حرب الاغتيالات
الاغتيال هو القتل غيلة أو غدرًا، أى بمفاجئة الخصم دون توقع.
وهو مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية مهمة ذات تأثير قيادى أو دينى أو سياسى، أو عسكرى، ويكون الدافع لعملية الاغتيال، عادة، أسبابًا عقائدية أو سياسية أو مخالفة فى الرأى، أو خصومة سياسية، تستهدف شخصًا معينًا يعتبره منظمو عملية الاغتيال عائقًا لهم فى طريق انتشار أوسع لأفكارهم أو أهدافهم.
ومن أشهر الاغتيالات فى العصر الفرعونى. اغتيال الملك إخناتون، وبعده تم اغتيال الأمير الفرعونى توت عنخ آمون، حسبما أظهرت الأشعة التى أُجريت على المومياء التى قيل إنها لجسده، ويعتقد أن كهنة المعابد الفرعونية لهم يد فى ذلك بسبب توجهه إلى تغيير الإلهة إلى الإله الواحد آتون.
فى العصور الحديث كانت عملية اغتيال الرئيس السادات، فى 6 أكتوبر 1981، هى أشهر وأهم حوادث الاغتيال فى مصر الحديثة، ثم توالت اغتيالات المفكرين والكتاب، والغريب أن كل من قاموا بعمليات الاغتيال لم يكونوا من أعداء البلاد، ولكنهم كانوا مصريين ومسلمين.
ونعود إلى اغتيال إسماعيل عبدالسلام أحمد هنية، وهو قيادى سياسى فلسطينى، وأحد رموز حركة المقاومة الإسلامية المعروفة باسم حماس. ترأس الحكومة الفلسطينية بعد فوز الحركة فى الانتخابات التى أُجريت فى غزة فى 2006، إلى أن أقاله رئيس الرئيس عباس أبومازن فى يونيو 2007. انتُخب رئيسًا للمكتب السياسى لحركة حماس فى مايو 2017، وفى يوليو 2024 أعلن الحرس الثورى الإيرانى عن أنه تم اغتياله فى العاصمة «طهران» عاصمة إيران.
بعد اغتيال «هنية» بدأت إسرائيل نوعًا جديدًا من الحرب، ضد الفلسطينيين. بعد حرب الإبادة التى شنتها فى أعقاب 7 أكتوبر 2023. وهى حرب الاغتيالات.
الواقع أنها ليست حربًا جديدة، ولكنها حرب مارستها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ أن بدأت تلك الحرب فى 8 يوليو 1972، باغتيال الروائى والقاص والصحفى فلسطينى غسان كنفانى، الذى يعتبر أحد أشهر الكتاب والصحفيين العرب فى القرن العشرين، صاحب روايتى «عائد إلى حيفا». و«رجال وراء الشمس». حيث تم اغتياله فى بيروت بتفجير سيارته بواسطة عبوة ناسفة من قِبل جهاز الموساد الإسرائيلى.
ثم بدأ مسلسل الاغتيالات كالحبل على الجرار، وبعدها اغتالت إسرائيل فى 8 يوليو 1979 القائد العسكرى الفلسطينى البارز زهير محسن، وهو زعيم منظمة الصاعقة، ورئيس الدائرة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما أكبر وأخطر عملية اغتيال إسرائيلية ضد منظمة التحرير الفلسطينية، هل التى تمت فى 16 أبريل 1988 التى استهدفت خليل الوزير المعروف بـ«أبوجهاد».
بدأت إسرائيل تلك الحرب، لإظهار قدرتها على استهداف أى شخص فى أى مكان، نفذت إسرائيل اغتيالات ومحاولات اغتيال استهدفت قادة وعناصر بارزين فى حماس منذ تأسيس الحركة عام 1987، وهو الرجل الثانى فى منظمة التحرير الفلسطينية بعد ياسر عرفات، العملية تمت فى تونس العاصمة، حيث كان خليل الوزير فى منزله فى حى سيدى بوسعيد شمال شرق تونس العاصمة، وكان يبلغ من العمر 52 عامًا. تتهم إسرائيل الوزير بالمسئولية عن تخطيط أعمال عسكرية وفدائية ضدها، كما برز نجمه كأحد المحركين للانتفاضة الفلسطينية الأولى المعروفة بانتفاضة الحجارة.
فى عام 1997، ذكرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن قائد عملية الاغتيال بحريًا على متن زورق قبالة شواطئ تونس هو إيهود باراك، الذى أصبح رئيسًا للوزراء فيما بعد. وحسب الصحيفة، فقد نسق باراك، الذى كان آنذاك يشغل منصب نائب قائد الجيش، التخطيط لعملية الاغتيال وشملت أجهزة الموساد والشاباك «الأمن الداخلى»، بمعاونة من قوات الجيش البحرية والجوية.
كانت عملية الاغتيال بمثابة رسالة إلى ياسر عرفات بأنه ليس بمنأى عن الاغتيال.
ويقال إن ياسر عرفات بدأ التفكير جديًا فى عملية السلام لمحاولة العيش بقية عمره فى منأى من الاغتيالات. وليجعل له وطنًا يقيم فيه ولو بصورة غير مكتملة. وهو ما تم بعد ست سنوات، حيث تم توقيع اتفاقية أوسلو الأولى فى واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية فى 1993. واتفاقية أوسلو الثانية فى طابا المصرية فى 1995. بدأت عملية أوسلو بعد مفاوضات سرية فى مدينة أوسلو النرويجية، نتج عنها اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل. واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير كالممثل للشعب الفلسطينى وكشريك فى المفاوضات.
ويرى البعض من المحللين، أنه من غير المرجح أن تؤدى هذه الاغتيالات إلى إنهاء الصراع، بل على العكس قد تسهم فى توسيع نطاقه. وأن الإقدام على اغتيال قيادات بارزة غالبًا ما تثير ردود أفعال قوية من الأطراف المستهدفة، التى قد تضع لبنان على أعتاب تصعيد كبير فى النزاع نتيجة لهذه التطورات.
كما أن الاغتيالات الأخيرة تعكس تحولًا فى نوعية الصراع، بالنسبة لإسرائيل فإن التخلص من «هنية» و«شكر» جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى ممارسة الضغط على محورى «حماس» و«حزب الله»، ومع ذلك قد تؤدى هذه الخطوات إلى تصعيد غير متوقع فى المنطقة.
وربما كانت ردود الأفعال المحتملة من الطرفين المستهدفين قد تشعل حربًا جديدة، مع احتمال أن يكون لبنان هو الساحة التالية فى هذا الصراع المتصاعد.