الروائى على حسن لـ"الدستور": كنت فى رعب بانتظار نتيجة الثانوية العامة
مع اقتراب موعد إعلان نتيجة الثانوية العامة، يستعيد الكاتب الروائي علي حسن، ذكرياته عن تلك المرحلة في مشواره الدراسي، مشيرا، في تصريحات خاصة لـ"الدستور" أنه للثانوية العامة أجواء فريدة ومختلفة؛ تميزها عما يسبقها من مراحل تعليمية، كما أنها تختلف كثيرًا عن المرحلة الجامعية، رغم ما فيها من نضج وحرية.
وتابع في مثل هذه الأيام من كل عام؛ أعود بالذاكرة إلى عام 1986، سنة "البكالوريا"،
في كل مراحل التعليم شهد المدرسون أني طالب مجتهد، ذكي، سريع الفهم والتحصيل، لكن "لعبي" اعتمدت على هذه الخصال التي وهبها الله لي، فكنت أمارس جميع هواياتي، وألعب مع أقراني في الحارة، ثم أبدأ في المذاكرة قبل موعد الامتحانات بشهر.
لكن في الثانوية العامة؛ اختلف كل شيء قاطعت التليفزيون، لم أعد أشاهد الأفلام والمسلسلات، اعتزلت كرة القدم، أقلعت عن متابعة المباريات تمامًا، نسيت نادي الزمالك، الفريق المفضل، لقد استمرت هذه المقاطعة إلى الآن، فلا أتابع كرة القدم نهائيًا!
صوت الموسيقي وأم كلثوم كان نزهة ترفيهية من ساعات المذاكرة
ويضيف "علي" حول نتيجة الثانوية العامة: كنوع من الترفيه المحبب إلى قلبي؛ اكتفيت في "البكالوريا" بسماع الموسيقى، مع ساعة كاملة يوميًا، أنصت فيها لإحدى أغنيات أم كلثوم، التي تُذاع عبر أثير "إذاعة أم كلثوم" كانت تبدأ في الخامسة عصرًا، وتنتهي في العاشرة مساءً.
عندما اقترب الامتحان، امتنعت عن مشاركة أسرتي وجبة الغداء على السفرة، اكتفيت بالسندوتشات التي كانت تعدها لي والدتي استثمارًا للوقت في المذاكرة، لم أكن أفضل الجلوس إلى مكتبي فترات طويلة؛ أجلس فقط للقراءة، للتركيز والاستيعاب والفهم، بعد ذلك أبدأ في السير داخل غرفتي الصغيرة، أو الصعود إلى سطح البيت من بعد الفجر حتى التاسعة صباحًا، ثم العودة إلى السطوح مرة أخرى من بعد العصر حتى غروب الشمس. عدا ذلك أسير داخل غرفتي جيئة وذهابًا للحفظ وتسميع ما حفظته لنفسي.
عاندت أبي في أخذ الدروس الخصوصية
وواصل الكاتب الروائي علي حسن استعادة الذكريات قائلا، أيام بالغة الجمال، لها عبق وروعة، استشعرها الآن بكل تفاصيلها، حتى عندما عاندت والدي رحمه الله، فقد رغِبَّ أبي في أن آخذ دروسًا خاصة في مادة الرياضيات، كانت أيامها ستة فروع، لكني اكتفيت بدروس في اللغة الإنجليزية، وشهرين في اللغة الفرنسية، غضب والدي كثيرًا لأني لم أستجب له، وحذرني من عواقب ذلك رفضت وتماديت في الرفض، مع المتابعة في المدرسة والاهتمام بالحضور والانتباه لشرح المدرس، ومتابعة البرامج التعليمية في التليفزيون.
أصبت بشعور مُربك أني نسيت كل شيء ليلة الامتحان
أثناء الامتحانات؛ أصابني خوف شديد، شعور مُربك أني نسيت كل شيء ليلة امتحان مادة الكيمياء، غابت ذاكرتي تبخرت الكيمياء العضوية، التي راجعتها عشرات المرات! تكرر الحال مع مادة الفيزياء والأحياء، إلى درجة أني ذهبت إلى أحد أصدقائي قبل امتحان الكيمياء بساعة، بكيت عند باب بيته: "أنا ناسي كل حاجة.. أنا حسقط".
هدأ من روعي، طمأنني، ذهبنًا معًا إلى اللجنة، عندما قرأت ورقة الأسئلة، تذكرت كل شيء، عاد لي هدوئي، فكانت الإجابات نموذجية. لكن الإجابات في مادة الرياضيات، بفروعها الستة، كانت شديدة البؤس، وربما لا ترقى إلى مستوى الطالب المتوسط، لأني أهملتها على حساب المواد الأخرى، وكان والدي على حق.
تفاصيل إعلان يوم النتيجة
يوم إعلان نتيجة الثانوية العامة؛ نقف جميعًا في قلق بالغ أمام "مدرسة كفر الزيات الثانوية العسكرية بنين".
الأسماء والدرجات تصدر من مكبرات صوت ضخمة. كنت في رعب لا حد له، أقف بعيدًا، وحيدًا، مهمومًا، فإذا بخالي يربت على كتفي بيده، مستمعًا معي إلى النتيجة، التي كانت 240 من 280 (85.5٪) عندما رجعت إلى البيت، وجدت أبي ينصت إلى الراديو، منتظرًا سماع النتيجة من خلاله فاجأني هذا الشعور الجميل، الذي لم أتوقعه، لقد كان رحمه الله في غاية السعادة والفرح والفخر، شعرت لحظتها بأن الدنيا تفتح لي أبوابها، ترحيبًا وتكريمًا، أن حلم كلية الطب صار حقيقة.
قرار الالتزام بالتوزيع الجغرافي أضاع مني حلم كلية الطب
لكن؛ وما أصعبها كلمة، ما زلت أذكر وزير التربية والتعليم الدكتور "فتحي سرور" حين أصدر قرارات مفاجئة، كانت مؤلمة إذ بها ضاع الحلم، القرار هو التزام الطلاب بالتوزيع الجغرافي.
إن هذا التوزيع داخل الدولة الواحدة فرق بين أبنائها، لم يعدل بين طلاب أدوا امتحانًا واحدًا على مستوى الجمهورية. لقد جعل هذا القرار المفاجئ الكثير من الطلاب يفقدون أحلامهم، طالب مثلي رغم تفوقه، حصل على "85.5٪"، لكنه فشل في تحقيق حلمه، ليصبح طبيبًا، رغم أن التنسيق في العام نفسه لكلية الطب في جامعات أخرى كان "85٪" وأقل من ذلك، منها جامعة القاهرة.
دخلت كلية العلوم قسم "الجيولوجيا" نزولًا على رغبة والدي، كانت كلية العلوم في استمارة الرغبات، هي الرغبة الحادية عشرة، مع ذلك رفض أبي تحويل أوراقي إلى كلية الآداب قسم صحافة التي كنت أرغب فيها بعد ضياع حلم الطب.
فشلت ونجحت في الكلية؛ تخرجت، عملت في مجال التنقيب عن البترول، أصبح لي شأن فيه، نجحت نجاحًا باهرًا، وصرت خبيرًا دوليًا في تخصصي، وعملت مع كبريات شركات التنقيب عن النفط عالميًا، لما يقرب من ثلاثين عامًا، ثم أترك البترول، وأتفرغ للأدب والكتابة، راغبًا في تحقيق حلم تأخر سنوات طويلة، لكن الفرصة ما زالت سانحة، وتحقيق الأمل والحلم لا عائق أمامهما أبدًا، ما دمت تصنع ما تحب، وتحب ما تصنعه.
نسيت أن أذكر صاحبي الذي هدأ من روعي؛ لقد حصل على 63٪ وأدخله التنسيق كلية الآداب قسم فلسفة، كان حريصًا على معرفة درجاتي في الكيمياء تحديدًا، فإذا هي 59 درجة من 60، وفي مادة الفيزياء 59 من60 بينما في الأحياء 58 من 60 نظر إليَّ في ريبة، وظن أنني كنت ممثلًا بارعًا، لم ينس لي صديقي هذا الموقف أبدًا، رغم أني كنت صادقًا.