رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد 10 أشهر من العدوان.. هل أخطأت المقاومة؟

ربما يظن البعض أن السطور القادمة قد تحمل فى طياتها اتهامًا للمقاومة الفلسطينية بأنها وبعد 10 أشهر من العدوان الهمجى الغاشم على قطاع غزة هى سبب ما نحن فيه، وأنها من أوصلت الأحوال لأن يسقط أكثر من40 ألف شهيد أغلبهم من النساء والأطفال، وربما يظن البعض أن قرار عملية طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر هو سبب طرح هذا التساؤل، هل أخطأت المقاومة؟ هل تقديرات المقاومة لليوم التالى لعملية طوفان الأقصى كانت خاطئة، أم أن المقاومة لم يكن لديها تصور أو تقدير بالأساس لصبيحة اليوم التالى للعملية؟ وسنذهب معًا إلى أبعد من ذلك هل عملية طوفان الأقصى هى نوع من التهور وربما الحمق وأنه لم يكن لها مبرر من الأساس؟

كل تلك الأسئلة وغيرها بعد مرور أكثر من 10 أشهر واقترابنا من مرور عام من العدوان المستمر ليس على قطاع غزة فقط، وإنما على مصير وضمير الأمة العربية كلها ليس الهدف منها إدانة المقاومة، وإنما الهدف منها هو أن نتذكر جميعًا ما الذى حدث، كى ندرك خطورة القادم.

فى العام 2005 أعلن رئيس وزراء الكيان فى ذلك الوقت «أرييل شارون»، عن ضرورة فك الارتباط أحادى الجانب من قطاع غزة وجميع مستوطنات القطاع، وكذلك بعض المستوطنات فى الضفة الغربية، وهو ما تحول فى ذات العام لقانون وافق عليه برلمانهم «الكنيست»، وكان الهدف وفق ما أعلنته حكومة الاحتلال فى ذلك الوقت هو حماية المستوطنين من المخاطر الأمنية بعد تزايد عمليات المقاومة ضد الاحتلال، وكان الهدف الحقيقى وهو ما ظهر جليًا بعد ذلك، أن تخلى حكومة الاحتلال مسئوليتها عن قطاع غزة وسكانه البالغ عددهم وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا»، أكثر من مليونى مواطن، فرغم انسحاب الاحتلال فى صيف 2005، ورغم أن الكيان قد فكك مستوطناته، فإن الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر اعتبر قطاع غزة لا يزال تحت الاحتلال فحدود غزة ومنافذها البرية البحرية والجوية خاضعة لسيطرة الاحتلال، وهو ما سيقودنا لواحدة من أطوال مدد الحصار التى فرضت على شعب عبر مر التاريخ القديم والحديث، ما يقرب من 20 عامًا من الحصار المستمر، ما يقرب من 20 عامًا من التجويع المتعمد، وقد شهدت سنوات الحصار خاصة بعد إحكام سيطرة الاحتلال على حدود غزة واحدة من أغرب أنواع التحكم والإذلال للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، حاول الاحتلال جاهدًا إخفاءها عن عيون العالم، وترويج روايته الكاذبة، حتى ظن الجميع أن أهالى غزة يعيشون حياة هادئة لا يؤرقها سوى وجود فصائل المقاومة على أرضها وهى الرواية الكاذبة جملة وتفصيلًا.

منذ حصار قطاع غزة من جانب الاحتلال ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، الأرض الفلسطينية المحتلة، والصادر فى العام 2015، فقد حددت الحكومة الإسرائيلية قوائم من المواد المحظور دخولها قطاع غزة، وكانت مقسمة إلى قسمين «مواد عسكرية - مواد ذات استخدام مدنى»، فقد منعت إسرائيل استيراد الأخشاب ومواد البناء والأجهزة الإلكترونية والكهربية والمواد الصناعية الخام، ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة كان العدس والمكرونة «تم السماح بدخولها مرة أخرى فى العام  2009 بعدما أعرب جون كيندى السيناتور الأمريكى والذى تولى وزارة الخارجية فيما بعد عن دهشته لحظرها»، ومعجون الطماطم والمربي، والكزبرة التى قام أهالى قطاع غزة بزراعتها بعد فرض الاحتلال حظرا على دخولها، والشيكولاتة ممنوعة طوال الوقت، الكهرباء لها مواعيد محددة للانقطاع بصورة يومية، المياه لها مواعيد محددة للانقطاع بصورة يومية، بل وحتى فساتين الزفاف وألعاب الأطفال والفوط الصحية للنساء منع الاحتلال دخولها لقطاع غزة، وفى العام 2018 نظمت اللجنة الدولية لفك الحصار معرضًا للتذكير والتعريف بما يعانيه قطاع غزة من حصار ونشرت خلاله صور للممنوعات الخانقة لأبسط مقومات الحياة.

إذا ما أردنا الحديث عن أسباب طوفان الأقصى وممارسات الاحتلال، فإننا نحتاج لمجلدات حتى نوثق معاناة الشعب الفلسطينى خلال سنوات الحصار، ولعشرات المجلدات لتوثيق معاناة الأمة منذ أن زرعت الإمبريالية العالمية هذا النبت الشيطانى على أرض فلسطين الجريحة منذ العام1948 وهو ما يقودنا إلى بيت القصيد، حتى وإن لم يكن هناك حصار مفروض لعشرين عامًا وأكثر فحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وكل القوانين تعطى الشعب الفلسطينى الحق فى الدفاع عن أرضه، وحق تقرير المصير، والحقيقة التى لا شك فيها والتى لا بد وأن نعترف بها أن عملية السابع من أكتوبر هى صرخة لضمير العالم بأن هناك حقًا يسلب وشعبًا ينتهك، وأن هناك مخططًا يعود لخمسينيات القرن الماضى بتطهير عرقى ممنهج ضد سكان قطاع غزة وتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم قسريًا إلى سيناء، أعادته حكومة الاحتلال المتطرفة وكان فى طريقه للتنفيذ سواء حدثت عملية السابع من أكتوبر أم لم تحدث، وهو ما تنبهت له القيادة السياسية فى مصر منذ اليوم الأول وتحدثت مرارًا وتكرارًا عن مواجهة ذلك المخطط، ومع اقتراب عام كامل على العدوان وفى أصعب لحظات الصراع، فإننا نحتاج كشعب ورأى عام أن نطرح رؤية مضادة لما تطرحه حكومة الاحتلال، فكما يتحدث قادة الكيان عن إنهاء حياة مليونى مواطن ورفض برلمانهم بالإجماع قيام دولة فلسطينية كمبدأ، يجب أن يطرح الشارع العربى والنخب المثقفة الخطاب المضاد وهو أن فلسطين لشعبها، كل فلسطين من البحر إلى النهر، وإن هذا الخطاب ليس مجرد شعارات للمزايدة أو كما يصفها بعض المنبطحين «شعارات حنجورية»، وإنما هى منهج مضاد لمنهج الاحتلال الذى يرى فى مخططاته أمرًا واقعًا مدعومة بآلة عسكرية مجنونة تمولها قوى غربية طالما زعمت تبنيها لحقوق الإنسان تصم الآن آذانها عن صرخات الأطفال والنساء، الحديث عن تحرير كل التراب الفلسطينى ليس شعارات، وإنما هو حق أصيل لأصحاب الأرض فكما يخبرنا التاريخ دائمًا أن الحق وإن تأخر الزمن يعود لأصحابه، وإن مصر قيادة وشعبًا وإن اختلفت الوسائل لكن الهدف سيظل واحدًا وهو الوقوف بجوار الشعب الفلسطينى حتى استعادة حقوقه المسلوبة، فقد أثبتت الأيام والمحنة الأخيرة أنه ورغم محاولات البعض مستغلين ما لديهم من مال فى تصدر قيادة الأمة، فإن مصر كانت وستظل بحكم التاريخ والجغرافيا هى القائد لأمتها وكما قال الزعيم الروحى لحركة المقاومة الشهيد أحمد ياسين: لا تحرير لفلسطين دون مصر، ولا نصير ومُعين للشعب الفلسطينى بعد الله غير مصر.