي طقوس خاصة قبل البداية في مشروع روائي جديد.. فعند حضور الفكرة تكون في البداية بلا معالم.. وجاءتني فكرة الرواية في نهايات عام 2019. وتحديدا أثناء إنهائي لروايتي ميراث النار، وبدأتُ الرواية بالتعبير عن الحب بعد عدة روايات تناولت فيها قضايا اجتماعية وتاريخية وسياسية في إطار يتراوح بين الواقعية والفانتازية. 

الحب كان حاضرا في رواياتي لكن لم يكن هو البطل.. من هذا المنطلق جاءت الفكرة التي تطورت إلى التعمق في العلاقة بين العقل والقلب.. ولأننا في زمن غير مفهوم أطل الجنون برأسه داخل الأحداث وأخذها إلى أبعاد أخرى أكثر عمقا إلى حد تجاوز العقل والقلب والحب إلى المحرك الأول للإبداع وهو الجنون.

  • حدثنا عن المساحات الواقعية في رواية “عروس الحضرة”

الواقعية في الرواية تتمثل في بداية الرواية وتصاعدها الدرامي خلال الفصول الأولى، حتى تحدث الصدمة للقارئ عند جريمة القتل الأولى. عندها يبدأ الخروج من قيود الواقعية إلى رحابة الخيال المطلق والذي يستمر في التطور حتى يفقد القارئ تواجده داخل الإطار الواقعي ويحلق مع الأحداث خارج كل حدود العقل والمنطق والواقع الطبيعي. ولا شك أن خبرة الراوي في القطاعات الاقتصادية والتصديرية قد ساهمت في تشكيل بيئة العمل والاقتراحات التي سارت مع بطل الرواية خلال الجزء من الرواية حتى تخلصنا من قيود الواقع وانطلقنا إلى عالم الفانتازيا.

  • كيف تأثرت الرواية بالعلاقة الذاتية عند المؤلف وهل كانت هناك أسباب واقعية للكتابة هنا؟

لا يمكن فصل الكتابة عن الواقع خاصة إذا كان الواقع يمثل تأثيرا مباشرا محوريا على الكاتب، وتتشكل الشخصيات من طينة البيئة المحيطة بالكاتب، ولا يستلزم ذلك ثقافة خاصة لكن بالطبع يستلزم أن يتميز الكاتب بلغة تعبيرية خاصة لها القدرة على نقل الحدث نقلا إبداعيا يتناسب مع موهبة الكاتب وزاوية رؤيته للحدث ومدى انفعاله بالأحداث وتأثيرها العميق في لا وعيه. 

وقد تتعدد العوامل التي تجعل الكاتب ينفعل بموقف ما أو مجموعة من المواقف والأحداث لدرجة التأثير على قلمه والكتابة عنها، منها ما هو ذاتي يخص ثقافة الكاتب واهتمامته وبيئته المحيطة به والمؤثرات المباشرة عليه مثل العلاقات العاطفية، ومنها ما هو خارجي ذو تأثير قوي على الرأي العام مثل الأحداث القومية الكبرى كالحروب والثورات والزلازل والبراكين والكوارث الكبرى أو التغييرات السياسية المهمة. 

  • ليتك تفسر لنا رؤيتك عن مستقبل الفن والأدب في ظل حروب الإنابة؟

تتبعنا تاريخ الآداب والفنون في العالم نجد أنها تزدهر في أوقات الأزمات مثل ازدهارها في أوقات السلام والازدهار.. ومع تطور الوجود الإنساني واختراع وسائل سهلة للتعبير المباشر كان آخرها الكومبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي، ازدهرت الكتابة الإبداعية بكل أشكالها النثرية والشعرية وانبثقت عنها أجناس أدبية جديدة تتميز بالسرعة وعدم الالتزام بالقواعد الحاكمة التقليدية.. هذه الحرية والسهولة في التعبير تمنحنا رؤية مستقبلية والتنبؤ بأن الآداب ستتطور فنيا كما سيتطور العالم علميا وسياسيا وعسكريا. 

ومع ازدياد فرص قيام حرب عالمية في المستقبل القريب بسبب المناوشات المستمرة بين قوى الشرق والغرب سيلجأ الأدب للخصوصية للحفاظ على الهوية وشحذ الهمم ورفع روح الوطنية داخل كل مجتمع. ورغم السيولة العالمية في الناحية الدينية وابتعاد شرائح اجتماعية كاملة عن التدين، سيظل الدين أقوى المؤثرات داخل النفس الإنسانية وسيتطور التعبير الفني عنها إلى مستويات أكثر عمقا وتطورا.

  • كم من الوقت استغرقك التفكير في كتابة هذه الرواية؟

كما قلت مسبقا بدأت التفكير في هذه الرواية أثناء إنهاء روايتي ميراث النار. وقد حفلت تلك الرواية برؤى صوفية متعمقة بسبب طبيعة البطل الخاصة وارتباطه بآل البيت.. كذلك قصة الحب والعلاقة بالمرأة جاءت في صورتين متناقضتين تماما رغم أنهما علاقات حب حقيقي عنيف أحيانا.. مما يعني أن الجو النفسي العام كان متأثرا بالبطل في رواية ميراث النار.. لكنني أردت التعبير عن الحب والحياة بصورة أخرى تماما في رواية عروس الحضرة بداية من اسم الرواية الذي يحمل في معناه بعدا صوفيا خالصا لأن الحضرة عي صورة من صور التعبير الحركي عن الحب الإلهي واسم بطلة الرواية التي انقسمت إلى أربعة شخصيات تحمل نفس الاسم لكن لكل منها ديانة خاصة بها وحياة اجتماعية واقتصادية مختلفة مما شكل في النهاية الصورة الفنية التي تركت عند القارئ كل تلك التساؤلات عما هو حقيقي وما هو خيالي في هذا العالم الغريب. وظل تلك الاشكالية مسيطرة أثناء كتابتي للرواية التي استغرقت أكثر من ثلاث سنوات وأرهقتني ذهنيا وفنيا.

  • بعد أكثر من 15 عملا متنوعًا.. أين أنت من الجوائز في مصر والعالم العربي؟

هذا موضوع شائك أكتب عنه أحيانا عبر صفحتي على فيسبوك.. يمكن أن أقسم الجوائز إلى قسمين كبيرين. الأول الجوائز الحكومية بتقسيماتها وتفرعاتها المختلفة.. والحقيقة أنها تخضع تماما للعلاقات الشخصية والمجاملات المباشرة خاصة الجوائز التي لا يترشح فيها الكاتب بنفسه بل يستلزم أن ترشحه جهة ثقافية فهذه تخضع مباشرة للعلاقات الشخصية من لجان الترشيح. 

كما أن آليات الترشح بالغة الصعوبة والتعقيد في أغلب الجوائز التي تستلزم التوجه إلى القاهرة وتجهيز نسخ وسي دي وكتابة استمارة ترشيح وهي آليات معقدة متخلفة عفا عليها الزمن ولابد من تحديثها لتسهيل الاشتراك فلا يستلزم أن يتكبد الكاتب تكاليف مادية اضافية قد تكون عبئا كبيرا عليه للاشتراك في مسابقة ما.

أما النوع الثاني، فهي الجوائز الخاصة التي تقدمها جهات محلية وعربية ربما يكون أبرزها من الناحية المادية هي جوائز كتارا والبوكر وزايد وساويرس. الاشكالية هنا تختلف قليلا لأن المشاركات تدخل في عمليات تصفية أولية تخضع لقواعد غير فنية اهمها اسم الكاتب وقوة دار النشر حتى يصل العمل إلى لجنة التحكيم وهذا يأخذنا إلى اشكالية أخرة شديدة الأهمية وهي دور النشر التي انتشرت على الساحة بأعداد كبيرة لكن الدور التي لها قوة وتأثير في توجيه الجوائز سواء في القوائم أو الفوز هي دور محدودة ومعروفة بالاسم مما يزيد من صعوبة الحصول على جوائز.

ولكن رغم كل ما سبق فقد حصلت أعمالي على عدد من الجوائز المهمة آخرها حصول روايتي القصيرة (البصمة) على جائزة مؤسسة أمارجي العراقية وحصولها على المركز الأول على متنافسين من جميع الدول العربية.

  • هل ما زال المبدع إيهاب بديوي يؤمن بمركزية القاهرة وكتابات الأقاليم؟

بالتأكيد. للأسف الشديد.. لا زالت القاهرة تحتفظ لنفسها بكل فرص النجاح والشهرة لأي كاتب يحلم بالوصول إليها.. ورغم وصولنا إلى عصر سهولة نقل المعلومة وتأثير الفيسبوك القوي على انتشار الكتاب ووصول الأعمال الأدبية إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين وتلقي ردود أفعال فورية.. إلا أن النجاح الأدبي يستلزم 3 عناصر أساسية أولها علاقات شخصية قوية ثانيها دار نشر تمتلك المقدرة على الدعاية والمشاركة الفاعلة في المسابقات والمعارض والمكتبات في مصر والعالم العربي أما الثالث التواجد المستمر في الفعاليات المهمة التي تنظمها المؤسسات الثقافية المختلفة وهذا كله تختص به القاهرة للأسف ولا يتوفر في أية محافظة أخرى.

 

  • بصفتك من المقيمين بالإسكندرية..  ما هي رؤيتك للمشهد الإبداعي فيها؟

الأسكندرية تمتلك زخما ثقافيا على مدار الأسبوع طوال العام.. ففيها تنتشر الأندية الثقافية من أبوقير وحتى برج العرب وتحفل تلك الأندية بندوات أسبوعية ثابتة لمناقشة أعمال المبدعين المختلفة بين الشعر والسرد. 

ولعلي أذكر هنا أنني ساهمت في تأسيس نادي أدب الشاطبي مع المبدع الكبير محمد عبدالوارث رضوان.. ولنا ندوة ثابتة كل يوم أحد ناقشت أعمال إبداعية مهمة لمبدعين من كل الأجيال والجنسيات العربية.. وبابها مفتوح دوما للجميع في مناقشات راقية مهمة محايدة لا مجاملات فيها ولا توجهات أو توجيهات مسبقة. 

وتنتشر مراكز ثقافية خاصة أسستها جمعيات وشخصيات سكندرية بارزة تساهم في النشاط الثقافي خاصة الشعري منها.. كما يوجد في الأسكندرية أحد معالمها الثقافية المهمة وهو مركز الحرية للإبداع أو قصر الإبداع الذي شهد بزوغ أغلب مواهب الاسكندرية في الشعر والسرد والزجل منذ القرن الماضي. أما مكتبة الأسكندرية فهي أكبر وأهم كيان ثقافي موجود حاليا في الأسكندرية. 

وتتميز بنشاطها الثقافي المستمر فمنذ تأسيسها ظهر مختبر السرديات بقيادة المبدع الكبير منير عتيبة وندوته الأسبوعية كل يوم ثلاثاء التي ساهمت في تقديم أعمال كتاب من كل الأجيال والجنسيات العربية. وخلال الفترة الماضية انتهت الفعاليات الثقافية التي أقيمت على هامش معرض الكتاب السنوي الذي تقيمه المكتبة. وهي أنشطة مهمة جدا نجحت في تقديم فعاليات ثقافية كبيرة وعميقة تغطي جميع عناصر الإبداع الفني واستضافت أهم الشخصيات الأدبية والثقافية المحلية والعربية في ندوات متصلة ينتشر صداها الإبداعي في كل مكان.

  • جمعك لقاء مع إبراهيم عبدالمجيد وأنجيل عزيز حول الكتابات السكندرية، فما هي رؤيتك لتلك الكتابات؟ 

تراوحت الكتابات حول الاسكندرية بين السيرة الذاتية والروايات التي تدور أحداثها داخل الإسكندرية.. ومن السهل تجميع الكتابات التي تمت حول أو داخل الاسكندرية من كتاب وشعراء محليين وعالميين معاصرين وقدماء.. لكن تركيزا على العصر الحديث لابد أن نشير إلى أعمال مهمة مثل رباعية داريل وثلاثية ابراهيم عبدالمجيد وربما نتجاوز إلى أعمال درامية مهمية لاسماعيل عبدالحافظ وغيره من كتاب الدراما. 

  • حدثنا عن علاقتك بكتاب الإسكندرية وخاصة إبراهيم عبدالمجيد؟ 

في جلساتنا الخاصة مع الأستاذ ابراهيم عبدالمجيد، يمتعنا بذكرياته عن البدايات ذكر لنا أنه كان واحدا من ثلاثة مبدعين كبار دائمي اللقاء في قصر الإبداع قبل هجرته إلى القاهرة عام 1974. هذان المبدعان متعهما الله بالصحة، هما سعيد سالم ومصطفى نصر. وقد أتاح لي مشاركتي الدائمة على منصة نادي الأدب بالشاطبي مناقشة جميع الأجيال الأدبية من الكبار وحتى الأطفال المبدعين في أعمار الصبا. هذا ما ساعدنا على التنبؤ بمستقبل مهم للإبداع السكندري. وقد شهدت الاسكندرية في السنوات الأخيرة حصول بعض مبدعيها الشباب على جوائز محلية وعربية مهمة. 

المشهد النقدي المصري في السنوات العشر الأخيرة وتحديدا بعد ثورة يناير وهذا انطلاقا من علاقته بنصوصك.

الحقيقة أنني قد استفدت كثيرا من النقد الأدبي. وأرى أنه يتطور بسرعة من الناحيتين الانطباعية والأكاديمية. وقد حظيت نصوصي بمناقشات ودراسات نقدية مهمة من نقاد مهمين أذكر منهم الأستاذ الدكتور سحر شريف أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة الأسكندرية والأستاذ الدكتور هالة هواري أستاذ النقد الأدبي بجامعة حلوان والأستاذ الدكتور عزوز إسماعيل أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة.

 والعديد من كبار النقاد من كل الأجيال النقدية استطاعوا الغوص عميقا في تلك النصوص ومنها رواية ميراث النار ورواية جبل الفواخير ورواية سقارة ورواية عروس الحضرة وباقي المجموعات القصصية. 

وحملت الدراسات المحايدة المهمة إشادة نقدية متخصصة بالبناء الفني لتلك النصوص. وقد حظيت روايتي عروس الحضرة بدراسة نقدية من المبدع الكبير الأستاذ ابراهيم عبدالمجيد أشار فيها إلى التطوير والتحديث في البناء الفكري والدرامي الذي جاءت به الرواية.

  • ما هي رؤيتك للمشهد الثقافي المصري في العقد الأخير وما هي العناوين الأقرب لعالمك؟

الحقيقة أن المشهد الثقافي متداخل وملتبس جدا. لا شيء فيه علمي أو سابق الإعداد أو مقصود.. فالمسئول يتم تكليفه بالمنصب الثقافي يسارع بتقريب شلته ومعارفه وتوزيع المهام والمناصب المؤقتة عليهم. فضلا عن توزيع الجوائز والماديات المتاحة.. والبعض يصل إلى المنصب في ظروف معينة بالنتخاب يسارع لتغيير القوانين الداخلية وتقريب عدد معين من المعاونين ليبقى في منصبه أطول فترة زمنية ممكنة. هذا كله يؤكد فكرة الشللية ويقننها ويجعلها القانون المعمول به في المشهد الثقافي ولا سبيل لتغييره للأسف. وستظل مراكز القوى الثقافية والوجوه النمطية الثابتة منذ سنوات طويلة هي الحاكمة للمشهد الثقافي حاليا ومستقبلا.

أنا أحب القراءة الحرة غير الموجهة بمعنى أنني لا ألتزم بنمط معين في المواضيع أتنقل بين التاريخي والفلسفي والاجتماعي والعلمي وغيرها من الموضوعات بحرية كاملة لاستكمل بناء ثقافتي وزيادة معين المعرفة المهم جدا عند المبدع.

  • ما أحلامك وطموحاتك ورؤيتك للعالم الأدبي؟ 

أحلامي تتركز في أن أتمكن من التعاقد مع دار نشر جادة قوية تطبع كل أعمالي لتتاح كلها في أماكن واحدة لاسم دار نشر واحدة وتسوق لها جيدا وتخصص الندوات المتخصصة لتقديمها للمجتمع الأدبي حتى يتعرف القارئ والناقد والمثقف والمسئول عليها في مصر والعالم العربي. 

كذلك أحلم أن تحظى أعمالي بترجمات متخصصة مبدعة بلغات مختلفة يتعرف عليها القارئ في ثقافات أخرى. وأحلم بتقديم برنامج أدبي ثقافي في قناة تحظى بمشاهدة عالية لإلقاء الضوء على الكتاب الذين لا يراهم المجتمع الثقافي والاستفادة من فكر وتوجيهات كبار الكتاب والمثقفين الذي لا يزالون على قيد الحياة.

طموحاتي لا تنتهي تزيد كل يوم وتكبر مع كل عمل أدبي أنهيه حتى لو لم أنشره. فعندي ثلاثة روايات جاهزة للنشر انتهيت منها في فترات مختلفة آخرها ختمتها منذ أيام قليلة. وهذا الزخم العقلي يمنحني دوما انفصالا مهما عن مشكلات وسلبيات العالم الذي نعيشه ويصل بي إلى الجنة العقلية الموعودة.

أما رؤيتي للعالم الأدبي فهو الملاذ الذي ندخله هروبا من الواقع بسطحيته وماديته ويجعل ممارسة الحياة ممكنا.